إِنَّ الغَريبَ غَريبُ اللَّحدِ والكَفَنِ
على الْمُقيمينَ في الأَوطــانِ والسَّكَنِ
الدَّهْرُ يَنْهْرُه بالذُّلِ والمِحَنِ
وَقُوَّتي ضَعُفَتْ والمـوتُ يَطلُبُنـي
الله يَعْلَمُهــا في السِّرِ والعَلَنِ
وقَدْ تَمـادَيْتُ في ذَنْبي ويَسْتُرُنِي
ولا بُكاءٍ وَلاخَـوْفٍ ولا حـَزَنِ
عَلى المعاصِي وَعَيْنُ اللهِ تَنْظُرُنـي
يَـا حَسْرَةً بَقِيَتْ في القَلبِ تُحْرِقُني
وَأَقْطَعُ الدَّهْرَ بِالتَّذْكِيـرِ وَالحَزَنِ
لَوْ كُنْتَ تَعْلَمُ مَا بي كُنْت تَعْذُرُني
فَهَلْ عَسَى عَبْرَةٌ مِنْهَا تُخَلِّصُني
عَلى الفِراشِ وَأَيْديهِمْ تُقَلِّبُني
يَبْكِي عَلَيَّ ويَنْعَاني وَيَنْدُبُني
وَلَمْ أَرىَ الطِّبَّ هـذا اليـومَ يَنْفَعُني
مِن كُلِّ عِرْقٍ بِلا رِفقٍ ولا هَوَنِ
وصـَارَ رِيقي مَريراً حِينَ غَرْغَرَني
بَعْدَ الإِياسِ وَجَدُّوا في شِرَا الكَفَنِ
نَحْوَ المُغَسِّلِ يَأْتينـي يُغَسِّلُنــي
حُراً لَبِيبـا أَرِيباً ً عَارِفـاً فَطِنِ
مِنَ الثِّيــابِ وَأَعْرَاني وأَفْرَدَني
وَصـَارَ فَوْقي خَرِيرُ الماءِ يَنْظِفُني
غُسْلاً ثَلاثاً وَنَادَى القَوْمَ بِالكَفَنِ
وَصارَ زَادي حَنُوطِي حيـنَ حَنَّطَني
عَلى رَحِيـلٍ بِلا زادٍ يُبَلِّغُنـي
مِنَ الرِّجـالِ وَخَلْفِي مَنْ يُشَيِّعُني
خَلْفَ الإِمـَامِ فَصَلَّى ثـمّ وَدَّعَني
ولا سُجـودَ لَعَلَّ اللـهَ يَرْحَمُني
وَقَدَّمُوا واحِداً مِنهـم يُلَحِّدُنـي
وَأَسَْبَل الدَّمْعَ مِنْ عَيْنيهِ أَغْرَقَني
وَصَفَّفَ اللَّبِنَ مِنْ فَوْقِي وفـارَقَني
حُسْنَ الثَّوابِ مِنَ الرَّحمنِ ذِي المِنَنِ
أَبٌ شَفـيقٌ ولا أَخٌ يُؤَنِّسُني
مِنْ هَوْلِ مطلعها قَدْ كَانَ أَدْهَشَني
قَدْ هــَالَني أَمْرُهُمْ جِداً فَأَفْزَعَني
مَـالِي سِوَاكَ إِلهـي مَنْ يُخَلِّصُنِي
فَإِنَّني مُوثَقٌ بِالذَّنْبِ مُرْتَهــَنِ
وَصَارَ وِزْرِي عَلى ظَهْرِي فَأَثْقَلَني
وَحَكَّمَتْهُ على الأَمْوَالِ والسَّكَـنِ
وَصَارَ مَـالي لهم حـِلاً بِلا ثَمَنِ
وانْظُرْ إلى فِعْلِهــا في الأَهْلِ والوَطَنِ
هَلْ رَاحَ مِنْها بِغَيْرِ الحَنْطِ والكَفَنِ
لَوْ لم يَكُنْ لَكَ إِلا رَاحَةُ البَدَنِ
يَا زَارِعَ الشَّرِّ مَوْقُوفٌ عَلَى الوَهَنِ
فِعْلاً جميلاً لَعَلَّ اللهَ يَرحَمُني
عَسى تُجازَيْنَ بَعْدَ الموتِ بِالحَسَنِ
مَا وَضّـأ البَرْقَ في شَّامٍ وفي يَمَنِ
بِالخَيْرِ والعَفْوْ والإِحْســانِ وَالمِنَنِ |
لَيْسَ الغَريبُ غَريبَ
الشَّأمِ واليَمَنِِ
إِنَّ الغَريِبَ لَهُ حَقٌّ لِغُرْبَتِهِ
لا تَنْهَرنَّ غريباً حَالَ غُربتهِ
ِسَفَري بَعيدٌ وَزادي لَنْ يُبَلِّغَني
وَلي بَقايا ذُنوبٍ لَسْتُ أَعْلَمُها
مَا أَحْلَمَ اللهَ عَني حَيْثُ أَمْهَلَني
تَمُرُّ ساعاتُ أَيّـَامي بِلا نَدَم
أَنَا الَّذِي أُغْلِقُ الأَبْوابَ مُجْتَهِداً
يَـا زَلَّةً كُتِبَتْ في غَفْلَةٍ ذَهَبَتْ
دَعْني أَنُوحُ عَلى نَفْسي وَأَنْدِبُها
دَعْ عَنْكَ عَذْلي يَا مَنْ كان يَعْذِلُني
دَعْني أَسِحُّ دُمُوعاً لا انْقِطَاعَ لَهَا
كَأَنَّني بين جل الأَهلِ مُنطَرِحَاً
و قد تجـمع َحَوْلي مَنْ يَنُوحُ ومَنْ
وَقد أَتَوْا بِطَبيبٍ كَيْ يُعالِجَني
واشَتد نَزْعِي وَصَار المَوتُ يَجْذِبُها
واستَخْرَجَ الرُّوحَ مِني في تَغَرْغُرِها
وَغَمَّضُوني وَراحَ الكُلُّ وانْصَرَفوا
وَقـامَ مَنْ كانَ حِبَّ النّاسِ في عَجَلٍ
وَقالَ يا قَوْمِ نَبْغِي غاسِلاً حَذِقاً
فَجاءَني رَجُلٌ مِنْهُمْ فَجَرَّدَني
وَأَوْدَعوني عَلى الأَلْواحِ مُنْطَرِحاً
وَأَسْكَبَ الماءَ مِنْ فَوقي وَغَسَّلَني
وَأَلْبَسُوني ثِياباً لا كِمامَ لهـا
وأَخْرَجوني مِنَ الدُّنيا فَوا أَسَفاً
وَحَمَّلوني على الأْكتـافِ أَربَعَةٌ
وَقَدَّموني إِلى المحرابِ وانصَرَفوا
صَلَّوْا عَلَيَّ صَلاةً لا رُكوعَ لهـا
وَأَنْزَلوني إلـى قَبري على مَهَلٍ
وَكَشَّفَ الثّوْبَ عَن وَجْهي لِيَنْظُرَني
فَقامَ مُحتَرِمــاً بِالعَزمِ مُشْتَمِلاً
وقَالَ هُلُّوا عليه التُّرْبَ واغْتَنِمواِ
في ظُلْمَةِ القبرِ لا أُمٌّ هنــاك ولا
وَهَالَني صُورَةْ في العَين إذ نَظَرَتْ
مِنْ مُنكَرٍ ونكيرٍ مـا أَقولُ لهم
وَأَقْعَدوني وَجَدُّوا في سُؤالِهـِمُ
فَامْنُنْ عَلَيَّ بِعَفْوٍ مِنك يــا أَمَليِ
تَقاسمَ الأهْلُ مالي بعدما انْصَرَفُوا
واستَبْدَلَتْ زَوجَتي بَعْلاً لهـا بَدَلي
وَصَيَّرَتْ وَلَدي عَبْداً لِيَخْدُمَهــا
فَلا تَغُرَّنَّكَ الدُّنْيــا وَزِينَتُها
وانْظُرْ إِلى مَنْ حَوَى الدُّنْيا بِأَجْمَعِها
خُذِ القَنـَاعَةَ مِنْ دُنْيَاك وارْضَ بِها
يَـا زَارِعَ الخَيْرِ تحصُدْ بَعْدَهُ ثَمَراً
يـَا نَفْسُ كُفِّي عَنِ العِصْيانِ واكْتَسِبِي
يَا نَفْسُ وَيْحَكِ تُوبي واعمَلِي حَسَناً
ثمَّ الصلاةُ على الْمُختـارِ سَيِّدِنـا
والحمدُ لله مُمْسِينَـا وَمُصْبِحِنَا |
|