التحولات الإجتماعية : إشكالات ومشكلات

بقلم الكاتب الناقد : حسني عايش


 من انحراف اجتماعي إلى إفراز تكنولوجي
يرى الناس – بما في ذلك الأطقال – في التلفزيون الحياة "الجميلة "كل يوم.وبما أنه ما من اسرة تقريبا إلا وتمتلك تلفزيوناً - وربما ملوناً- فان ذلك يذكرها يومياً وعلى مدار الساعة ، بعجزها وفقرها.وحتى الأثرياء يشعرون أنهم- في الواقع – فقراء لكثرة ما يرون من سلع وخدمات تتنافس على انتباههم وجيوبهم بالإعلانات التلفزيوينة والصحفية وغابات لوحات الإعلان على الطرق وواجهات العمارات والأسطح والإنترنت ... والتي تزداد كماً ونوعاً وجاذبية وإغراء مع كل نبضة إعلانية.أن التلفزيون أو الإعلان... يقول لكل مشاهد أن الدعوة مفتوحة لك لتشارك في خيرات المجتمع والعالم ولكنه سرعان ما يصطدم بالحقيقة الإقتصادية التي تحرمه من ذلك .إن ذلك يعني أن من المستحيل على المرء المعاصر الشعور بالأمان من الإحساس الداخلي بالفشل.

ويتولد عن الحرمان من الإستهلاك إحساس داخلي بالإلحاح والقلق والياس ومن هنا ينبع أحد أهم روافد التطرف ويتغذى العنف والجريمة والفساد.كانت الجريمة في الماضي محدودة جداً وتعبر عن انحراف اجتماعي عن القيم ، وكان المجرمون والفاسدون يعدون على الأصابع .

أما اليوم فإنها إفراز من إفرازات المجتمع التكنولوجي والإستهلاكي. بل إنها بأشكالها الجديدة تنسجم مع الهدف الأسمى للمجتمع وهو الحصول على أكبر ما يمكن بأسرع ما يمكن : بالسرقة والفساد أو بالمخدرات التي توفر لمتعاطيها خدعة الشعور بامتلاكها مما يجعل الصالحين يعدون على الأصابع . إن الجريمة والفساد المتفشيين في المجتمع الاستهلاكي يجعلان الصالحين فيه يعدون على الأصابع أن مجرمي اليوم لا يرفضون قيم المجتمع كما كان يفعل أسلافهم في الأمس ، بل يستجيبون – لا شعورياً – لندائه أي لقيمه الجديدة .

لعل هذه الحالة المستعصية على الحل أو الدائرة الجهنمية الناجمة عن الصراع بين الرغبات والامكانيات والاعلانات هي السبب الأول للفساد والجريمة – كما ذكرنا – فهي التي تحول الناس (من رؤساء الدول إلى الخدم) إلى ضواري تتسلق جدران مؤسسات الدولة (الحكومية والخاصة والأهلية) لنهبها والانسحاب بالغنيمة . لقد أصبح الفوز والنجاح بأي ثمن في المجتمع الاستهلاكي المعيار كما يقول جون جالتنج .

 

 

اكتبوا لنا ملاحظاتكم واستفساراتكم

إعداد : حسني عايش

تحرير : المدرسة العربية  www.schoolarabia.net

  تاريخ التحديث 22 حزيران 2002  
Copyright © 2001 - 2002 SchoolArabia. All rights reserved الحقوق القانونية و حقوق الملكية الفكرية محفوظة للمدرسة العربية