المفاهيم
الأساسية:
مصادر
المعرفة ( Sources
of Knowledge ): يعترف
بياجيه بأن ما يعرفه إنسان ما إنما ينجم جزئياً عما يتعلمه هذا
الإنسان من بيئته الاجتماعية والمادية
أي من عالم الناس والأشياء. كما يعترف
بأن وجود الكائن بصورة سليمة لم تعد
شرطاً أولياً لحصول التعلم. ويضيف إلى
عوامل التعلم الاجتماعية والمادية
والنضوجية عاملاً آخر هو عملية
الموازنة التي تقود التعلم.
والموازنة تعني كيف يستطيع الإنسان
تنظيم المعلومات المتناثرة في نظام
معرفي غير متناقض. وهي لا تنجم عما يراه
الإنسان، بل إنها تساعد الإنسان
علىفهم ما
يراه. وعن طريق هذه القدرة الموروثة التي
نطلق عليها اسم الموازنة يمكننا
تدريجياً الاستدلال
(inference) على
الكيفية التي ينبغي أن تكون عليها
الأشياء في هذا العالم.
عملية
الموازنة ((The
Process Equilibration:
تمكن بياجيه من التعرف على عدة خطوات
في عملية الموازنة تهدف إلى القضاء على
مختلف أشكال التناقضات. وعملية
الموازنة تبدأ ببعض الاضطراب إذ يشعر
الإنسان بأن هناك شيئاً ما ليس على ما
يرام. ولنأخذ
مثالاً على ذلك الطفلة التي
تتنبأ بأن الماء الذي يصب في كأس قصير
عريض سيصل إلى نفس المستوى إذا ما صب في
كأس آخر طويل وضيق. وعندما تلاحظ هذه
الطفلة أن مستوى الماء في الكأس الثاني
أعلى منه في الكأس الأول فإنها تصاب
بالإنزعاج. وهذا ما نسميه بالاضطراب (disturbance)
أو الصراع بين ما هو متوقع وما نشاهده
أمام ناظرينا. فالاضطراب يطلق بعض
التنظيمات (regulations)
من أجل العمل على تخفيف حدة الاضطراب.
وفي المثال السابق فقد تعيد الفتاة صب
الماء في الكأس العريض، وريما كان ذلك
كي تتأكد من أنها لم تكن مخطئة في
نظرتها إلى مستوى الماء في الأصل. وفي
ختام الأمر، ومن خلال أنماط أخرى من
التنظيمات وبعد اكتساب العديد من
الخبرات من الحياة اليومية فإن الفتاة
تبدأ في فهم السبب الذي يجعل من مستوى
الماء في الكأس الطويل الضيق أعلى منه
في الكأس القصير المتسع.
والتكيّف، وهو الهدف النهائي لعملية
الموازنة، ينطوي على التفاعل بين
عمليتين فرعيتين هما التمثل والملاءمة.
وهاتان العمليتان ليستا أكثر من شكلين
آخرين من أشكال التنظيم. فالتمثل (assimilation)
عملية تغيير الخبرات الجديدة إلى
خبرات مألوفة والتمثل وحده، أو التمثل
بدون الملاءمة، من شأنه أن يشوه الخبرة
الجديدة.
فالطفلة
التي أشرنا إليها في المثال السابق قد
تقول، عندما ترى أن مستوى الماء قد هبط
عند إعادة صبه في الكأس العريض "إن
بعض الماء قد تسرب عند إعادة صبّه ".
أما الملاءمة (accommodation)
فهي عملية الانتباه التي تختص كلية
بالتجربة الجديدة وبصورة مستقلة عن
الخبرات السابقة. والملاءمة بدون
التمثل قد تؤدي إلى نتائج خاطئة كأن
تقول الطفلة "نعم إن الماء يكون على
مستوى منخفض أحياناً وعلى مستوى مرتفع
أحياناً أخرى". وفي هذه الحالة فإن
الطفلة تلائم فقط ما هو ماثل أمامها
بدون أية محأولة لتمثل ما هو ماثل في
الخبرة السابقة. فالتعادل بين التمثل
والملائمة ضروري للطفل كي يستطيع
الوصول إلى تفسير للحوادث الماثلة
أمامه ويكون أكثر دقة وأكثر تكيفاً.
أنواع
المعرفة (Types
of Knowledge):
يميّز
بياجيه بين نوعين من المعرفة:
المعرفة الشكلية (Figurative
Knowledge)
وهي تشير إلى معرفة المثيرات
بمعناها الحرفي. فالطفل الرضيع يرى
مثيراً ما،متمثلاً في حلمة زجاجة
الإرضاع فيبدأ في مص الزجاجة. والولد
يرى سيارة أبيه قادمة من بعيد فيسرع
لفتح باب المنزل.ومعرفة الأشكال تعتمد
على التعرف على الشكل العام للمثيرات و
من هنا جاءت تسميتها بالمعرفة الشكلية
وهذه المعرفة لا تنبع من المحاكمة
العقلية.
أما
المعرفة التي تنبع من المحاكمة
العقلية فان بياجيه
يطلق عليها اسم معرفة
الإجراء ( الفعل ) (Operative
Knowledge)
وهي المعرفة التي تنطوي على التوصل إلى
الاستدلال في أي مستوى من المستويات
وعلى سبيل المثال لنفرض أنني وضعت كرة
الجولف وسط مجموعة من كرات
التنس، وبعد ذلك وفي أثناء قيام
طفل ما بمراقبتي قمت بنقل تلك الكرة
ووضعتها وسط مجموعة من البلى التي يلعب
بها الأطفال. وفي هذه الحالة فإن كرة
الجولف ستبدو كبيرة الحجم مقارنة
بالبلى. وعندها يستطيع الطفل الذي يقوم
بمراقبتي أن يحاج قائلاً طالما أن
الكرة هي الكرة وطالما أن الأجسام لا
تغير حجمها بسبب تغير مكان تواجدها فإن
كرة الجولف هذه ليست الآن أكبر حجماً
مما كانت عليه من قبل. وبصورة عامة
فالمعرفة الإجرائية تهتم بالكيفية
التي تتغير عليها من حالتها السابقة
إلى حالتها الحالية، مثل تغير موقع كرة
الجولف. أما المعرفة الشكلية فتهتم
بالأشياء في حالتها الساكنة في لحظة
زمنية معينة.
مستويات
المعرفة (Levels
of Knowledge):
وبمضي
الوقت تزداد قدرة الطفل على استخدام
المعرفة الاجرائية مخلفاً وراءه جوانب
معرفة الشكل التي كانت سائدة في حياته
الأولى. ووفقاً لنظرية بياجيه هناك
أربع مراحل رئيسية من مراحل التطور
المعرفي عند الأطفال.
ففي
السنتين الأولى والثانية من عمر الطفل
أو الفترة الحسية الحركية
(Sensorimotor Period)
يتعلم الأطفال فكرة استمرارية الأشياء
وكذلك فكرة انتظام الأشياء في العالم
الفيزيقي. فمن خلال المسك والمص (
الرضاعة) والنظر إلى الأشياء ورميها
بعيداً ومن خلال تحريك الأشياء هنا
وهناك يتعلم الأطفال بناء فهم جيد
نوعاً ما لحدود الأشياء الصغيرة
وإمكاناتها. وعلى سبيل المثال فالشيء
الذي يخبأ تحت الوسادة يمكن الحصول
عليه ثانية .وقطعة النقود التي تنتقل
إلى يد تغلق عليها تصبح في مكان جديد،
والصوت المنبعث من الخلف ربما كان
صادراً عن شيء يمكن رؤيته إذا ما
التفتنا إلى الخلف. ومن خلال التنظيم
الحسي الحركي يعرف الأطفال أن بعض
التغيرات تؤدي إلى بعض الاختلافات
بينما التغيرات الأخرى تؤدي إلى ذلك.
فإدارة لعبة ما لا تجعل من هذه اللعبة
لعبة جديدة حتى ولو بدت مختلفة عن
ذي قبل.
وفي
الفترة التالية أو الفترة ما قبل
الإجرائية (Preoperational Period)
من سن الثانية حتى
السابعة، يبدأ الأطفال في معرفة
الأشياء في صورتها الرمزية وليس مجرد
المعرفة القائمة على الأفعال الواقعية
ويصبحون على وعي أكبر بتلك الأشياء
التي عرفوها في المرحلة الحسية
الحركية السابقة.وعلى سبيل المثال
يمكن لهم أن يفسروا السبب في أن اللعبة
التي تدار حول نفسها ليست لعبة جديدة."
ألم تقم قبل قليل بتحريك اللعبة كي
تدور حول نفسها؟."
فكلمات الأطفال في هذه المرحلة كلمات
رمزية تمثل الأعمال المختلفة التي
يرونها وتساعدهم كي يفهموا بصورة أكثر
وعياً السبب الذي لا تؤدي بعض التغيرات
من جرائه إلىحدوث اختلافات. وفي هذه
المرحلة، فترة ما قبل الإجراء يكتسب
الأطفال طلاقة أكثر في التعبير الرمزي
والإيماءات الجسمية والأصوات
الإنسانية والكلمات مما يساعدهم على
تجاوز المعرفة القائمة على الوجود
الراهن المباشر ومع ذلك وحتى مع ازدياد
الطاقة الرمزية فالطفل في مرحلة ما قبل
الإجراء لايستطيع القيام بالاستدلال
الاستنتاجي أو التوصل إلى النتائج
التي تكون صحيحة وفق المقتضيات
المنطقية، ومن هنا جاءت تسمية هذه
المرحلة ما قبل الإجرائية.
أما
في الفترة الإجرائية المحسوسة (العينية)
(Concrete
Operational Period)
التي توجد ما بين السابعة والثانية
عشرة من العمر، فالأطفال يطورون
قدراتهم على التفكير الاستدلالي. وهذا
الاستدلال محدود ضمن نطاق ما يشاهده
الطفل، ومن هنا جاءت تسمية هذه المرحلة
الإجرائية "بالمرحلة الإجرائية
المحسوسة". ولم تكن هذه التسمية
موفقة كثيراً، أو كثيراً ما كان الطلاب
يسيئون فهم ما يعنيه بياجيه ويعتقدون
أنها تعني التفكير المحسوس وليس
التفكير المجرد. حقيقة إن التفكير في
هذه المرحلة تفكير استدلالي (وهو نوع من
التفكير المجرد). فالأطفال في سن
المرحلة الاجرائية المحسوسة
باستطاعتهم على سبيل المثال أن
يستنتجوا كضرورة منطقية أن العصا (أ)
أغلظ من العصا (ج) حتى لو لم يروا سوى أن
العصا (أ) أغلظ
من العصا (ب) وأن العصا (ب ) أغلظ من (ج).
وطالما أنهم يروا العصا (أ) والعصا (ج)
مجتمعتين فلا يمكننا والحالة هذه أن
نقول بأن تفكيرهم يعتمد على الحضور
المحسوس لهذه الأشياء. ومع ذلك فإن
محتوى الاستدلال في هذه السن يقوم على
الأشياء الفعلية وليست المجردة.
والفترة
الرابعة التي يطلق عليها اسم
الفترة الإجرائية الصورية تبدأ في
سن الثالثة عشرة تقريباً. ويستطيع
الأطفال في هذه
المرحلة أن يتوصلوا إلى الاستدلالات
عن طريق الاستدلالات الأخرى ومشكلة
النسبة مثال جيد على ذلك. أعط تلميذاً
ثلاث دوائر وستة مربعات. ثم اطلب منه أن
يعطيك ما مجموعه اثنا عشر شكلاً مع
المحافظة على نسبة الدوائر إلى
المربعات. ولحل هذه المشكلة
فإنه يلزم للتلميذ أن يقسم 3 على 6
أولاً ثم يضرب الأعداد الناتجة في 12.
وفي المرحلة الإجرائية المحسوسة لا
يستطيع التلاميذ القيام إلا بعملية
واحدة من العمليات الحسابية في
كل مرة أي أنهم لا يعرفون كيف يربطون
بين عملية (قسمة 3 على 6) وعملية أخرى (
ضرب الناتج x
12 ) كي يتوصلوا إلى حل للمشكلة. أما
الأطفال الأكبر سناً أي في الفترة
الإجرائية الصورية، فهم يستطيعون
القيام بعملية ما (عملية الضرب) بناءاً
على ما يتوصلون إليه من ناتج عملية
أخرى ( القسمة). أي أن تفكيرهم قد تسامى
الآن فوق حدود استخدام الأشياء كمحتوى
وحيد للتفكير بل يستخدمون عمليات أو
إجراءات كمحتوى لتفكيرهم.
مضمون
النظرية البنائية
تأثر
جان بياجيه البيولوجي السويسري بأبحاث
عدد من العلماء والفلاسفة الذين سبقوه.
فقد قرأ أعمال الفيلسوف ( كانت ) قراءة
متعمقة، حيث اهتم هذا الفيلسوف بتحديد
مصدر القدرة الإنسانية على معرفة
الحقيقة أو ما يسمى بنظرية المعرفة،
والتي مفادها أن تعلم أي شيء عن العالم
يتطلب معرفة سابقة ببعض المفاهيم
الأساسية المتعلقة بالزمان والمكان.
ويوافق بياجيه على أن هذه المفاهيم
أساسية ولكنه توصل إلى نتيجة مفادها أن
الطفل يقوم ببناء هذه المفاهيم
تدريجياً من خلال عملية الموازنة.
هذا
ومع أن بياجيه كان عالماً بيولوجياً في
بادئ الأمر، إلا أن اهتماماته الواسعة
شملت التطور النفسي عند الأفراد. ويرى
بياجيه أن ما ينظم نمو الذكاء هو نفس
العمليات التي تحدد الشكل العام
والتغيرات في فسيولوجية جيمع الأنظمة
الحية، وتوصل إلى ذلك في ضوء مقارنته
بين العلمية التي تستطيع الكائنات
الحية بموجبها أن تتكيف مع التغيرات في
بيئتها من جهة والعملية التي يستطيع
الأطفال بموجبها بناء فهم أكثر ذكاءاً
للعالم الذي يعيشون فيه.
فرضيات
النظرية البنائية لبياجيه:
التعلم
كما يحلو لبياجيه أن يحدده، عملية
تنظيم ذاتيه تؤدي إلى فهم العلاقات بين
عناصر المفهوم الواحد المحدد، وفهم
كيف يرتبط هذا المفهوم بالمفاهيم
التي سبق تعلمها. ويمكن تلخيص فرضيات
هذه النظرية بما يلي:
1-
التطور حالة خاصة من حالات التطور.
2-
التطور عملية زيادة الوعي بالعلاقة
بين من يعرف وما يعرَف.
3-
الادراك الحسي موجه من قبل عمليات
عقلية هي ذاتها ليست وليدة أشكال سابقة
له.
4-
التعلم عملة خلق عضوية وليست عملية
تراكم آلية (تتم دون تفكير).
5-
كل مفهوم مكتسب ينطوي على استدلال ما.
6-
الأخطاء ليست في الغالب نتيجة عدم
الانتباه بل نتيجة لشكل أولي من
التفكير الاستدلالي.
7-
التعليم القائم على الفهم يتطلب
تنظيماً ذاتياً نشطاً.
8-
التعلم القائم على المعنى يحدث عن طريق
نفي ( إلغاء) مستويات فهم سابقة غير
كاملة.
9-
التعلم القائم على المعنى يتم عندما
يزيل المتعلم تناقضاً
أو
تعارضاً بين التنبؤات والنتائج.
10- جميع أشكال النفي (
الإلغاء) يبينها الفرد ذاته وليست
نتاجاً آلياً للتغذية الراجعة من
البيئة.
|