بقلم الكاتب الناقد
: حسني عايش
من عالم ثابت ومعقول إلى عالم
هارب ومجنون
كان
العالم يبدو للناس في الماضي – أي قبل الثورتين – طبيعياً ثابتاً
ومعقولاً أو مفهوماً . أما عالم اليوم فقد اختفى وجه الطبيعة منه ،
وصار كل شيء فيه مصنوعا أو تكنولوجيا ( هل ترون أنتم أو أطفالكم النجوم
أو القمر أو الشمس أو الغروب أو الشروق أو التضاريس الطبيعية ...؟)
ونتيجة للتغير المتسارع صار العالم يبدو وكأنه هارب من بين أيدينا أو
مجنون لا يمكن فهمه وكل واحد فيه يشكو ويتذمر مع أن غيره قد يحسده على
ما يراه ينعم به .
من المناعة الذاتية أو الطبيعية
إلى المناعة الطبية
كانت
حياة الإنسان في الماضي قصيرة ،ولكنه كان يتمتع بمناعة طبيعية أو ذاتية
ويعيش بصحبة جديدة لأنه ابن الطبيعة وربيبها .أما اليوم فإن الإنسان
وإن صار يعيش طويلاً بالمناعة الطبية (بالأدوية والعقاقير والعمليات
الجراحية ونقل الأعضاء ..) إلا أنه يعيش ( مجعلكاً) وكأنه في غرفة
العناية الحثيثة دوماً (ICU).
وغالبا ما يموت على الطرق أو ضحية للأمراض الجديدة أو في بيت للمسنين
في مستشفى أو في ركن مهمل من المنزل . كما صار يموت مرتين مرة
اجتماعياً بالعزلة والنبذ ، وأخرى حقيقياً .
وعندما
كانت المصيبة تزور الناس ( في الماضي ) كانت تأتي مشياً على الأقدام أو
على ظهر دابة ، فكانت الأحزان تطول بموت أحد الناس ، ولما كان الجميع
يعرفون الميت وعنوانه شخصياً .فقد كانوا يشاركون من القلب في الأحزان (
والأفراح ) وكانت الذكرى لاتموت
.
أما اليوم فإن المصيبة تأتي على ظهر سيارة او طائرة ... فلا يطول الحزن
ولا يشارك الجيران أحياناً فيه.بل قد يكون في الجوار الواحد مأتم وعرس
في الوقت نفسه . لقد أصبح الناس في المدن والمدن الكبيرة غرباء يعرفون
الاسم ولايعرفون العنوان فيعزون أو يهنئون نفاقاً . والواحد منهم يألف
وجه كلينتون ... أكثر ما يألف وجه جاره كما يقول احد علماء الاجتماع
،والتغير المتسارع واعتماد المرء على مخازن المعلومات يضعف الذاكرة .
ولما
كان التواصل
بين الناس في
الماضي وجاهياً
فقد كان حميمياً
.
أما التواصل
اليوم – وكما
يقول جون جالتنج
– فإنه يتم عن
بعد
Tele
.
وعنده ان الدمار
هو أي شيء يمنع
البشر من التفاعل
المباشر فيما
بينهم . لقد منع
التواصل عن
بعد التفاعل
المباشر المتعدد
الحواس بين
الناس وأفقده
الحميمة .