من حضارات
بطيئة الإيقاع
كان البقاء
فيها للأصلح
أو للأقوى ( الأقدر
على التكيف مع الطبيعة
) إلى حضارة سريعة
الإيقاع البقاء
فيها للأسرع ( الأقدر على التكيف مع التكنولوجيا
)
صارت الميزة
التنافسية
للحضارة الجديدة
الناشئة هي
السرعة أو الوقت
الذي إن لم تقطعه
قطعك . ومع أن
حده ليس كحد
السيف إلا أنه
الفاصل بين
الجد واللعب
"Be fast or Be Lost
". في أمريكا
ظهر إعلان يدعو
للعبادة السريعة
Express worship
على لسان
راعيٍ إحدى
الكنائس يقول
: أعطونا اثنتين
وعشرين دقيقة
وسنريكم فيها
مملكة الله.
ولما
كان إيقاع الحضارات
الماضية الباقية
بطيء حركة الأشياء
( بالتجارة ) وحركة
الأفكار ( بوسائل
الاتصال) وحركة
الناس ( بوسائل
النقل ) بطيئة
أيضاً، فقد
كان الناس يرون
أقل إلا أنهم
كانوا يلاحظون
أكثر فالعمق
يتناسب عكسياً
مع السرعة .
أما
اليوم ونتيجة
للتقدم التكنولوجي
الكثيف والمتسارع
فإن حركة الأشياء
والأفكار والناس
أسرع . وربما
يكمن في هذه
الحركة سر العولمة
التي جاءت كنتيجة
لها لا سبباً
. كما صار الإنسان
يرى أكثر ولكنه
يلاحظ أقل فالعمق
يتناسب عكسياً
مع السرعة .
يولد
الترابط بين
عناصر هذه الحركة
التي تبدو –لأول
وهلة – منفصلة
دوامة ( عالم
هارب ) تعصب بخبراتنا
وأفكارنا ووجداننا
. حتى قال باحث
( استيفان بيرتمن
) قل لي ما وصلتك
الكهربائية
أقول لك من أنت
:You are What you plug
in
من
البطالة الموسمية
إلى البطالة
الدائمة
لم
تعرف الحضارات
القديمة البطالة
بالمعنى المعروف
اليوم . كان هناك
ما يمكن تسميته
بالبطالة الموسمية
وهي بطالة قسرية
لا حقيقية ،وأشبه
باستراحة
المحارب الناجمة
عن دورة الفصول
الطبيعية . ثم
صارت البطالة
ظاهره ( نتيجة
اقتصادية ) بعد
الثورة الصناعية
بالمكننة ،
وبعد الثورة
التكنولوجية
بالأتمتة .وقد
اتخذت أشكالاً
كثيرة . وسوف
تصبح البطالة
حقيقة ثابتة
باضطراد التقدم
التكنولوجي
.أي أنه مثلما
صار بإمكان
2%
من الطاقة العاملة
( في أمريكا وفرنسا
... مثلاً ) قادرة
على تلبية حاجات
الناس جميعاً
من الغذاء،
يتنبأ أحد الخبراء
( ديل نيف ) بانتقال
هذه النسبة
إلى الإنتاج
الصناعي قريباً
. بمعنى أن
2%
من الطاقة العاملة
في العالم ستلبي
حاجات البشرية
جميعاً منه
.
تداعي
الحواجز بين
البيت والسوق
ومكان العمل
لم
يعد للبيت حرمته
أو خصوصيته
بعد اختراق
وسائل الاتصالات
له في أي وقت
( بالخلوي مثلاً
) لقد تحول البيت
إلى منزل أو
فندق أو محطة
لانطلاق القاطنين
فيه ( في اتجاهات
مختلفة ) وإن
صار بإمكان
المرء أن يعمل
ويتسوق وهو
في المنزل .
وختاماً
لايعني
هذا الحديث
عن اشكالات
ومشكلات التحول
الاجتماعي
الناجمة عن
التطور التكنولوجي
أنه ليس لهذا
التطور ايجابيات
.إن له ايجابيات
كثيرة لا مجال
لذكرها الآن
، فالتكنولوجيا
– مثلاً – تحول
الصحراء إلى
واحة ، ولكنها
تحول الواحة
كذلك إلى صحراء
. لكن الاشكالات
والمشكلات
( والإيجابيات
) تضعنا أمام
أسئلة كبيرة
كما طرحها أحد
الفلاسفة الجدد:
ما
التقدم ؟ ما
التقدم الاجتماعي
؟ هل يتحرر الإنسان
بما يملك أم
يستعبد به ؟
هل يمكن بلوغ
الحكمة أو إنتاجها
بالتكنولوجيا
؟ وما السبيل
إلى قوة دافعة
نحو المركز؟
ويتساءل
آخر فيقول :هل
لنا حق في رفض
التكنولوجيا
؟ هل نملك القدرة
على رفضها ؟
لقد
فشل الُّلديون
وكل من سار خلفهم
في وقف الثورة
الصناعية عندما
وقعت . وعليه
فإنني أتوقع
أن تصبح
التكنولوجيا
الزاهدة عزيزة
عليه في المستقبل
حين يداهمه
عصر جديد ( عصر
الفضاء مثلاً
).
وأخيراً
إن الإنسان
اليوم في صراع
مع خطين تاريخيين
– كما يقول بعض
المفكرين – وهما
: خط كان يخشى
أن يتحول الإنسان
إلى ما يشبه
الآلة ، وخط
آخر صار يخشى
أن تتحول الآلة
إلى ما يشبه
الإنسان .