التحولات الإجتماعية : إشكالات ومشكلات

بقلم الكاتب الناقد : حسني عايش

 من حضارات بطيئة الإيقاع كان البقاء فيها للأصلح أو للأقوى ( الأقدر على التكيف  مع الطبيعة ) إلى حضارة سريعة الإيقاع البقاء فيها للأسرع  ( الأقدر على التكيف مع التكنولوجيا )  
صارت الميزة التنافسية للحضارة الجديدة الناشئة هي السرعة أو الوقت الذي إن لم تقطعه قطعك . ومع أن حده ليس كحد السيف إلا أنه الفاصل بين الجد واللعب "
Be fast or Be Lost  ". في أمريكا ظهر إعلان يدعو للعبادة السريعة Express worship  على لسان راعيٍ إحدى الكنائس يقول : أعطونا اثنتين وعشرين دقيقة وسنريكم فيها مملكة الله.

ولما كان إيقاع الحضارات الماضية الباقية بطيء حركة الأشياء ( بالتجارة ) وحركة الأفكار ( بوسائل الاتصال) وحركة الناس ( بوسائل النقل ) بطيئة أيضاً، فقد كان الناس يرون أقل إلا أنهم كانوا يلاحظون أكثر فالعمق يتناسب عكسياً مع السرعة .

أما اليوم ونتيجة للتقدم التكنولوجي الكثيف والمتسارع فإن حركة الأشياء والأفكار والناس أسرع . وربما يكمن في هذه الحركة سر العولمة التي جاءت كنتيجة لها لا سبباً . كما صار الإنسان يرى أكثر ولكنه يلاحظ أقل فالعمق يتناسب عكسياً مع السرعة .

يولد الترابط بين عناصر هذه الحركة التي تبدو –لأول وهلة – منفصلة دوامة ( عالم هارب ) تعصب بخبراتنا وأفكارنا ووجداننا . حتى قال باحث ( استيفان بيرتمن ) قل لي ما وصلتك الكهربائية أقول لك من أنت :You are What you plug in

 

 من البطالة الموسمية إلى البطالة الدائمة  

لم تعرف الحضارات القديمة البطالة بالمعنى المعروف اليوم . كان هناك ما يمكن تسميته بالبطالة الموسمية وهي بطالة قسرية لا حقيقية ،وأشبه باستراحة  المحارب  الناجمة عن دورة الفصول الطبيعية . ثم صارت البطالة ظاهره  ( نتيجة اقتصادية ) بعد الثورة الصناعية بالمكننة ، وبعد الثورة التكنولوجية بالأتمتة .وقد اتخذت أشكالاً كثيرة . وسوف تصبح البطالة حقيقة ثابتة باضطراد التقدم التكنولوجي .أي أنه مثلما صار بإمكان 2% من الطاقة العاملة ( في أمريكا وفرنسا ... مثلاً ) قادرة على تلبية حاجات الناس جميعاً من الغذاء، يتنبأ أحد الخبراء ( ديل نيف ) بانتقال هذه النسبة إلى الإنتاج الصناعي قريباً . بمعنى أن 2% من الطاقة العاملة في العالم ستلبي حاجات البشرية جميعاً منه .

 تداعي الحواجز بين البيت والسوق ومكان العمل  
لم يعد للبيت حرمته أو خصوصيته بعد اختراق وسائل الاتصالات له في أي وقت ( بالخلوي مثلاً ) لقد تحول البيت إلى منزل أو فندق أو محطة لانطلاق القاطنين فيه ( في اتجاهات مختلفة ) وإن صار بإمكان المرء أن يعمل ويتسوق وهو في المنزل .

 وختاماً  
لايعني هذا الحديث عن اشكالات ومشكلات التحول الاجتماعي الناجمة عن التطور التكنولوجي أنه ليس لهذا التطور ايجابيات .إن له ايجابيات كثيرة لا مجال لذكرها الآن ، فالتكنولوجيا – مثلاً – تحول الصحراء إلى واحة ، ولكنها تحول الواحة كذلك إلى صحراء . لكن الاشكالات والمشكلات ( والإيجابيات ) تضعنا أمام أسئلة كبيرة كما طرحها أحد الفلاسفة الجدد:
 ما التقدم ؟ ما التقدم الاجتماعي ؟ هل يتحرر الإنسان بما يملك أم يستعبد به ؟ هل يمكن بلوغ الحكمة أو إنتاجها بالتكنولوجيا ؟ وما السبيل إلى قوة دافعة نحو المركز؟

ويتساءل آخر فيقول :هل لنا حق في رفض التكنولوجيا ؟ هل نملك القدرة على رفضها ؟

لقد فشل الُّلديون وكل من سار خلفهم في وقف الثورة الصناعية عندما وقعت . وعليه فإنني أتوقع أن تصبح  التكنولوجيا الزاهدة عزيزة عليه في المستقبل حين يداهمه عصر جديد ( عصر الفضاء مثلاً ).

وأخيراً إن الإنسان اليوم في صراع مع خطين تاريخيين – كما يقول بعض المفكرين – وهما : خط كان يخشى أن يتحول الإنسان إلى ما يشبه الآلة ، وخط آخر صار يخشى أن تتحول الآلة إلى ما يشبه الإنسان .

رجوع

اكتبوا لنا ملاحظاتكم واستفساراتكم

إعداد : حسني عايش

تحرير : المدرسة العربية  www.schoolarabia.net

  تاريخ التحديث 22 حزيران 2002  
Copyright © 2001 - 2002 SchoolArabia. All rights reserved الحقوق القانونية و حقوق الملكية الفكرية محفوظة للمدرسة العربية