للقراءة

 

مفهوم العلاقات الدولية

يعرف جون بورتون العلاقات الدولية بأنها: علم يهتم بالملاحظة والتحليل والتنظير من اجل التفسير والتنبؤ. ويعرفها تشارلز مايكلاند بأنها دراسة التفاعلات بين أنواع معينة من الكيانات الاجتماعية بما في ذلك دراسة الظروف الملائمة المحيطة بالتفاعلات.  و يعرفها كونسي رايت (بأكثر توسعاً) بأنها علاقات شاملة تشمل مختلف الجماعات في العلاقات الدولية سواء كانت علاقات رسمية أم غير رسمية. 

على نفس النمط التوسعي للتعريف السابق، يرى فيريدرك هارتمان بان مصطلح العلاقات الدولية يشمل على كل الاتصالات بين الدول وكل حركات الشعوب والسلع والأفكار عبر الحدود الوطنية. ويري دانيل كولارد بان دراسة العلاقات الدولية تضم العلاقات السلمية والحربية بين الدول ودور المنظمات الدولية، وتأثير القوى الوطنية ومجموع المبادلات والنشاطات التي تعبر الحدود الوطنية. أما الدكتور سعد حقي توفيق فيعرف العلاقات الدولية بأنها ظاهرة من التفاعلات المتبادلة المتداخلة السياسية وغير السياسية بين مختلف وحدات المجتمع الدولي.

 

السياسة الخارجية، السياسة الدولية والعلاقات الدولية

السياسة الخارجية Foreign Policy هي القرارات التي تحدد أهداف الدولة الخارجية ولأعمال التي تتخذ لتنفيذ تلك القرارات. يعرفها مارسيل ميرل بأنها ذلك الجزء من النشاط الحكومي الموجه نحو الخارج، أي الذي يعالج بعكس السياسة الداخلية، مشاكل تطرح ما وراء البحار.

 السياسة الدولية  International Politics   هي التي نهتم بعملية التفاعل بين دولتين أو أكثر. فالسياسة الدولية كما عرفها سنيدر وزملاؤه هي أفعال وردود أفعال وتفاعلات بين وحدات تعرف بالدول القومية. إذن فالطالب الذي يحلل سلوك دولة ما نحو البيئة الخارجية، . . .  هوا طالب يهتم أساسا بالسياسة الخارجية. أما الطالب الذي يرى أعمال دولة ما مجرد جزء من عملية تتكون من الأفعال آو الأعمال Actions التي تصدر من دولة ما وردود الفعل أو الاستجابات Reactions من قبل دول أخرى فهو طالب يهتم بالسياسة الدولية أو بعملية التفاعل بين دولتين أو أكثر.

 إذا في حقل السياسة الخارجية والسياسة الدولية محور التركيز هو الدولة. أما فيما يتعلق بمصطلح العلاقات الدولية  International Relations   فهو مصطلح يشير إلى كافة أشكال التفاعل بين وحدات المجتمع الدولي سواء كانت تلك الوحدات دولا أم لا. لذا فالعلاقات الدولية مثل السياسة الدولية تهتم بالتفاعل بين الدول القومية، إلا أنها في عملية تحليل التفاعل تشمل إلى جانب الدول عوامل أخرى مثل الاتحادات النقابية عبر الإقليمية والمنظمات الدولية والشركات العالمية، كما تشمل التجارة الدولية والقيم والمفاهيم والأخلاقيات الدولية.

 

دراسة علم العلاقات الدولية وتطوره

تعود نشأة العلاقات الدولية كفرع دراسي إلى أوائل القرن العشرين. وتحديدا خلال الفترة التي سبقت اندلاع الحرب العالمية الأولى. ولقد تطور هذا الحقل الجديد من المعرفة منذ نشأته بحيث مر بعدد من  المراحل.

 

المرحلة الأولى: دراسة التاريخ الدبلوماسي

بدأت هذه المرحلة قبل الحرب العالمية الأولى وتواصلت بعدها. حيث كانت دراسات العلاقات الدولية تقوم علي تتبع التاريخ الدبلوماسي بحيث لم تكن تختلف عن دراسة التاريخ بشكل عام. ولقد اتسمت الدراسات خلال تلك المرحلة بالمعرفة التاريخية والاهتمام بالمنهج التاريخي وبأصول وقواعد التاريخ. ولم تكن هناك أي جهد لتطوير اطر نظرية حتى يمكن تحليل المعلومات المتوفرة وتنظيمها ضمن هذه الأطر. . . . بحيث كان هناك غياب كامل لأي شيء يمكن أن يكون بمثابة نظرية في العلاقات الدولية.

 

ألمرحلة الثانية: دراسة الأحداث الجارية

 نشأت هذه المدرسة في الفترة مابين الحربين العالميتين الأولى والثانية كردة فعل على دراسة التاريخ الدبلوماسي ونتيجة ازدياد الاهتمام بالسياسة الدولية خارج الأوساط الرسمية . . . وصار هناك تركيز على دراسة الحاضر. ونشأ تيار اهتم بدراسة الأحداث الجارية. وتحولت دراسة العلاقات الدولية إلى تحليل وشرح الأبعاد والمعاني والانعكاسات للأحداث الجارية.

 

 ألمرحلة الثالثة: دراسة القانون الدولي والمنظمات الدولية.

 تزامنت نشأة هذه المدرسة مع مدرسة الأحداث الجارية. وجاءت كردة فعل على الحرب العالمية الأولى وكمحاولة لإيجاد وسائل لإلغاء النزاعات نتيجة ما يترتب عليها من ويلات ولتنظيم المجتمع الدولي على أسس جديدة. وقد عرفت هذه المدرسة في العلاقات الدولية بتيار المثالية [الذي سوف يدرس لاحقا ضمن النظريات]. . .  [ولقد] صار الباحث أو المتخصص في إطار هذه المدرسة صاحب دعوة إصلاحية أو تغيرية يحث على إقامة منظمات دولية وتطبيق أحكام القانون الدولي.

  

ألمرحلة الرابعة: دراسة السياسة الدولية.

وقد بدأت هذه المرحلة بعد الحرب العالمية الثانية بحيث انتقل الاهتمام من دراسة المنظمات الدولية إلى دراسة السياسة الدولية. وجاء ذلك ضمن ما عرف بمدرسة الواقعية السياسية (Real Politik) التي [سوف تدرس لاحقا ضمن حقل النظريات].

فلم يعد الاهتمام منصبا على تقيم ظاهرة أو حدث سياسي من زاوية مثالية، بل تحول الاهتمام نحو دراسة وفهم الأحداث والظواهر السياسة. وانتقل الاهتمام مما يجب أن يكون علية العالم إلى دراسة ما هو قائم فعلاً.  إذن، لم تعد نقطة الانطلاق من البنية التنظيمية الدولية بل صارت أهداف ومصالح الدول هي الأساس في الدراسة.

ولم يعد ينظر إلى ممارسات وسياسات المنظمات بشكل مجرد ومستقل عن الدول بل صارت تعتبر كمحصلة لسياسات ومصالح دول مختلفة وصارت المنظمات تعتبر فقط بمثابة منتدى لتفاعل هذه السياسات وليست كطرف ذات دور مختلف ومتميز عن دور الدول.  وقد أدى ذلك عمليا إلى ربط دراسة العلاقات الدولية بدراسة العلوم السياسية.

 

ألمرحلة الخامسة: مدرسة السلوكية (Behavioral School).

 وقد  نشأت هذه المدرسة في منتصف الخمسينات وقامت على انتقاد غياب البحث العلمي عند المدرستين الواقعية والمثالية وكذلك انغلاقهما أمام النتائج والمعلومات والمناهج البحثية التي توصلت إليها العلوم الاجتماعية والإنسانية الأخرى. واستفادت هذه المدرسة [والتي سوف تدرس لاحقاً]. . . من مفاهيم ونظريات ومناهج كثيرة من حقول أكاديمية بعضها قديم وبعضها جديد نسبياً ومنها الاقتصاد، وعلم النفس، وعلم الانثربولوجيا، وعلم الاجتماع . . . واعتمدت مناهج بحث كمية ومقارنة. وحاولت المدرسة السلوكية إيجاد روابط بين المفاهيم والنظريات المختلفة الجديدة وتصنيفها ومقارنتها وإعادة تعريفها في إطار نظري مندمج جديد.

 

ألمرحلة السادسة: مدرسة  ما بعد السلوكية (Post Behavioral School).

 وقد  نشأت هذه المدرسة  أساسا في أواخر الستينات كردة فعل على السلوكية. وهي في أهدافها تمثل عودة إلى المدرسة المثالية من حيث ضرورة توظيف العلوم الاجتماعية والبحث الأكاديمي من أجل  تطوير المجتمع الدولي والتغلب على النزاعات وخدمة أهداف السلام والعدل.

 

ألمرحلة السابعة: مدرسة الواقعية الجديدة.

 ونشأت . . . في أواخر السبعينات، وهي وان أبقت على المفاهيم الأساسية في الواقعية كدور الدولة وأهمية القوة وميزان القوى والمصلحة القومية، إلا أنها تعتبر تطوراً عن الواقعية القديمة من حيث انفتاحها على حقول العلوم الاجتماعية الأخرى واستفادتها منها وعدم اعتبار الحقل السياسي كحقل مستقل ذاتياً، كما كان الحال مع كتاب المدرسة الواقعية القديمة.

 

المنتظم الدولي

يقصد بالمنتظم الدولي International System   أي مجموعة من الوحدات السياسية المستقلة –دولة المدينة، الدولة، أو الإمبراطورية- التي تتفاعل في تكرار يمكن اعتباره وفقا لعملية منظمة. لذا فلكي يكون هناك منتظم System لابد من توفر مجموعة من الوحدات تعمل ككل بمقتضى التوافق (الاعتماد المتبادل) بينها.

 ثم أن العمل أو التفاعل بين تلك الوحدات والتي تكون كل واحدة منها جزءا من الكل يجب أن يتكرر تكرارا يمكن اعتباره. فالتفاعل أو الاحتكاك مرة أو مرتين بين الأجزاء (الوحدات السياسية المستقلة) لا يكفى لإيجاد المنتظم فقد يكون هذا التفاعل طارئا لا يلبث أن يقف ثم يتحول الجزء إلى وحدة مستقلة بحد ذاته وفي مثل هذه الحالة يقف المنتظم وينتهي وجودة.

 أخيرا أن التفاعل المتكرر لابد أن يحدث وفق عملية منظمة تعطي انطباعاً للملاحظ بان المنتظم يعمل كأجزاء متكاملة ضمن نسق معين.

 

النظام الدولي

يعرف بأنه عبارة عن ترتيب للعلاقات بين الدول في وقت معين. كذلك يعرف بأنه أنموذج لعلاقات القوة بين اللاعبين الدوليين له القدرة على تأمين القيام بالفعاليات المختلفة طبقا لمجموعة من القواعد.

 

للنظام الدولي عدد من الخصائص، منها:

الشمولية: العالمية وليس القارية.

عدم التجانس:  يقوم على مجموعة من دول تنتمي في نظمها . . . إلى قيم وأيدلوجيات متباينة وبالتالي: مصالح متباينة.

التفاعل بين الوحدات و رفض العزلة: العالم بمثابة قرية صغيرة.

انعدام السلطة الدولية: عدم وجود حكومة عالمية.

 

 وحدات النظام الدولي

أولا: الدول:

وهي الفاعل الرئيس في المسرح الدولي. وذلك لأنها في الأصل تتمتع بالسيادة والتي تعني: عدم الخضوع لأية سلطة خارجية.  تصنيف الدول حسب عدد من المعايير، مثل: السكان، الوضع الجغرافي، الموارد الاقتصادية، القوة العسكرية، كفاءة الحكومية. فهناك:

أ. دول عظمى: مثل الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي. 

ب. دول كبرى: مثل الصين، بريطانيا و فرنسا.

ج. دول متوسطة: (بالعادة تلعب دور إقليمي)مثل مصر ، المملكة العربية السعودية، البرازيل، الخ.

د. دول صغرى: تحاول الحفاظ على الاستقلال وحماية الحدود من الغزو الخارجي.

 

ثانيا: المنظمات الدولية:

رغم أن التنظيمات الدولية تعتبر في مفهوم بعض أساتذة العلاقات الدولية امتداد للدولة القومية وأداة لسياستها الخارجية، إلا أن هذه التنظيمات ككيانات دولية مستقلة لعبت دوراً ملموساً كعوامل في المجتمع الدولي حيث أثرت في مجرى العديد من الأحداث أو ساهمت في صنعها.

 

يمكن تقسيم التنظيمات الدولية إلى ثلاثة أنواع من حيث الاعتبار الجغرافي:

التنظيمات العالمية Universal Organizations وتكون بالعادة عضويتها مفتوحة - وفق ضوابط محددة مسبقا- لجميع دول العالم مثل هيئة الأمم المتحدة.

التنظيمات الإقليمية Regional Organizations   والتي تكون العضوية فيها محددة لدول واقعة في إقليم جغرافي معين مثل جامعة الدول العربية والتي ينتمي لعضويتها جميع الدول العربية وكذلك مثل منظمة الدول الأمريكية Organization of American States والتي لا يوجد في عضويتها دول عدا الدول الواقعة في القارة الأمريكية.

التنظيمات عبر الإقليمية Trans-regional Organizations  و عضوية هذا النوع من التنظيمات مختلفة عن تلك المتبعة في التنظيمات الإقليمية التي تأخذ في الاعتبار الجوار الجغرافي، حيث أن هذا النوع يأخذ باعتبارات أخرى سياسية كانت أو اقتصادية أو ثقافي . . . الخ. ومن الأمثلة البارزة على هذا النوع من التنظيمات منظمة الأقطار المصدرة للبترول OPEC والتي معيار العضوية فيها مبني على أساس أن الدول الأعضاء فيها هم في حقيقة الأمر من كبار الدول النفطية المصدرة للبترول.

 

كذلك يمكن تقسيم التنظيمات الدولية إلى نوعين من حيث نوعية الأعضاء:

منظمات حكومية: يكون أعضائها عبارة عن حكومات دول معينة. وقد تكون عالمية (الأمم المتحدة) أو إقليمية (جامعة الدول العربية) أو عبر إقليمية (اوبك) من حيث الاعتبار الجغرافي.

منظمات غير حكومية: يتكون أعضائها من هيئات أو تنظيمات غير حكومية. وقد تكون عالمية  أو إقليمية أو عبر إقليمية  من حيث الاعتبار الجغرافي، مثل نقابات العمال والمنظمات الثقافية.

 

ثالثا: الشركات المتعددة الجنسية:

تعرف الشركات المتعددة الجنسية Multinational Corporations بأنها أي مؤسسة تجارية يمتد فيها الملكية، الإدارة، الإنتاج و التسويق ليشمل أكثر من دولة. هذه المؤسسات التجارية مثل شركات البترول العملاقة و البنوك العالمية الكبرى تعتبر من العوامل الهامة في المجتمع الدولي. هناك أسباب تعطي هذا العامل أهميته والتي يأتي على رأسها أهداف اقتصادية مثل إزالة البطالة، التنمية الاقتصادية، و الرفاهية الاجتماعية.

 أن الحكومات بصفة عامة و في الأقطار النامية بصفة خاصة أصبحت تتردد في إنهاء خدمات أو استثمارات الشركات العالمية المملوكة لأقطار أخرى، لأن هذا العمل يضيع على شعوب هذه الحكومات فرص التوظيف، التنمية، و منافع أخرى توفرها هذه الشركات للأقطار النامية.

 

رابعاً: حركات التحرير الوطنية:

تعتبر حركات التحرير الوطنية مثل الفيكتونج و منظمة التحرير الفلسطينية [والأعمال التي قامت بها] مثالاً بارزاً للحركات الوطنية. فهذه الحركات لا تتوفر لها عناصر الدولة، إلا أنها تؤثر في توجيه السياسة الدولية.

 فلقد لعبت حركة الفيكتونج دوراً بارزاً في تقرير مصير الحرب الفيتنامية و في توجيه السياسة الدولية في الجنوب الشرقي للقارة الآسيوية.

 و قد لعبت منظمة التحرير الفلسطينية دوراً كبيراً في السياسية الدولية في الشرق الأوسط بصفة عامة و فيما يتعلق منها بالنزاع العربي-الإسرائيلي بصفة خاصة.فغارة من الفدائيين على هدف إسرائيلي قد يؤدي لرد فعل إسرائيلي يتمثل بتوجيه ضربة عسكرية للدولة التي تعتقد أنها معقل للفدائيين. و مثل هذه الضربة العسكرية قد تؤدي إلى اندلاع النزاع المسلح على المستوى الإقليمي و الذي بدوره قد يتطور ليشمل المستوى الدولي.

  هذا على الصعيد العسكري، أما على الصعيد السياسي فان اكتساب منظمة التحرير الفلسطينية شرعية تمثيل الشعب الفلسطيني في المجتمع الدولي جعلها طرف أساسي في أي معادلة لإيجاد حل سياسي لأزمة الشرق الأوسط بصفة عامة و للقضية الفلسطينية بصفة خاصة.

 

مراحل تطور النظام السياسي الدولي

يتفق معظم علماء السياسة على أن العلاقات السياسية الدولية  (كما تعرف اليوم) نشأت منذ مؤتمر ويستفاليا عام 1648. ومنذ ذلك التاريخ دخل النظام الدولي في ست مراحل هي:

 أولا: من معاهدة وستفاليا عام 1648 حتى مؤتمر فينا عام 1815. حيث تميزت هذه المرحلة بان العلاقات الدولية فيها كانت محصورة في تلك العلاقات التي تنشا بين الدول القومية ذات السيادة بحيث لا تشمل أي نوع من الهيئات او الجماعات التي لا تتوافر لها مقومات الدولة وخصائصها مهما كان دورها في المجتمع الدولي.    

 ثانياً: من مؤتمر فينا عام 1815 حتى اندلاع الحرب العالمية الأولى. وتميزت هذه المرحلة بتطور العلاقات السياسية الدولية، حيث سُجل تطور نوعي في قرارات المؤتمر والتي انعكست بمجملها في أقرار توازن دولي جديد يأخذ على عاتقة مهمة الأمن والاستقرار في أوربا.

 ثالثاً: من انتهاء الحرب العالمية الأولى عام 1919 حتى اندلاع الحرب العالمية الثانية. وتميزت ببروز نظام الأمن الجماعي، حيث تبلور هذا المفهوم بإنشاء عصبة  الأمم بمقتضى معاهدة فرساي في 28 يونيو 1919.

 رابعا: من عام 1945 (انتهاء الحرب العالمية الثانية وتأسيس منظمة الأمم المتحدة في 26 يونيو 1945) حتى انهيار المنظومة الشيوعية وتفسخ الاتحاد السوفيتي ونهاية أزمة الخليج الثانية 1991، والبعض حدده بعام 1989وذلك بانهيار حائط برلين. وأهم ما يميز هذه المرحلة هو ما يسمى بالحرب الباردة الذي تحول أثنائها النظام الدولي إلى القطبية الثنائية (الولايات المتحدة ولاتحاد السوفيتي)، وفي الفكر الأيديولوجي الصدام بين الشيوعية والرأسمالية.

 خامساً: من عام 1992، حتى سبتمبر 2001، وهي الفترة التي أعقبت انهيار المنظومة الشيوعية، وتوحيد ألمانيا الشرقية والغربية، وتفسخ الاتحاد السوفيتي، واندلاع أزمة الخليج الثانية 1990-1991، مما يعني اختفاء احد القطبين و بداية تحول النظام إلى نظام أحادي القطبية باستفراد الولايات المتحدة الأمريكية كقوة عظمى على هرم السلطة العالمية.

 سادسا: من الحادي عشر من سبتمبر 2001 حتى اليوم.  حيث تميزت هذه المرحلة بقيام حرب شاملة تقودها القوة العظمى على هرم السلطة العالمية (الولايات المتحدة) ضد ما سمي بالإرهاب الدولي. ولقد توضح وتجلى في هذه الفترة استفراد الولايات المتحدة بالتحكم بالنظام العالمي الجديد New World Order.

النظرية في العلاقات الدولية

المدرسة المثالية في العلاقات الدولية

نشأت المثالية بعد الحرب العالمية الأولى في غمرة حملة تبسيط السياسة الدولية وجعلها في متناول مدارك الناس، و نتيجة ازدياد الشعور الشعبي بأن الحرب قد طالت حياة الجميع وأن من مسبباتها الأساسية الاتفاقيات الدولية السرية وسياسات بعض الدول والتحالفات التي كانت تعقد.

 تمثل التيار المثالي في الحقل الأكاديمي بدراسة وتدريس القانون الدولي والمنظمات الدولية بغية القضاء على النزاعات وإقامة تنظيم أفضل للعالم وخدمة أهداف السلم ودعم وتطوير التفاهم الدولي. تقوم  على فكرة خضوع الدول لقواعد القانون الدولي العام ودور القانون الدولي في ضمان وصيانة الأمن والسلام العالمي.

 اهتمت  المثالية بدراسة المنظمات الدولية وتتبع دورها في المجتمع الدولي. وقد ساهم ميثاق عصبة الأمم في بلورة مقاييس كثيرة استعملتها المثالية كمعايير لمدى توافق سياسات الدول مع السلوكية الدولية التي يفترض أن ينتهجوها. ولقد نشأت المثالية من مصادر فكرية وفلسفية عديدة كانت سائدة في القرون الماضية في أوربا. وكانت المثالية فردية من حيث اعتبار الضمير الإنساني الحكم الأعلى في القضايا الأخلاقية.

 وينطلق المثالي من أولوية الأخلاق في العلاقات بين الإفراد إن كان في إطار المجتمع الوطني أو الإطار الدولي. ويرى المثالي أن واجب الفرد الخضوع للقوانين والقواعد التي وضعت لخدمة المجتمع. وينطلق المثالي من مسلمة انسجام المصالح (Harmony of Interests) ليعتبران هناك توافق طبيعي بين المصلحة العليا للفرد والمصلحة العليا للجماعة. فالفرد عندما يعمل لمصلحته الذاتية يعمل لمصلحة الجماعة. وعندما يدعم مصلحة الجماعة فهوا يدعم مصلحته.

 شكلت إذن المثالية مقترب أخلاقي- قانوني ركز على بناء عالم أفضل خال من النزاعات. وانطلقت من مسلمات فلسفية تفاؤلية حول الطبيعة البشرية.

 وفي إطار دراسة العلاقات الدولية لم تركز المثالية على مفهومي الدولة والنظام الدولي بقدر ما اتجهت فرضياتها ومقترحاتها نحو مفاهيم الفرد والرأي العام والبشرية. فالقضية السياسية والأخلاقية الأساسية التي اعتبرت المدرسة المثالية أنها تواجهها كانت قضية الفجوة القائمة في العلاقات الدولية بين الواقع المتمثل بالحرب العالمية الأولى وبين الطموح في بناء عالم أفضل.

 ازدادت الفجوة في الثلاثينيات بين النظرية المثالية من جهة والواقع السياسي الدولي من جهة أخرى [و] الذي كان من ابرز مظاهرة الغزو الياباني لمنشوريا عام 1931 واحتلال ايطاليا لأثيوبيا عام 1935 وبروز النازية في ألمانيا. وازدادت التحديات الواقعية على النظرية المثالية وثبت عجزها وفشلها. وما كان ينقص النظرية المثالية هو فهم الأسباب التي تدفع بالدول لانتهاج سلوكيات نزاعية أو عدوانية.

 

المدرسة الواقعية في العلاقات الدولية

تمثل مدرسة الواقعية السياسية التي نشأت بعد الحرب العالمية الثانية ردة فعل أساسية على تيار المثالية. وهدفت الواقعية إلى دراسة وفهم سلوكيات الدول والعوامل المؤثرة في علاقاتها بعضها مع بعض.  . . [لقد] جاءت الواقعية لتدرس وتحلل ما هو قائم في العلاقات الدولية, وتحديداً، سياسة القوة والحرب والنزاعات، ولم تهدف كما فعلت المثالية إلى تقديم . . . [مقترحات] وأفكار حول ما يجب أن تكون عليه العلاقات الدولية.

 وقد حاول الواقعيون الحصول على أجوبة لأسئلة مازال يطرحها الأكاديميون والمهتمون بالشؤون الدولية منذ الستينات وحتى يومنا هذا. إذن هدفت الواقعية إلى تقديم نظرية سياسية لتحليل وفهم واستيعاب الظواهر الدولية.

 يرى مورغنثاو (وهوا من ابرز منظري الواقعية) بان السياسة الدولية تتميز (وتنفرد) كفرع أكاديمي عن دراسة التاريخ والقانون الدولي والأحداث الجارية والإصلاح السياسي.

 

أهم المسلمات الأساسية في الفكر الواقعي

1. أن السياسة لا يمكن أن تحددها الأخلاق كما يقول المثاليون بل العكس هو الصحيح. وبالتالي فالمبادئ الأخلاقية لا يمكن تطبيقها على العمل السياسي.

2. أن النظرية السياسية تنتج عن الممارسة السياسية وعن تحليل وفهم التجارب التاريخية ودراسة التاريخ.

3. وجود عوامل ثابتة وغير قابلة للتغير تحدد السلوكية الدولية. وبالتالي فمن الخطأ، كما فعل المثاليون، الرهان على أن المعرفة والثقافة، يمكن أن تغير بسهولة في الطبيعة البشرية وفي الرأي العام.

4. أن أساس الواقع الاجتماعي هوا الجماعة، فالأفراد في عالم يتسم بندرة الموارد يواجهون بعضهم البعض ليس كأشخاص إنما كأعضاء في جماعة منظمة  . . .  [متمثلة في] الدولة.    

 

وقد أضافت احد الدراسات الحديثة أهم افتراضات المدرسة الواقعية على النحو التالي:

1. تعتبر الدول أهم العوامل في السياسة الدولية، وبذلك فان التركيز على الدول (وليس علي المنظمات الدولية، أو الشركات متعددة الجنسية) كالوحدات الأساسية لتحليل يساعد عل فهم طبيعة التفاعلات في المجتمع الولي.

2. تحليل السياسة الدولية على أساس أن الدول تتصرف من منطلق عقلاني في تعاملها مع بعضها البعض. وبذلك فأنة من المفترض أن الدول سوف تقوم بدراسة البدائل المتاحة لها بشكل عقلاني وبرغتمائي (pragmatic) وسوف تتخذ القرارات التي تخدم مصالحها العليا والتي تكون بالعادة موجهه نحو زيادة قدرة الدولة وقوتها. وقد تقوم بعض الدول بذلك على الرغم من عدم حوزتها علي معلومات كاملة وواضحة كل الوضوح حول كل الخيارات البديلة، وبذلك قد تخطى في هذه الحالة عن اتخاذ القرارات الصائبة.

3. النظر لدولة كوحدة واحدة. على الرغم من أن متخذي القرارات في السياسة الخارجية  لدولة ما؛ هم في الواقع أشخاص متعددين (رئيس الدولة، أو وزير الخارجية، الخ ) إلا أن الدولة تتعامل مع العالم الخارجي بصفتها كيان واحد متماسك. بنا على هذا الافتراض فان المدرسة العقلانية تعتبر أن انعكاسات السياسات الداخلية لدولة ما لا تكون حاسمة في مواقف تلك الدولة خارجياً.

4. اعتبار النظام الدولي بمثابة غابة نتيجة غياب سلطة مركزية تحتكر القوة وتستطيع فرض إرادتها على الكل كما هي الحال في [داخل] الدولة.

5. اعتبار العامل الأمني العامل الأهم في سياسة الدول الخارجية. فالدول سوف تبذل قصارى جهدها لكي تحافظ  على (وتعزز و تقوى) أمنها بشتى الوسائل، حتى لو تطلب الأمر طلب قوى (دول) أخري لكي تساعد على صيانة هذا الأمن.

 

المدرسة السلوكية في العلاقات الدولية

نشأت المدرسة السلوكية في منتصف الخمسينات وتبلورت بشكل أساسي في الستينات. وهدفت السلوكية إلى إيجاد نظرية تعليلية تفسيرية و تنبؤيه. استعمل السلوكيون مناهج علمية وخاصة كمية في أبحاثهم واهتموا في تقديم واختيار فرضيات بشكل مقارن وقاموا ببناء نماذج و نظريات تقومعلى فرضيات ومفاهيم محددة بدقة ومترابطة منطقياً.

 اهتم السلوكيون بالأنماط المتكررة وليس بالحالات الفردية كمحور للبحث. . . [حيث] يقوم بناء النظرية حسب السلوكيون على القدرة على التعميم وإطلاق الأحكام العامة. ويقوم هذا بدورة على إثبات الفرضيات. وظهر التحول مع السلوكية نحو المناهج العلمية القائمة على الإحصائيات وساهم في ذلك كله استعمال الحاسب الالكتروني والرياضيات.

 اعتمدت المدرسة السلوكية في كثير من المجالات على النتائج التي توصل إليها علماء الاجتماع وعلماء النفس وعلماء الانثروبولوجيا الذين درسوا سلوكيات الأفراد والجماعات الاجتماعية. واستفادت المدرسة السلوكية من ذلك في بناء نظريات جزئية أو متوسطة في العلاقات الدولية، وذلك انطلاقاً من أن سلوكيات الدول هي أساساً سلوكيات الأفراد والجماعات الرسمية وغير الرسمية في تلك الدول.

الشرط الضروري عند السلوكيون لتحويل الوقائع والأحداث إلى معلومات وبيانات يتمثل في وجود إجراءات وقواعد تصنيف وترتيب واضحة يمكن تكرارها. . . [بذلك] تدعو السلوكية إلى استعمال قواعد ومناهج علمية تقوم بمجملها على القياس الكمي للمتغيرات.

 

العوامل المؤثرة في العلاقات الدولية

تتأثر العلاقات الدولية بعوامل عديدة. من ابرز هذه العوامل: العامل الجغرافي، الموارد الأولية، السكان، العامل العسكري، الخ.

 العامل الجغرافي:

يعد العامل الجغرافي من ابرز العوامل التقليدية المؤثرة في العلاقات الدولية. فحجم الإقليم له أثر على قوة الدولة؛ إذ إن الدولة ذات المساحة الكبيرة تكون في وضع أحسن من غيرها؛ لأن كبر حجم الإقليم يوفر لها عمقًا استراتيجيًا ويجعل احتلالها أمرًا صعبًا ومكلفًا.

 كما أن كبر حجم الإقليم يفسح المجال لتنوع الموارد الاقتصادية حيث تتميز بعض مناطق الإقليم بتوفر مورد اقتصادي فيها - البترول مثلاً - في حين تتميز مناطق الإقليم الأخرى بتوفر موارد أخرى مثل الزراعة والسياحة.

 لذا ليس من الغريب أن نجد أن الدول العظمى في المجتمع الدولي  مثل الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي (السابق) تشكل أقاليمهما مساحات كبيرة تحتوي على موارد مختلفة. . . وهذه المساحات الكبيرة أعطت كلاً من روسيا وأمريكا مزايا استراتيجية واقتصادية سمحت لهما بتوفير متطلبات الأمن العسكري والاقتصادي.

 فكبر حجم الإقليم وفر لكل من روسيا وأمريكا عمقًا  استراتيجيًا وجعل اكتساح أي منهما من قبل الآخر باستخدام القوات التقليدية أمرًا صعبًا إن لم يكن مستحيلاً. كما يتمتع كل من روسيا وأمريكا بسبب تنوع مواردهما الاقتصادية بشبه اكتفاء ذاتي في المجال الاقتصادي.

 لكن ما يجب اعتباره هو أن حجم الإقليم يجب أن لا يؤخذ بمعزل عن العوامل الأخرى، خصوصًا عدد السكان وقوة الدولة العسكرية. فحتى تستفيد الدولة من مساحتها الشاسعة يجب أن يتوفر فيها ما يكفيها من السكان لتحقيق التنمية الاقتصادية وبناء القوة العسكرية.

 فتوفر المساحة الشاسعة بدون العدد الكافي من السكان يمثل في الواقع عبئًا على الدولة وليس ميزة لها. لذا نجد أن العامل الأساسي وراء استفادة كل من روسيا وأمريكا من مساحتها الشاسعة هو توفر عنصر السكان بما يكفي للمتطلبات الاقتصادية والأمنية.

 وبالإضافة إلى عدد السكان وأثره على فعالية الإقليم، فإن ما يجب أخذه بعين الاعتبار هو قوة الدولة العسكرية، فالدول ذات المساحات الكبيرة والضعيفة عسكريًا مثل تشاد تواجه مشكلة في حفظ أمنها القومي؛ لأن كبر حجم الإقليم يفرض عليها نشر قوات كبيرة في مناطق شاسعة وهذا قد يكون فوق مقدرتها العسكرية والمالية.

 ورغم أن التقدم في الأسلحة الحربية خصوصًا في سلاح الطيران وفر للدولة العصرية ذات الإقليم الواسع أداة هامة وفعالة لحفظ أمنها القومي، إلا أن ما يجب أخذه بعين الاعتبار هو أن الأسلحة الحديثة باهظة الثمن، كما أن سرعة التقدم في تطورها قلل من فعالية القديم منها، لذا تبقى الدولة دائمًا تحت ضغط مستمر لتحديث أسلحتها لتساير التطور في التسليح ولتعوض عن النقص في السكان، وهذا يشكل عبئًا ماليًا مستمرًا عليها.

 ولموقع الدولة الجغرافي أثر على أمنها القومي؛ إذ إن وجود منافذ بحرية عديدة للدولة يعطيها أكثر من خيار للاتصال الخارجي وتأمين الإمدادات اللازمة لها. فالمملكة العربية السعودية مثلاً لها منفذ بحري على البحر الأحمر وآخر على الخليج العربي. لذا في حالة تعرض صادراتها أو وارداتها لأي مخاطر في الخليج يمكنها الاعتماد على منافذها على البحر الأحمر لتوفير مستلزماتها من الخارج.

 أما كون الدولة داخلية أي ليس لها منفذ بحري - كما هي الحال بالنسبة لأفغانستان - فهذا الوضع يشكل نقطة ضعف في قوتها القومية؛ إذ أنها ستبقى تحت رحمة الدول المجاورة لها لتأمين اتصالها الخارجي خصوصًا الاتصال البحري.

 كما أن وجود دولة صغرى جوار إحدى القوى الإقليمية أو الدولية أو بين تلك القوى يفرض على هذه الدولة الصغرى قيودًا على سياستها الخارجية ويجعلها تواجه خيارات صعبة وأحيانًا محرجة. . . فكون سوريا محيطة بلبنان من جميع الجهات البرية –باستثناء الجهة الجنوبية المجاورة لإسرائيل- يفرض قيداً على سياسة لبنان الخارجية يتمثل بالإبقاء قدر الإمكان على علاقات ودية مع سوريا.

 ولتعدد الدول المجاورة للدولة أثر على وضعها الأمني ونفوذها الخارجي. فإذا كانت الدولة محاطة بدول عديدة فإن هذا سيقوي من نفوذها الدولي إذا كان لهذه الدولة الإمكانيات العسكري التي تمكنها ليس من ردع هذه الدول فقط، بل والتأثير عليها. أما إذا كانت الدولة محاطة بدول عديدة وهي ضعيفة الإمكانيات العسكرية فإن هذا سيشكل عبئًا على الدولة إذ أنها ستواجه ضغوطاً عسكرية مختلفة من هذه الدول المجاورة للتأثير على سياستها سواء الداخلية أو الخارجية.

 أما شكل الإقليم وإن كان تأثيره على أمن الدولة القومي أقل من تأثير الموقع إلا أنه مع ذلك كثيرًا ما يكون عاملاً هامًا في تعزيز أمن الدولة أو إضعافه. فكون إقليم الدولة مكونًا من قطعة واحدة متماسكة مثل المملكة يجعلها في وضع أمن أحسن بكثير من ذات الإقليم المتناثر والمكون من جزر عدة مثل اندونيسيا. فبالإضافة على أن تناثر الإقليم يزيد من المتطلبات العسكرية اللازمة لصد أي عدوان خارجي، فإنه يشكل عبئًا على الاتصال الداخلي وعلى الوحدة الوطنية.

 ومثلما يؤثر شكل الإقليم على أمن الدولة القومي ووحدتها القومية فإن طبيعة الإقليم لها كذلك أثر على أمن الدولة وقوتها. فالدول ذات الطبيعة الجبلية كثيرًا ما يصعب احتلالها من الخارج؛ إذ أن الجبال تمثل موانع طبيعية ضد الاحتلال. لكن الدول ذات الطبيعة الجبلية تواجه صعوبات في ربط مناطق الإقليم في الداخل، وهذا ما سيحول دون تعزيز الاتصال بين السكان ومن ثم إضعاف الوحدة الوطنية.

 أما الدول ذات الإقليم المنبسط أو المكون من سهول وهضاب فهي عادة تكون مكشوفة للعدوان خصوصًا إذا كانت إمكانياتها العسكرية ضعيفة. لكن انبساط الإقليم يساعد الدولة على بناء شبكة قوية من المواصلات الداخلية، ومن ثم تحقيق الوحدة الوطنية.

 أما المناخ فيبرز تأثره على وضع الدولة الاقتصادي وإنتاجها القومي. فالدول ذات المناخ المعتدل والبارد عادة ما تكون ملائمة للإنتاج الزراعي والصناعي أكثر من المناطق الحارة.

 لذا نجد أن المناطق المتقدمة والصناعية في العالم تقع في مناطق باردة أو تميل للبرودة. في حين نجد أن المناطق النامية تقع في مناطق حارة أو تميل للحرارة مثل المناطق الاستوائية. وهذا ما جعل الدول النامية تعتمد على الزراعة والموارد الطبيعية أكثر من اعتمادها على الصناعة.

 

الموارد الأولية:

تعتبر الموارد الاقتصادية حجر الأساس في بناء قوة الدولة. والموارد الاقتصادية عديدة ومتنوعة وما يهمنا منها في قوة الدولة هي الموارد أو السلع الإستراتيجية ونعني بها الموارد الغذائية ومصادر الطاقة.

 فالمواد الغذائية تعتبر موردًا اقتصاديًا هامًا وسلعة إستراتيجية لأنها ضرورية لبقاء الإنسان وضمان أمن الدولة الاقتصادي. والدولة التي تعاني من نقص في المواد الغذائية خصوصًا الحبوب عادة ما يكون أمنها الاقتصادي تحت رحمة الدول الأخرى والتي تمدها بالمواد الغذائية.

 لذا نجد كثيرًا من الدول تحرص كل الحرص على إنتاج المواد الغذائية الرئيسية بغض النظر عن تكلفتها الاقتصادية؛ إذ تنظر إلى إنتاج هذه المواد من منظور استراتيجي وليس من منظور اقتصادي مجرد، وتبرز أكثر أهمية توفر المواد الغذائية في الدولة خلال فترة الحروب والاضطرابات في المجتمع الدولي حيث يصبح أمن الدولة الغذائية في خطر خصوصًا إذا كانت تعتمد في إمداداتها الغذائية على د ول أخرى.

 وتكمن هذه الخطورة في مصدرين؛ الأول: يتمثل في أن الدول خلال الحروب يضعف إنتاجها الاقتصادي بما في ذلك الإنتاج الزراعي، لذا تسعى الدول إلى تخزين إنتاجها من السلع الاستراتيجية مثل الحبوب وعدم تصديرها لتتفادى أي نقص محتمل. أما المصدر الثاني: فيتمثل بتعرض طرق المواصلات البرية والبحرية خلال الحروب والاضطرابات إلى مخاطر عديدة، ويترتب على ذلك شل حركة النقل البري والبحري، ومن ثم نقص الإمدادات الغذائية. لذا تلجأ الدول المستوردة للقمح وغيره من المواد الغذائية إلى تخزين المواد الغذائية الرئيسية بما يكفي للاستهلاك المحلي لفترة من الزمن لتفادي آثار الاضطرابات الدولية على إمداداتها الغذائية.

 أما مصادر الطاقة فهي عديدة وتختلف أهميتها من وقت لآخر. لقد كان الفحم يعتبر أهم مصدر للطاقة إلا أن التطور التكنولوجي قلل من أهميته، وأبرز أهمية البترول. فالبترول بالإضافة إلى أنه يمثل المصدر الأساسي للطاقة في المواصلات والصناعة والاستخدامات المنزلية؛ فإن مشتقاته تدخل في إنتاج العديد من السلع الاستهلاكية. لقد أعطى البترول الدول المصدرة له قوة اقتصادية وسياسية مكنتها من التأثير في السياسات الدولية.

 أما الدول التي تفتقر للبترول فقد أصبحت تحت رحمة الدول المصدرة له، فبالإضافة إلى تأثير انعدام البترول في أراضيها على أمنها القومي واستقرارها الاقتصادي؛ فإن استيراده يمثل عبئًا على ميزانية مدفوعاتها خصوصًا في الدول النامية والتي تعاني من قلة العملات الصعبة.

 

السكان:

يعتبر السكان أهم العناصر المؤثرة في مكونات قوة الدول. ويرجع ذلك إلى العلاقة القوية بين قوة الدولة وحجم سكانها. فالدول العملاقة في المجتمع الدولي . . . [مثل] الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي [سابقاً] تمتلك العدد الكافي من السكان لتحقيق متطلبات أمنها الاقتصادي والعسكري.

 كما أن الصين الشعبية أصبحت قوة عظمى في المجتمع الدولي نتيجة لحجم سكانها الذي . . .  [يزيد عن] أكثر من ألف مليون نسمة. في حين تعتبر الهند بسبب كثافتها السكانية والتي تجاوزت . . . الثمانمائة مليون نسمة مرشحة لدخول نادي القوى العظمى.

 غير أن عدد السكان لا يكفي بحد ذاته لتقدير دور السكان في القوة القومية. بل لا بد من معرفة دقيقة لنوعية السكان وتجانسهم ومستواهم الحضاري. فمن حيث النوعية يجب معرفة الجنس وفئات العمر المنتجة في التكوين السكاني في الدولة.

 فمعرفة الجنس مهمة خصوصًا في الدول النامية والتي تحد من مساهمة المرأة الاجتماعية والاقتصادية في التنمية القومية. ففي بعض هذه الدول جزء كبير من العنصر النسائي معطل وغير منتج وهذا ما يجعل تأثيره سلبي في محصلة قوة الدولة.

كذلك يتطلب الأمر معرفة فئات العمر في المجتمع لتحديد الأطفال، والشباب، والشيوخ؛ إذ أن مساهمة كل فئة من هؤلاء في قوة الدولة تختلف عن الفئات الأخرى. فالأطفال والشيوخ عادة ما يكون دورهم محدود جدًا إن لم يكن معدومًا في العملية الإنتاجية. في حين يمثل الشباب العمود الفقري في قوة الدولة سواء في السلم أو الحرب.

 وبالإضافة إلى معرفة الجنس والعمر يتطلب الأمر معرفة تجانس السكان. فكلما كانت درجة التجانس عالية بين المواطنين كلما زاد ذلك من قوة الوحدة الوطنية داخل حدود الدولة. وهذا بالطبع له أثر إيجابي على قوة الدولة؛ إذ أنه سيزيد من درجة التعاون بين السكان وقت السلم ومن صلابة الجبهة الداخلية وقت الحرب.

 كذلك يتطلب تحديد فاعلية عنصر السكان وتأثير أبعادة، معرفة نوعية السكان من حيث مستواهم التعليمي والتقني ورغبتهم في العمل واحترامهم للنظام وإدراكهم لمسؤولياتهم الوطنية وتضحيتهم من أجل المبادئ والقيم التي يؤمنون بها.

 وقد يكون عنصر السكان متوفرًا من حيث الكم و الكيف لكن درجة الاستفادة من هذا العنصر دون المستوى المطلوب. وهذا الوضع يقلل من فعالية العنصر السكاني في مقاومة قوة الدولة. إن وجود السكان كمًّا وكيفًا ليس غاية في حد ذاته بقدر ما هو وسيلة لرفع قوة ومكانة الدولة في المجتمع الدولي. وهذا يعني وجوب الاستفادة الحقيقية من السكان في التنمية الاقتصادية والاجتماعية وقت السلم وفي الدفاع عن الوطن والأمة وقت الحرب.

 إن الاهتمام بعنصر السكان واحتلاله مكانة الصدارة بين العناصر الأخرى يرجع إلى أهمية هذا العنصر وقت السلم ووقت الحرب. ففي السلم يعتبر السكان عنصرًا من عناصر الإنتاج والدولة التي تعاني من قلة هذا العنصر تضطر لاستقدام الأيدي العاملة الأجنبية للمساهمة في التنمية الوطنية. ولهذه الخطوة سلبيات عديدة على الثقافة الوطنية والأمن الوطني.

 أما في الحرب فتبرز مساهمة العنصر البشري بشكل أكبر، ذلك أن الدولة التي تتمتع بنسبة عالية من السكان تكون مقدرتها أكبر من غيرها في الصمود والقتال. ورغم التطور السريع الذي حصل في تكنولوجيا الأسلحة الحربية ودخول الأسلحة الذرية فلا يزال للحرب التقليدية شأن في العلاقات الدولية، ولا يزال لتفوق الدولة في عنصر السكان أثر في مجرى هذه الحرب وتحديد نتائجها.

 

العامل العسكري:

حتى وقت قريب كانت قوة الدولة تقاس بقوتها العسكرية، إلا أن زيادة تأثير العناصر الأخرى أنهى هذا الاحتكار للقوة العسكرية فأصبحت القوة العسكرية تمثل العنصر الرئيسي بين عناصر عديدة تشكل في مجموعها القوة القومية.

 والقوة العسكرية في مفهومها المعاصر تتكون من عوامل أو مكونات عديدة تتفاعل فيما بينها وتعطي في ناتجها النهائي التأثير العسكري المنشود في السياسات الدولية. إن تحليل القوة العسكرية لأي دولة يتطلب منا الأخذ بعين الاعتبار عددًا من العوامل، ومن بين هذه العوامل العدد، العتاد، المبدأ الاستراتيجي، والروح المعنوية.

 فمن حيث العدد كلما كبر عدد الجيش كلما زاد تأثير فعاليته العسكرية. ورغم التقدم في الأسلحة الحربية فلا يزال لعدد أفراد القوات المسلحة دورًا هامًا في تشكيل القوة العسكرية للدولة.  فالدولة ذات العدد الكبير من أفراد القوات المسلحة تكون أقدر من غيرها في العمليات العسكرية سواء كانت دفاعية أو هجومية؛ إذ أنها ستكون قادرة على تحمل الخسائر البشرية.

 ويدخل ضمن عدد القوات المسلحة كل أفراد الأجهزة العسكرية ذات الصلة المباشرة وغير المباشرة في الدفاع عن الدولة ضد أي عدوان خارجي. لذا يدخل ضمن عدد القوات المسلحة الميليشيات العسكرية، الحرس الوطني، وغيرها من التنظيمات العسكرية المشابهة .

 أما العتاد العسكري فقد تنوع وتطور بسرعة مذهلة. وهذا التطور والتنوع السريع مضافًا إلى السرية التي تحاط بامتلاكه والتعقيد في استخدامه يجعل من الصعب تحديد معيار محدد لنوعية العتاد العسكري الأكثر فعالية. إن المهم في تقييم قوة الدولة العسكرية رصد مؤشرات قوية تدل على أن الدولة تمتلك أسلحة عسكرية حديثة كافية للردع أو الهجوم.

 وامتلاك السلاح وحده لا يكفي، بل المهم أيضًا القدرة على صيانته بعد امتلاكه خصوصًا وأن الأسلحة الحديثة في غاية التعقيد من الناحية التكنولوجية وتتطلب صيانتها كفاءة فنية عالية. هذا المطلب يجعل الدول النامية دائمًا في وضع صعب؛ إذ أنها قد تكون قادرة على شراء السلاح لكنها تواجه صعوبات في صيانته والمحافظة عليه بشكل جيد.

 وبالإضافة إلى القدرة على الصيانة يجب اعتبار قدرة الجيش الوطني على استخدام السلاح بكفاءة. لذا أصبحت أهمية التدريب على السلاح لا تقل عن أهمية امتلاكه؛ إذ أن جعل السلاح العسكري في أيادي أجنبية يشكل نقطة ضعف كبيرة في بناء الدولة العسكري.

 إن العدة والعتاد لا تكفي بحد ذاتها لضمان نصر عسكري للدولة في حروبها الدفاعية أو الهجومية. بل يتطلب الأمر اعتبار المبدأ الاستراتيجي للدولة. والمقصود بالمبدأ الاستراتيجي: الخطة العامة للقتال وأسلوب تنفيذها. فأحيانًا يتوفر لدى الدولة العدد الكافي من المقاتلين وتمتلك أسلحة كافية وحديثة إلا أن عدم سلامة مبدأها الاستراتيجي يترتب عليه هزيمة ساحقة لها، كما حصل للقوات العربية خلال الحرب العربية - الإسرائيلية عام 1967م، لذا أصبح تطوير مبدأ استراتيجي سليم للقوات العسكرية للدولة من الأهمية بمكان وأصبح الاهتمام ببناء فكر عسكري مطلبًا أساسًا لتحقيق الجدوى المتوقعة من تجنيد الشعب وامتلاك السلاح.

 أخيرًا قد يتوفر عدد كبير من أفراد الجيش، وسلاح من نوعية جيدة، ومبدأ استراتيجي سليم. ومع ذلك فإن البناء العسكري للدولة خصوصًا في وقت الحرب يتسم بالضعف العام. في هذه الحالة يعزى الضعف إلى ضعف الروح المعنوية للمقاتلين. و . . . [يقصد] بالروح المعنوية استعداد المقاتلين للتضحية والعمل بروح عسكرية عالية.

 لذا أصبح رفع الروح المعنوية للمقاتلين خصوصًا وقت الحروب من الأهمية بمكان لرفع كفاءة الجيش وأدائه ورفع الروح المعنوية يتم من خلال إيجاد الاستعداد التام لدى الجندي المقاتل للانضباط وتحمل المسؤولية الملقاة على عاتقه في ميدان القتال، وقناعته التامة بالهدف الذي يقاتل من أجله، وحماسه المطلق للتضحية من أجل تحقيق الهدف المنشود.

 إن انخفاض الروح المعنوية قد يكون السبب الرئيسي وراء انهزام جيوش ذات أسلحة متقدمة ومبدأ استراتيجي سليم. ومثال ذلك انهزام القوات الأمريكية في الحرب الفيتنامية.

 

أهداف السياسة الخارجية

 

ليس من السهل تحديد الهدف القومي الخارجي لدولة من الدول. فنادراً ما تكون الأهداف الحقيقية علنية. وأمام رغبة الدول النشطة في المجتمع الدولي في إخفاء نواياها الحقيقية يكون تحديد الأهداف القومية للدولة مجرد افتراضات أولية.

 

يعرف الأستاذ "إسماعيل صبري مقلد" الهدف القومي بأنه "وضع معين يقترن بوجود رغبة مؤكدة لتحقيقه عن طريق تخصيص ذلك القدر الضروري من الجهد والإمكانيات التي يستلزمها الانتقال بهذا الوضع من مرحلة التصور النظري البحت إلى مرحلة التنفيذ".

 

والأوضاع الخارجية للدول عادة ما يحددها صناع القرارات في الدولة ويأخذون بعين الاعتبار عند تحديدها . . . العوامل المؤثرة في سياسة الدولة الخارجية واتجاه الدولة وفهمها لدورها في المجتمع الدولي.

 

إن أول هدف قومي لأي دولة هو حماية الإقليم من أي عدوان خارجي أو تفكك داخلي. والعدوان الخارجي عادة يأتي من دول مجاورة، أما التفكك الداخلي فهو يأتي من الحركات الانفصالية التي تنشأ في الدولة وتسعى للحصول على الاستقلال السياسي الكامل والتحول إلى دولة مستقلة. فالدولة عادة ما توظف كل إمكانياتها القومية وجهودها الخارجية لردع المعتدي من الخارج والحيلولة دون الانفصال من الداخل.

 

وبالإضافة إلى المحافظة على كيان الدولة من العدوان الخارجي والانفصال الداخلي فإن حماية الإقليم تعني أيضاً حمايته من القيم الخارجية التي تشكل دخولها له أثراً على تماسكه وولاء سكانه. فأحياناً تواجه الدولة غزواً فكرياً أو ترويجاً عقائدياً يهدف إلى تغيير سلم أولويات ولاء المواطن لصالح الأفكار والقيم الخارجية وعلى حساب الانتماء للوطن والأمة، وهذا يمثل خطراً على أمن الدولة وتماسك شعبها.

 

كما أن حماية الإقليم تعني أيضاً حماية النظام السياسي الحاكم للإقليم إذا كان هذا النظام يمثل معنى خاصاً بالنسبة للشعب. فحماية النظام تعني حماية القيادة التي تمثل المجتمع ورغباته وتجسد إرادة الشعب وتطلعاته وإسقاط النظام دون رغبة الشعب سحقاً للإرادة الشعبية واستئصالاً للشخصية القومية.

 

أما الهدف القومي الثاني فهو تنمية إمكانات الدولة من القوة. فحماية الإقليم سوف لن تتم إلا بتوفر القوة القومية الكافية لردع المعتدي أو المنشق وهزيمته في حالة إقدامه على الاعتداء أو الانفصال.

 

إن تنمية القوة يتطلب في الوقت الحاضر إمكانات كبيرة يصعب على أية دولة بمفردها توفيرها مما يفرض عليها التعامل مع الآخرين لتوفير الجهد والإمكانيات المطلوبة عن طريق شراء السلع والخدمات اللازمة للأمن القومي أو عن طريق التعاون والتحالف.

 

ونجاح الدولة في الحصول على الإمكانيات المطلوبة يتطلب سياسية خارجية فعالة ودبلوماسية نشطة تستطيع إقناع الآخرين بالموافقة على ما تطلبه الدولة من سلع وخدمات للمحافظة على أمنها أو الدخول معها في تحالف أو تعاون يضمن بقاءها وتماسك كيانها.

 

والهدف القومي الثالث هو رفع مستوى رفاهية المواطن. لقد احتل هذا الهدف مكانه بارزة في سلم أولويات الأهداف القومية خصوصاً في الدول المتقدمة والتي أصبح أمنها القومي ليس بمشكلة بل إن مشكلتها توفير مستوى مقبول من الرفاهية لمواطنيها.

 

لقد أصبحت البطالة والتضخم وانخفاض معدل النمو الاقتصادي هي المشاكل التي تشغل بال حكومات الدول المتقدمة حيث أصبح بقاء الحكومات في السلطة رهيناً بحل هذه المشاكل الاقتصادية. وأمام بروز هذه المشاكل وأهميتها كرست السياسات الخارجية للدول المتقدمة للبحث عن حلول لها.

 

لذا ظهرت "الدبلوماسية الاقتصادية" التي تجعل من تحسين الوضع الاقتصادي للدولة هدفاً لها وتسعى لتحقيق هذا الهدف عن طريق وسائل اقتصادية مختلفة مثل التكتلات الاقتصادية والتسهيلات المالية والتجارية.

 

وحتى في الدول النامية أصبحت التنمية الاقتصادية هدفاً أساسياً تنشده في سياستها الخارجية. ولتحقيق هذا الهدف قامت الدول النامية بتحسين علاقاتها الدبلوماسية مع الدول المتقدمة والدول الغنية ومع مؤسسات التنمية الدولية والإقليمية والتي تستطيع أن تقدم لها العون وتساعدها على تحقيق خططها التنموية وطموحاتها القومية.

 

والهدف الرابع للسياسة الخارجية هو التوسع. والميل للتوسع يعتبر جزءاً من الطبيعة العامة لكل القوى الكائنة في المجتمع السياسي الدولي. فنمو الطاقات الاقتصادية والسياسية والثقافية للدولة يخلق فيها نزعة للتوسع. والتوسع قد يكون عسكرياً، سياسياً، أو عقائدياً.

 

فالتوسع العسكري يتم عادة عن طريق استخدام الدولة لقواتها المسلحة لتوسيع إقليمها. وقد يكون الدافع وراء التوسع الإقليمي اعتبارات اقتصادية مثل ضم مناطق غنية بالموارد الطبيعية، أو اعتبارات عسكرية مثل ضم مناطق لها أهمية استراتيجية، أو اعتبارات قومية مثل ضم مناطق تسكن بها أقليات تربطها بالدولة الساعية للتوسع روابط قومية.

 

كما أن التوسع قد يكون سياسياً وهذا يعني بسط النفوذ السياسي لدولة كبرى على دولة صغرى دون احتلال إقليمها وإنما عن طريق اتفاقيات ومعاهدات سياسية. وبواسطة هذه المعاهدات توسع الدولة رقعة نفوذها السياسي مما يعطيها ثقلاً أكبر وأهمية أكثر في المجتمع الدولي.

 

وأخيراً يكون التوسع عقائدياً وهذا يعني نشر عقيدة الدولة السياسية في دولة أخرى. ومتى ما وفقت الدولة في نشر عقيدتها السياسية فإن هذا يوجد لها حليفاً عقائدياً يساعدها في تنفذ سياستها الدولية وتحقيق أهدافها القومية.

 

وعلى خلاف الهدف السابق والذي يأخذ صفة المبادرة أو السعي للتوسع قد يكون هدف السياسة الخارجية (الخامس) هو الدفاع عن معتقدات الدولة أمام التحديات التي تواجهها من المعتقدات الأخرى.

 

وأحياناً يكون التحدي لمعتقدات الدولة قوياً لدرجة أن مواجهته تصبح مطلباً قومياً إذ أن تركه سيترك أثراً سلبياً على استقرار النظام السياسي للدولة وعلى قيم ووحدة المجتمع.

 

والدفاع عن معتقدات الدولة يتطلب جهداً كبيراً تسخر فيه كل أدوات السياسة الخارجية وبالذات الدبلوماسية والإعلام لإقناع الدول الأخرى بالكف عن التدخل في معتقدات الدولة ولتعريف المواطنين بخطورة الغزو العقائدي الخارجي وأثره على شخصية الأمة ووحدتها.

 

أخيراً . . . [فان الهدف السادس هو] هدف السلام الدولي. وهذا الهدف غالباً ما يكون هدفاً علنياً لكل الدول. فكل دولة تريد أن تعلن أنها تنتمي إلى مجموعة الدول "المحبة للسلام" لما في هذه الرغبة العلنية من خدمة إعلامية وأمنية للدولة.

 

فمحبة الدولة للسلام شرط أساسي لعضوية الأمم المتحدة ووسيلة هامة لجذب احترام وتعاطف المجتمع الدولي. كما أن تطور الأسلحة وقوتها التدميرية جعل الحرب وسيلة غير مرغوبة لضمان بقاء الدولة وحل محلها السلام كوسيلة للبقاء والاستقرار.

 

لكن ما يجب إدراكه هو أن كثير من الدول تعلن أن السلام الدولي هدف قومي إلا أنها في ممارساتها وسلوكها تسعى لتقويض السلام العالمي ولتحقيق المزيد من المصالح القومية. لذا فإن هدف السلام العالمي وأن كان هناك إجماع بين الدول على إعلانه كهدف قومي فإن الدول تختلف في إخلاصها لهذا الهدف وسعيها الحقيقي لتجسيده.

 

صنع السياسة الخارجية

 

يقصد بصنع السياسة الخارجية تحويل الهدف العام للدولة إلى قرار محدد. و السياسة الخارجية للدولة هي من صنع أفراد وجماعات يمثلون الدولة ويعرفون بصناع القرارات. لذا فصناعة قرارات السياسة الخارجية يمكن أن تدرس في ضوء التفاعل بين متخذي أو صناع القرارات وبيئتهم الداخلية.

 

إن ما يميز قرارات السياسة الخارجية عن بقية القرارات هي أنها تخضع لتفاعل فريد من نوعه ألا وهو التفاعل بين البيئة الداخلية والخارجية وما يحتويه ذلك التفاعل من ضغوط مختلفة ومتعارضة.

 

وأن عملية صناعة القرار الخارجي تختلف من دولة إلى أخرى حسب تركيبة النظام السياسي للدولة. إلا أنه رغم هذا الاختلاف في النظم السياسية للدول فإن هناك أصولاً مشتركة في صنع السياسة الخارجية. فبغض النظر عن طبيعة النظام السياسي يشارك في صناعة القرار الخارجي عدد من الأجهزة الحكومية والتي عادة ما يكون لها مفاهيم ومواقف مختلفة. . . إلا انه خلال عملية صناعة القرار تقلل التناقضات بين الأجهزة المختلفة وتقرب وجهات النظر بقدر الإمكان. . .

 

عموماً يمكن أن نميز بين مجموعتين تساهمان في صنع السياسة الخارجية. المؤسسات الحكومية والمؤسسات غير الحكومية. المؤسسات الحكومية تتمثل بالسلطة التنفيذية وما يتبعها من أجهزة فرعية مثل الوزارات والمؤسسات العامة، وكذلك السلطة التشريعية وما تشمله من لجان مختلفة. أما المؤسسات غير الحكومية فهي تشمل الأحزاب السياسية، وجماعات المصالح، والإعلام، والرأي العام.

 

المؤسسات الحكومية:  Governmental Institutions

 

رغم أن حديثنا عن المؤسسات الحكومية ودورها في صنع السياسة الخارجية سوف يكون حديثاً عاماً إلا أننا سنوظف الهيكل الأمريكي لمحاولة توضيح عملية صنع السياسة الخارجية من خلال المؤسسات الحكومية. في هذا الإطار  فان المؤسسات الحكومية المعنية بصنع السياسة الخارجية تشمل كلا من: رئيس الحكومة، وزير الخارجية، الاستخبارات، مجلس الأمن القومي، والسلطة التشريعية.

 

رئيس الحكومة:  Head of Government

 

إن أول خطوة يبدأ بها صنع القرار هي "مشروع القرار" حيث تتقدم الحكومة ممثلة برئيسها بالمشروع إلى السلطة التشريعية (الكونجرس). وفي الحكومة تبدأ فكرة المشروع أما بمبادرة من رئيس الحكومة أو من أحد وزرائه أو مستشاريه سواء نتيجة لمبادراتهم الذاتية أو نتيجة لطلب تقدمت به حكومة أجنبية.

 

وعادة ما يكون لرئيس الدولة دوراً بارزاً في صناعة القرار السياسي في الدولة ذات النظام الرئاسي مثل أمريكا حيث يجمع الرئيس بين رئاسة الحكومة والجمهورية.

 

وفي الدول ذات النظام البرلماني مثل بريطانيا والهند والتي لها رئيس دولة بالإضافة إلى رئيس الحكومة يكون دور رئيس الدولة (سواء كان ملكاً أو رئيس جمهورية)  دوراً مراسيمياً فقط يتمثل باستقبال السفراء وتمثيل الدولة في المناسبات القومية والدولية. أما صنع القرارات الخارجية فيترك لرئيس الحكومة مع وزرائه.

 

إن أهمية دور رئيس الحكومة في صنع السياسة الخارجية تستمد عادة من السلطات الواسعة التي يمنحها له دستور الدولة، ومن طبيعة العمل في مجال السياسة الخارجية.

 

ففي أمريكا مثلاً ينص دستور الدولة على أن الرئيس هو القائد الأعلى للقوات المسلحة وهو القناة الرسمية الوحيدة للاتصال بالحكومات الأجنبية. وفي عام 1936م، أكدت المحكمة الفيدرالية العليا في أمريكا ما نص عليه الدستور الأمريكي حيث قضت بأن للرئيس وحده سلطة تمثيل الحكومة الأمريكية في مجال العلاقات الدولية. فلا الكونجرس الأمريكي ولا أي جماعة أو إدارة أخرى يمكنها التفاوض مع الحكومات الأخرى باسم الحكومة الأمريكية.

 

وبالإضافة إلى هذه الصلاحيات الدستورية الواسعة فإن طبيعة العمل في مجال السياسة الخارجية يعطي الحكومة ممثلة برئيسها سلطة خاصة. فالمعروف إن إدارة الشؤون الخارجية في أي دولة تتطلب معلومات ومثل هذه المعلومات تتاح لعدد محدود من المسؤولين في مقدمتهم رئيس الحكومة. وبذلك فعدم توفر هذه المعلومات السرية لدى الكونجرس وغيره من الأجهزة الأخرى يجعلها غير قادرة على اتخاذ أي قرار في مجال العلاقات الدولية.

 

وعندما نتحدث عن دور الرئيس في صنع السياسة الخارجية فلا يعني أنه يقوم بنفسه بإعداد مشروع القرار وبلورة الأفكار. بل أنه كثيراً ما يلجأ للاستنارة والترشيد إلى جهاز استشاري ضخم يضم مستشارين ذوي خبرة ومعرفة في الشؤون الدولية.

 

وفي أمريكا وغيرها من دول العالم يقوم مستشاروا رئيس الحكومة في الشؤون الدولية بدور لا يقل عن دور  وزير الخارجية إن لم يكن أكثر. فالمستشارون نظراً لاتصالهم شبه اليومي برئيس الحكومة وتوفر المعلومات لهم يكونوا الأقرب إلى معرفة النظرة العامة لرئيس الحكومة وما يفضله من خيارات. لذا تكون توصياتهم الأكثر قبولاً لرئيس الحكومة وكثيراً ما يفضلها على اقتراحات وتوصيات رؤساء الإدارات الأخرى بمن فيهم وزير الخارجية.

 

أما دور بقية أعضاء الحكومة (الوزراء) في صنع السياسة الخارجية فهو عادة ما يكون دوراً محدوداً نظراً لنقص المعلومات المتاحة لهم وانشغالهم باختصاصاتهم. وكثيراً ما تحظى توصيات رئيس الحكومة ووزير خارجيته بموافقة أعضاء الحكومة.

 

وزير الخارجية: Minister of Foreign Affairs

 

ويلي رئيس الحكومة في الأهمية وزير الخارجية والذي يسمى في بريطانيا بسكرتير الدولة للشؤون الخارجية وفي أمريكا بسكرتير الدولة. ويعتمد دور وزير الخارجية في صناعة السياسة الخارجية على علاقاته برئيس الحكومة وعلى اهتمام رئيس الحكومية بالسياسة الخارجية.

 

فمن حيث العلاقة من المعروف أنه إذا كان وزير الخارجية من اختيار رئيس الحكومة فهو عادة يحظى بثقته ويمنحه صلاحيات واسعة ويكون له دور كبير في صناعة القرار السياسي الخارجي. أما إذا كان وزير الخارجية مفروضاً على رئيس الحكومة وتولي منصبه نتيجة لائتلاف حكومي أو مطالب حزبية ففي مثل هذا الوضع تكون علاقاته مع رئيس الحكومة فيها نوع من التردد وعدم الثقة. وهذا يجعل رئيس الحكومة حذراً في منح الصلاحيات الواسعة لوزير خارجيته.

 

أما من حيث الاهتمام فإن اهتمام رئيس الحكومة في السياسة الخارجية له أثر على دور وزير الخارجية. فخلال رئاسة الرئيس الأمريكي "ايزنهاور" للولايات المتحدة كان لوزير خارجيته "جون فوستر دلس" دور كبير في صنع السياسة الخارجية الأمريكية لأن الرئيس "ايزنهاور" كان غير مهتم في تفاصيل القرارات بصفة عامة والخارجية منها بصفة خاصة.

 

وعلى خلاف "ايزنهاور"  كان الرئيس  الأمريكي "كيندي" مهتماً إلى أبعد الحدود بتفاصيل القرارات التي يتخذها وبالذات الخارجية. وفي الأشهر الأولى من رئاسته للولايات المتحدة لوحظ أن سكرتير الدولة (وزير الخارجية) يتلقى باستمرار استفسارات من الرئيس "كيندي" عن بعض التفاصيل  الدقيقة في بعض الأمور الخارجية.

 

وعموماً يمكن القول أنه مهما كانت الثقة بين رئيس الحكومة ووزير الخارجية ومهما قل اهتمام رئيس الحكومة في المسائل الخارجية فإن وزير الخارجية "لا يضع سياسات بدون موافقة رئيس الحكومة".

 

ويستمد وزير الخارجية أهميته من رئاسته لأهم جهاز ذي صلة بالشؤون الدولية وهو وزارة الخارجية. وتعتبر وزارة الخارجية من المصادر الرئيسية للمعلومات الخارجية ومن الأدوات الأساسية لتنفيذ السياسة الخارجية.

 

فمن حيث المعلومات تقوم السفارات بإرسال تقارير مفصلة ومستمرة عن أوضاع الدول المختلفة التي توجد بها. وبعد وصول هذه التقارير يتم تحليلها عن طريق خبراء مختصين موزعين على أقسام رئيسية في وزارة الخارجية. ويقدم ملخص لهذه التقارير بعد تحليلها إلى وزير الخارجية مع نصيحة حول ما يجب أن تكون عليه السياسة الخارجية.

 

وبالإضافة إلى كون وزارة الخارجية مصدراً أساسياً للمعلومات فهي إدارة هامة لتنفيذ سياسة الحكومة الخارجية. وتقوم وزارة الخارجية بتنفيذ السياسة الخارجية عن طريق بعثاتها الدبلوماسية وتعتبر مهمة تنفيذ السياسة الخارجية من أبرز مهام السلك الدبلوماسي.

 

وبالإضافة إلى مهمة جمع المعلومات وتحليلها وتنفيذ سياسة الدولة الخارجية تقوم وزارة الخارجية عن طريق السفارات التابعة لها بمهام جانبية أخرى مثل رعاية مصالح الدولة ومواطنيها في الخارج وتمثيل الحكومة والتفاوض باسمها.

 

الاستخبارات: Intelligence Organizations

 

ولها دور في صناعة السياسة الخارجية شبيهة بدور وزارة الخارجية، إلا أنها تتميز عن وزارة الخارجية بسرية نشاطاتها نظراً لعدم قانونية وشرعية ممارساتها.

 

كذلك تختلف عن وزارة الخارجية بأنها لا تستخدمها كل الدول كأداة للسياسة الخارجية وإنما تستخدمها دول محدودة عادة تكون دولاً قوية وغنية ونشطة في المجتمع الدولي مثل الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي.

 

والاستخبارات كأداة للسياسة الخارجية برزت بشكل ملحوظ بعد الحرب العالمية الثانية ولعبت دوراً بارزاً في توجيه السياسة الدولية في المجتمع الدولي والسياسات الخارجية للعديد من الدول. وهي بصفة عامة مثل وزارة الخارجية تقوم بجمع المعلومات وتحليلها وكذلك تعمل كأداة لتنفيذ سياسة الحكومة الخارجية.

 

إلا أن ما يميزها عن وزارة الخارجية هو أنها تختص بجمع المعلومات السرية ذات الصلة بالأمن القومي وتعمل لتنفيذ سياسات الحكومة التي لا تتفق مع القواعد الدبلوماسية المألوفة. ومن أبرز أجهزة الاستخبارات في العالم وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية والتي تعرف بـ "سي. آي . أيه" C.I.A Central Intelligence Agency

 

تأسست وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية "سي. آي . أيه" عام 1947م. . . [حيث] وجدت لتؤدي ثلاث وظائف رئيسية كلها ذات صلة بالأمن القومي الأمريكي. وهذه الوظائف هي:

1- جمع المعلومات السرية عن الدول الأخرى وتقييمها.

2- التدخل السياسي السري وعمليات الحرب النفسية في المناطق الأجنبية.

3- عمليات الاستخبارات المضادة فيما وراء البحار.

 

الأجهزة الحكومية الأخرى

 

وبالإضافة إلى وزارة الخارجية والاستخبارات العامة هناك أجهزة حكومية أخرى لها دور . . . في صنع القرارات الخارجية. ويعتمد هذا الدور على طبيعة القرار الخارجي ومدى علاقة هذا القرار بوظيفة وعمل الجهاز الحكومي.

 

وفي المملكة العربية السعودية . . . فإن أكثر الوزارات . . . فيها لها علاقات مستمرة مع دول أخرى ومع مؤسسات دولية وإقليمية. ومن أبرز الوزارات . . . السعودية التي لها علاقات دولية مستمرة . . .  الإعلام، الدفاع، البترول، التجارة، و التعليم العالي . . . هذه الوزارات . . .  لها اتصال شبه يومي مع الخارج.

 

مجلس الأمن القومي: National Security Council

 

وهذا المجلس يوجد في بعض الدول ويأخذ أحياناً صفة لجنة خاصة في الحكومة وهو يقوم بدور استشاري يتمثل بتقديم النصيحة لرئيس الدولة فيما يتعلق بتنسيق السياسات الرئيسية ذات الصلة بالأمن القومي وهي: الخارجية ، والعسكرية، وبعض السياسات الداخلية ذات الصلة بالأمن القومي.

 

وفي أمريكا يتكون مجلس الأمن القومي من الرئيس والذي يعمل كرئيس للمجلس، نائب الرئيس، وسكرتير الدولة (وزير الخارجية)، وسكرتير الدفاع (وزير الدفاع). أما مساعد الرئيس لشؤون الأمن القومي فهو يعمل كمدير تنفيذي للمجلس.

 

وفي بعض الحالات يدعو رئيس المجلس (رئيس الحكومة) بعض الأشخاص لحضور المجلس مثل مندوب الولايات المتحدة في الأمم المتحدة، ورئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة، ومدير الاستخبارات العام ("سي. آي . أيه" وبعض موظفي البيت الأبيض.

 

إن الوظيفة الرئيسية لمجلس الأمن القومي هي جمع المسؤولين الكبار في الحكومة وتزويدهم بمعلومات متكاملة وشاملة تؤهلهم لاستعراض تحليلي لسياسات الأمن القومي. وعادة ما يكون للمجلس مجموعة خاصة من الباحثين الذين يقومون بتقديم  الدراسات ذات الصلة بوظيفة المجلس.

 

وباختصار يمكن القول أن مجلس الأمن القومي يقوم بدور المخطط والمنسق للسياسة الخارجية للدولة وبالذات السياسة الأمنية. فهو يحدد الإطار العام للقرار الخارجي ويساهم بذلك في صنع السياسة الخارجية.

 

السلطة التشريعية: Parliament

 

تختلف تسمية السلطة التشريعية من دولة إلى أخرى. ففي أمريكا تعرف الكونجرس والذي يضم مجلس الشيوخ ومجلس النواب. وفي بريطانيا تعرف بالبرلمان والذي يضم مجلس العموم ومجلس اللوردات. أما في الكويت فتعرف بمجلس الأمة والذي يتكون من مجلس واحد فقط.

 

ومثلما تختلف السلطات التشريعية في تسميتها فهي تختلف أيضاً في أدوارها في صنع السياسة الخارجية. إلا أن هناك أصول مشتركة للسلطات التشريعية في كل الدول فصلاحياتها في الشؤون الخارجية أقل من صلاحياتها في الشؤون الداخلية ويرجع ذلك إلى السرية التي تتسم بها الشؤون الخارجية. كما أن السلطات التشريعية لا تأخذ المبادرة في قرارات السياسة الخارجية وإنما يقتصر دورها على الموافقة أو الاعتراض على السياسة الخارجية التي تقترحها الحكومة.

 

إن قوة السلطة التشريعية في كل دولة تعتمد على الصلاحيات التي يمنحها لها الدستور ففي أمريكا تعتبر السلطة التشريعية والمتمثلة بالكونجرس من أقوى السلطات التشريعية في العالم، وذلك راجع إلى الصلاحيات الواسعة التي يمنحها لها الدستور الأمريكي. فالدستور الأمريكي يمنح الكونجرس خمس صلاحيات هامة هي:

1- موافقة مجلس الشيوخ بأغلبية الثلثين على المعاهدات الخارجية التي يقترحها الرئيس.

2- موافقة مجلس الشيوخ على تعيينات الرئيس من السفراء و المسؤولين في الشؤون الخارجية.

3- رغم أن الدستور يجعل الرئيس هو القائد الأعلى للقوات المسلحة فإن الكونجرس هو الذي يملك حق إعلان الحرب.

4- للكونجرس صلاحية تأسيس الإدارات الحكومية، فهو الذي أنشأ وزارة الخارجية، ومجلس الأمن القومي وجميع فروع القوات المسلحة، والوكالات الأخرى ذات الصلة بالسياسة الخارجية.

5- للكونجرس أيضاً صلاحية الموافقة على الميزانية العامة المقترحة من الحكومة بما في ذلك ميزانية الدفاع والمساعدات الخارجية. هذه الصلاحيات أعطت الكونجرس دوراً هاماً ولكن غير مباشر في صنع السياسة الخارجية. فعن طريق هذه الصلاحيات يستطيع الكونجرس أن يمارس ضغوطاً على الحكومة لتعديل سياستها المقترحة بما يتفق مع وجهة نظر غالبية أعضائه.

إلا أن. . .  السلطة التي يتمتع بها الكونجرس الأمريكي ودوره البارز في صنع السياسة الخارجية نادراً ما تحظى به السلطات التشريعية الأخرى في دول العالم. ففي بريطانيا حيث نشأت وتطورت القيم الديمقراطية وقنوات المشاركة السياسية، دور السلطة التشريعية والمتمثلة في البرلمان محدود جداً خصوصاً في المجال الخارجي.

 

المؤسسات غير الحكومية: Non-Governmental Institutions

 

وهي المؤسسات التي تعمل خارج الحكومة ويكون لها تأثير في صنع السياسة الداخلية والخارجية. وتعتبر الأحزاب السياسية. وجماعات المصالح (الضغط)، ووسائل الإعلام، والرأي العام من أهم المؤسسات غير الحكومية ذات التأثير على السياسة الخارجية.

 

الأحزاب السياسية: Political Parties

 

يعتبر الحزب السياسي من أبرز المؤسسات السياسية التي تساهم في صنع السياسة الخارجية. ويتوقف دور الحزب في صنع السياسة الخارجية على تعدد الأحزاب وانضباطها.

 

فإذا كان في الدولة أكثر من حزب كما هو الحال في الدول الديمقراطية فإن الآراء حول السياسة الخارجية تتقاسمها الأحزاب الموجودة ويكون الحزب الأقوى هو الأكثر تأثيراً في توجيه السياسة الخارجية.

 

أما إذا كان يوجد في الدولة حزب سياسي واحد وهو الحزب الحاكم كما هو الحال في الدول الاشتراكية وبعض الدول النامية فإن تأثيره في السياسة الخارجية يصبح قوياً جداً بل أن الأحزاب السياسية في الدول ذات الحزب الواحد هي التي تلعب الدور البارز في صنع السياسة الخارجية وفقاً لعقيدة الحزب السياسية.

 

كذلك يعتمد دور الحرب في صنع السياسة الخارجية على الانضباط داخل الحزب ووضوح عقيدته السياسية، وهنا نجد أن كلاً من بريطانيا وأمريكا تعتبر دولاً ديمقراطية وتأخذ بنظام تعدد الأحزاب. إلا أن دور الأحزاب فيها في صنع السياسة الخارجية يختلف اختلافاً جذرياً.

 

ففي أمريكا تتميز الأحزاب السياسية الكبيرة (الجمهوري والديمقراطي) بعدم الاهتمام بالجانب العقائدي وبقلة الانضباط السياسي. . . ونتيجة لهذا. . . فإن مواقفها تجاه القضايا الخارجية عادة ما تكون غامضة وعامة وتتسم بالتردد والحذر. . .  ونتيجة لفقدان الانضباط الحزبي أصبح تحديد مواقف سياسية عامة للحزب يخلص لها الأعضاء أمراً غير ممكن.

 

وعلى خلاف الأحزاب الأمريكية تتميز الأحزاب البريطانية بوضوح الخط العقائدي الفاصل بينها، وبالانضباط الحزبي. فمن حيث العقيدة السياسية هناك وضوح تام في الاختلافات بين سياسات حزب العمال وحزب المحافظين. كما أن أعضاء الأحزاب سواء في البرلمان أو خارجه مخلصون لقادة الحزب وملتزمون في برنامجه. مثل هذه الأحزاب يكون لها  [نسبياً] دور ملموس في توجيه السياسة الخارجية.

 

جماعات المصالح السياسية: Political Interest Groups

 

وتعرف . . .  [كذلك] بجماعات الضغط لأنها تستخدم الضغط كوسيلة لحمل رجال السياسة على اتخاذ قرارات لصالحها. ولقد برزت جماعات المصالح . . . كعامل هام ومؤثر في كل من السياسة الداخلية والخارجية للدولة.

 

وفي أمريكا أوجدت هجرة الجنسيات المختلفة إليها وتطورها الاقتصادي العديد من الجماعات التي لها مصالح خارجية مختلفة وأحياناً تكون متعارضة مما عقد عملية اختيار القرار في السياسة الخارجية الأمريكية وحد من القدرة على حشد الرأي العام الأمريكي لدعم القرار بعد اتخاذه.

 

فيوجد في أمريكا جماعات مصالح دينية وأبرزها جماعات المصالح اليهودية والتي لها مصالح سياسية خارجية مختلفة عن بقية الجماعات. وتتمثل مصلحة اليهود بدعم أمريكا المستمر وغير المحدود لإسرائيل وتقليل الدعم الأمريكي للعرب مهما كان تواضعه وقلة مفعولة.

 

واليهود رغم قلة عددهم مقارنة بإجمالي سكان الولايات المتحدة حيث لا يتجاوز نسبة 3% من إجمالي السكان إلا أنهم مجموعة منظمة لها نفوذ على الوسائل ذات التأثير الفعال في المجتمع الأمريكي مثل الصحافة، والتعليم العالي، والسياسة مما اتاح لها قدرة التحرك لتعبئة الرأي العام لأمريكي لصالحها خصوصاً أيام الانتخابات وبالذات رئاسة الجمهورية.

 

ونتيجة لهذه القدرة لليهود أصبح ليس بإمكان صناع القرارات الأمريكية تجاهل رغبات جماعات المصالح اليهودية في أي سياسة أمريكية تجاه الشرق الأوسط.

 

وبالإضافة إلى جماعات المصالح الدينية توجد جماعات المصالح الاقتصادية والمالية وأهمها الشركات عبر القومية (العالمية) والتي تتمثل بشركات البترول العالمية مثل "شركة شل" وبالبنوك العالمية مثل "بنك أمريكا" و "سيتي بنك".

 

فهذه الشركات والمؤسسات العالمية لها مصالح منتشرة في مختلف دول العالم وسياسة أمريكا تجاه الدول التي توجد فيها مصالح لتلك الشركات تؤثر إما سلباً أو إيجاباً على مستقبل هذه الشركات ومصالحها الاقتصادية.

 

فلا شك أن علاقة الشركات الأمريكية مع دول الخليج تتأثر بمواقف أمريكا تجاه القضايا العربية بصفة عامة وتجاه قضايا الخليج بصفة خاصة. لذا نجد أن الشركات الأمريكية ذات المصالح الاقتصادية في الخليج تعمل من أجل التقارب بين العرب وأمريكا وتحاول أن تؤثر على قرارات الحكومة الأمريكية تجاه دول الخليج لتكون أكثر إنصافاً واحتراماً لتلك الدول.

 

إن هدف الشركات الأمريكية العالمية في مساعيها لإنصاف العرب هو إيجاد مناخ سياسي ملائم يسمح ببقاء مصالحها . . .  التجارية في دول الخليج.

 

وسائل الإعلام:  Press

 

ترجع أهمية وسائل الإعلام كأداة مساهمة في صنع السياسة الخارجية إلى تأثيرها على كل من صناع القرار والرأي العام. إن آراء المواطنين سواء كانوا رسميين أو غير رسميين تشكل نتيجة لملاحظة الأحداث وتفسيرها.

 

ووسائل الإعلام هي الملاحظ الأول للأحداث الدولية وهي مصدر أساسي لتفسيرها. فبالنسبة لصناع القرار الرسميين تقوم الوسائل الإعلامية من صحافة، وإذاعة، وتلفزيون بدور بارز في توجيههم وإمدادهم بجزء هام من المعلومات التي على أساسها يتخذون القرارات.

 

وبالإضافة إلى كون الوسائل الإعلامية مصدراً هاماً للمعلومات الداخلية والخارجية فإنه يمكن الاستفادة منها كمؤشر للرأي العام ودليل لمواقف المواطنين تجاه السياسة الخارجية للدولة.

 

فقد يكتب أحد المسؤولين في الحكومة وباسم مستعار مقالاً صحفياً يدعو فيه لنهج جديد في السياسة الخارجية. والهدف من هذه المقالة هو معرفة ردود فعل المواطنين تجاه هذه السياسة الجديدة قبل الأخذ بها. وردود فعل المواطنين وتعليقاتهم تتولى الصحافة تنظيمها أن لم يكن إعدادها. وبهذا يكون للصحافة دور في صنع القرار الخارجي وتحديد وجهته. ومثل هذا الدور تقوم به الصحافة في الدول الديمقراطية التي تسمح للصحافة بالنقد وإبداء الرأي.

 

كما أن الصحافة قد تلعب دور الموجه للرأي العام. فمواقف الوسائل الإعلامية من القضايا الدولية كثيراً ما يتقبلها المواطن العادي ويجعلها الأساس لتفسيره للأحداث الدولية. وهذا الدور تقوم به الوسائل الإعلامية في أغلب الدول النامية وفي الدول ذات الإعلام الموجه حيث يكون دور الإعلام إيجاد دعم المواطنين لسياسة الحكومة الخارجية والعمل على رفع الروح المعنوية.

 

الرأي العام: Public Opinion

 

يقصد بالرأي العام رأي المواطنين . . . العاديين والذي ترى الحكومة أنه من الحكمة احترامه و أخذه بعين الاعتبار.

 

والرأي العام كقوة مؤثرة في السياسة الخارجية لم يكن له دور يذكر قبل الحرب العالمية الأولى. إلا أنه مع نهاية الحرب ومع نمو الوعي السياسي للشعوب بدأ الرأي العام ممثلاً برأي القوى العمالية يظهر ويؤثر في مجرى السياسة الداخلية والخارجية للدول.

 

ويعبر الرأي العام عن نفسه إما من خلال قنوات منظمة مثل الأحزاب، وجماعات المصالح، والوسائل الإعلامية كما هو الحال في الدول الديمقراطية أو يفرض نفسه في شكل مزاج عام ومظاهرات سياسية كما هو الحال في . . . معظم دول العالم الثالث.

 

وفي السياسة الخارجية، كما هو الحال في السياسة الداخلية، يمارس الرأي العام دوره في عملية صنع القرار بقيامه بدور  الداعم لسياسة الحكومة الخارجية أو المناهض لها.

وسائل السياسة الخارجية

 

مثلما نتحدث في الاقتصاد عن الطلب الفعال ونعني به الرغبة في الشراء مقرونة بالقدرة الشرائية، فإننا في السياسة الخارجية نتحدث عن السياسة الخارجية الفعالة ونعني بها الرغبة في تحقيق هدف خارجي مقرونة بالقدرة على تحقيق هذا الهدف.

 

والدولة عادة ما تترجم مقدرتها على تحقيق الهدف من خلال استخدامها لوسائل مختلفة أهمها: الدبلوماسية، القوات المسلحة، الدعاية، الأدوات الاقتصادية.

 

الدبلوماسية: Diplomacy

 

يقصد بالدبلوماسية عملية التمثيل والتفاوض التي تجري بين الدول في غمار إدارتها لعلاقاتها الدولية. ويعرفها . . . "جورج كينان" بأنها "عملية الاتصال بين الحكومات".

 

والدبلوماسية الفعالة هي الدبلوماسية التي تدعمها وسائل السياسة الخارجية الأخرى وبالذات القوات المسلحة والأدوات الاقتصادية. فبدون دعم تلك الوسائل ستكون فعالية الدبلوماسية محدودة إن لم تكن معدومة.

 

أنواع الدبلوماسية الحديثة:

 

إن مما زاد من أهمية الدبلوماسية كأداة للسياسة الخارجية تنوع أنماطها وتعدد أشكالها فهي لم تعد ذلك النمط التقليدي المتمثل بشخصية السفير أو بنشاط البعثة الدبلوماسية وإنما توسعت وأخذت أشكالاً وأنماطاً مختلفة.

 

فقد تأخذ الدبلوماسية شكل "دبلوماسية القمة" Summit Diplomacy ويقصد بها المؤتمرات التي يعقدها رؤساء الدول فيما بينهم لمناقشة بعض القضايا الدولية أو العلاقات بين الدول المشتركة في لقاء القمة. لقد شاع في السنوات الأخيرة هذا النمط من الدبلوماسية.

 

وهذا النوع من النشاط الدبلوماسي يعكس مدى التطور في أهمية العلاقات فيما بين الدول واهتمام حكومات دول العالم في البعد الدولي.

 

لقد جاءت فكرة لقاءات القمة كوسيلة لوضع حلول جذرية أو اتفاقيات هامة بين الدول حيث أن لقاء زعماء الدول بما لديهم من صلاحيات واسعة سيساعد على توفير الوقت والجهد وسرعة الوصول إلى قرارات هامة.

 

إن معظم الاتفاقيات الدولية الهامة التي تم الوصول إليها بعد الحرب العالمية الثانية وكان لها أثر على مجرى العلاقات الدولية كانت وليدة لقاءات قمة بين الدول.

 

النمط أو الشكل الآخر للدبلوماسية  هو "دبلوماسية الأزمات"Crisis Diplomacy  ويقصد بهذا النوع من الدبلوماسية النشاط الدبلوماسي الذي يوجه لحل أزمة دولية طارئة.

 

وإدارة الأزمات الدولية أصبحت إدارة هامة في العلاقات الدبلوماسية المعاصرة. ذلك أن المجتمع الدولي المعاصر معرض باستمرار لأزمات سياسية مختلفة نتيجة للاختلافات العقائدية، والسياسية، والاقتصادية بين الدول ولعدم مقدرة أو رغبة الدول في استخدام القوة العسكرية لوضع حد للأزمات.

 

لذا جاءت دبلوماسية الأزمات كبديل للحرب وكمخرج للتوتر بين الدول. وجرت العادة أن يمنح المبعوث الدبلوماسي الذي سيتولى حل الأزمات الدولية صلاحيات واسعة تمكنه من التحرك الدبلوماسي السريع، وأن يراعى في اختياره خبرته في حل المشاكل الدولية وقدرته على فهم أبعاد المشكلة أو الأزمة المعنية.

 

وأما النمط الثالث والأخير للدبلوماسية المعاصرة فهو "دبلوماسية المحالفات" Alliance Diplomacy وهي تعني النشاط الدبلوماسي الذي يكرس لإنشاء تحالفات عسكرية أو تكتلات سياسية.

 

ولقد ظهر هذا النمط من الدبلوماسية نتيجة لزيادة اتجاه الدول نحو التحالفات والتكتلات. لقد فرضت الطبيعة الفوضوية وصراع القوة في المجتمع الدولي المعاصر أهمية التحالفات العسكرية.

 

كما أن التكتلات السياسية أصبحت أداة لزيادة النفوذ السياسي للمجموعات الدولية والدول القوية في المجتمع الدولي. ولما للتحالفات العسكرية والتكتلات السياسية من أهمية لأمن الدولة ونفوذها فلقد حظيت باهتمام خاص في المجال الدبلوماسي يفوق الاهتمامات الأخرى.

 

البعثة الدبلوماسية:

 

تتطلب عملية التمثيل والتفاوض التي تجرى بين الدول وما يترتب عليها من أعمال فرعية اضطلاع عدد من الأشخاص بمهام محددة.

 

لذا جرت العادة بين الدول أن توفد كل منها مجموعة من الأشخاص للقيام بتلك المهام. وعادة يرأس المجموعة الموفدة شخص مسؤول يعتبر الممثل الأصيل لدولته لدى الدولة الموفد لديها ويقوم بإدارة المجموعة وتوزيع العمل بين أعضائها.

 

وتشكل المجموعة بما فيها الرئيس ما يسمى أو يعرف "بالبعثة الدبلوماسية" Diplomatic Mission وليس هناك حجم محدد من الأفراد للبعثة الدبلوماسية وإنما يعتمد عدد أفراد البعثة على المصالح التي تربط الدولة الموفدة للبعثة بالدولة الموفدة إليها.

 

وتتحدد، مرتبة البعثة الدبلوماسية حسب الأهمية التي تعلقها الدولة على العلاقات الدبلوماسية التي تتبادلها مع الدولة الأخرى أو حسب مبدأ المعاملة بالمثل.

 

إلا أنه من الملاحظ أن معظم البعثات الدبلوماسية تكون على مستوى "السفارة" والتي يرأسها ممثل دبلوماسي برتبة سفير. ويأتي بعد السفارة من حيث الأهمية التمثيلية "المفوضية" ويرأسها ممثل دبلوماسي برتبة "مبعوث فوق العادة" أو "وزير مفوض" كما قد يرأس البعثة الدبلوماسية "قائم بالأعمال".

 

وتقوم البعثة الدبلوماسية بعدد من المهام التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بصناعة القرار السياسي الخارجي وبتنفيذ السياسة الخارجية للدولة.

 

أولى هذه المهام تمثيل الدولة الموفدة للبعثة لدى الدولة المعتمدة لديها. ويتولى رئيس البعثة ذاته مهمة التمثيل حيث يقوم بحضور الحفلات والاستقبالات الرسمية التي تقيمها الدولة المعتمد لديها وتدعى لها السلك الدبلوماسي الأجنبي.

 

كما يقوم رئيس البعثة الدبلوماسية بزيارات المجاملة التي جرى العرف على القيام بها في المناسبات المختلفة. وقيام رئيس البعثة بهذه المهمة له معنى خاص في العلاقات الدبلوماسية إذ أن حضوره ومشاركته يترجم الود والاحترام في حين أن غيابه قد يفسر على أنه موقف سلبي من قبل حكومته وهذا قد يؤثر على العلاقات بين الدولتين.

 

وبالإضافة إلى تلك المهمة تقوم البعثة بمهمة رئيسية أخرى هي التفاوض مع حكومة الدولة الموفدة إليها. وتتطرق المفاوضات إلى كل ما يهم الدولة الموفدة. ويتم التفاوض عادة بين رئيس البعثة ووزير خارجية الدولة الموفدة إليها. لذا تعمل البعثة الدبلوماسية كقناة للاتصال الدائم بين الدولة الموفدة للبعثة والدولة والموفدة إليها.

 

كما تقوم البعثة الدبلوماسية بمتابعة كافة ما يحدث في الدولة الموفدة إليها وإبلاغ حكومتها أولاً بأول بكل ما يهمها من الأحداث والتطورات. وعادة يستعين رئيس البعثة لمعرفة الأحداث في الدولة المعتمد لديها وتفسيرها بفريق من الملحقين السياسيين والتجاريين والعسكريين وعدد من الخبراء المختصين.

 

وتقوم البعثة الدبلوماسية كذلك بمتابعة تنفيذ الدولة الموفدة إليها لالتزاماتها تجاه الدولة الموفدة لها والتدخل لدى وزير خارجية الدولة الموفدة إليها البعثة كلما حصل إخلال بتلك الالتزامات. وما يلزم الإشارة إليه في هذا المجال هو أنه ليس لرئيس البعثة الدبلوماسية أو لأي من أعضاء البعثة حق التدخل مباشرة لدى السلطات المحلية وإنما يتم التدخل عن طريق وزارة الخارجية.

 

وتعلم البعثة الدبلوماسية كذلك على تحسين العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية بين الدولة الموفدة لها والدولة الموفدة إليها.

 

أخيراً تقوم البعثة الدبلوماسية بأعمال إدارية ذات صلة برعايا الدولة الموفدة للبعثة مثل حمايتهم وتسجيل المواليد والوفيات وعمل عقود الزواج والتأشير على جوازات السفر. وعادة تقوم القنصليات التابعة للسفارة بهذه المهام حيث أن معظم هذه الأعمال ليست ذات طابع سياسي كما أن ممارستها لا تؤثر على طبيعة العلاقات بين الدول.

 

القوات المسلحة: Military Power

 

تعتبر القوات المسلحة إحدى الوسائل الأساسية لتنفيذ السياسة الخارجية وإحدى المقومات الأساسية لنجاح الدبلوماسية.

 

ورغم أن القوات المسلحة تعتبر باهظة التكاليف إذا ما قورنت بالدبلوماسية وغير مرغوب في استخدامها في المجتمع الدولي كوسيلة لتحقيق الأهداف الخارجية، إلا أنها مع ذلك تحظى باهتمام بالغ لدى حكومات المجتمع الدولي ذلك أن الأداة العسكرية "تهيئ خلفية من الثقة والاستقرار لعمل الدبلوماسية وأن التفاوض من مركز القوة حكمة سليمة، إذ لا يمكن لدولة لا تسندها قوة عسكرية أن تمتنع عن إعطاء تنازلات تضر بمصالحها الحيوية إذا تعرضت لضغوط وتهديدات ليس بوسعها أن تقاومها".

 

و القوات المسلحة تستخدم في أكثر من مظهر واحد. فبالإضافة إلى استخدامها التقليدي ونعنى به الاستخدام الفعلي وقت الحرب للدفاع أو الهجوم، تستخدم القوات المسلحة أيضاً وقت السلم للضغط والردع وما يترتب عليهما من رضوخ الأطراف الأخرى وتحقيق المصالح القومية.

 

إن استخدام القوات المسلحة كوسيلة للضغط والردع وقت السلم هو الذي يبرر النفقات الباهظة عليها ويزيد من قناعة المواطن العادي بأهمية النفقات وتحمل آثارها.

 

فعدم دخول القوات المسلحة في حرب دفاعية أو هجومية لا يعني توقف فاعليتها، بل إن استخدام القوات المسلحة في السلم للضغط والردع يفوق استخدامها في الحرب ذلك أن القتال استثناء والسلام هو القاعدة.

 

كما أن الضغط والردع، إذا تم من خلالهما تحقيق الهدف القومي، أكثر جدوى من الحرب حيث أنهما لن يكلفا الموطن والمواطن أي عبء إضافي في حين أن الحرب سيترتب عليها خسائر إضافية للوطن والمواطن وحجم هذه الخسائر يتوقف على طول أمد الحرب ونوعية الأسلحة المستخدمة فيها.

 

الاستخدامات المختلفة للقوات المسلحة:

 

تستخدم القوات المسلحة في أشكال مختلفة. ويمكن أن نحدد ثلاثة استخدامات رئيسية للقوات المسلحة.

 

فقد تستخدم القوات المسلحة كأداة للهجوم Offensive Capability. واستخدام القوات المسلحة للتوسع والسيطرة سمة من سمات العلاقات الدولية المعاصرة. إن احتلال إسرائيل للأراضي العربية، واحتلال الاتحاد السوفيتي لأفغانستان، وأمريكا للعراق مجرد أمثلة لحالات لاحصر لها.

 

ومما زاد من فاعلية وأهمية استخدام القوات المسلحة كأداة للهجوم هو نجاح هذه السياسة في تحقيق عدد من الأهداف القومية للدول التي أخذت بها.

 

كما أن الأخذ باستراتيجية الهجوم في الحرب يأتي من قناعة الدولة المهاجمة بأن الهجوم رغم ما يترتب عليه من مسؤوليات قومية وانتهاك للقوانين الدولية هو أفضل وسيلة للدفاع وتحقيق الأهداف القومية حيث أن الدولة التي تبدأ الهجوم عادة ما تختار الوقت المناسب والظروف الملائمة للقتال، وهذا عنصر هام في تحويل مجرى الحرب وتحديد نتائجها.

 

وقد تستخدم القوات المسلحة كأداة للدفاع Defensive War Capability واستخدام القوات المسلحة للدفاع استخدام مشروع حيث أن الدولة مضطرة للدفاع عن أمنها ومصالحها القومية.

 

كما أن الدولة التي تلجأ للدفاع تحظى بدعم وعطف الرأي العام العالمي حيث ينظر إليها على أنها دولة معتدى عليها.

 

لكن مقابل الشرعية والعطف العالمي تفقد الدولة التي تلجأ لاستراتيجية الدفاع مزايا عسكرية هامة منها فقدان زمام المبادرة والاستعداد وفرض الحرب عليها في وقت قد يكون غير مناسب ووفق ظروف غير ملائمة.

 

إن المحصلة النهائية لاستراتيجية الحرب الدفاعية تعتمد على قدرة وإمكانيات حكومة الدولة المدافعة والروح المعنوية لشعبها.

 

فقد تدخل الدولة في حرب دفاعية لكن نظراً لتوفر الإمكانيات لديها وقدرة حكومتها على التعبئة العسكرية وتضحية شعبها تحول الحرب الدفاعية إلى حرب هجومية بعد احتواء الهجوم المعادي وصده ومن ثم تحويل المعركة إلى أراضي الدولة المعتدية.

 

وفي هذه الحالة تتحول الاستراتيجية للدولة من استراتيجية دفاع إلى استراتيجية هجوم وهنا تكسب الدولة شرعية الحرب وتحقق مصالح قومية جديدة غالباً ما تكون مصالح استراتيجية.

 

وأخيراً تستخدم القوات المسلحة كأداة للردع Deterrent Capability والردع سياسة معقدة تعني في مفهومها المبسط أن الأسلحة تخزن والجيش يجهز لا بقصد الاستعمال في الهجوم وإنما بقصد إقناع الخصم بأنها ستستخدم فوراً لصد أي هجوم جدي يقوم به.

 

ونجاح سياسة الردع يتطلب توفر عدد من المتطلبات الأساسية. أول هذه المتطلبات حيازة الدولة الرادعة إمكانيات كافية من القوة لرد الدولة المهاجمة وإقناعها بان مسار المعركة في حال وقوعها قد يتحول ضد مصلحتها.

 

ثم لابد أن يكون هناك تصميم ملموس من قبل الدولة الرادعة على الاستخدام الفعلي للإمكانيات المتاحة لها لصد أي عدوان خارجي.

 

كما أن الدولة المهاجمة يلزم أن تعرف معرفة دقيقة الإمكانيات المتاحة لدى الدولة الرادعة. فمعرفة هذه الإمكانيات سيساعد على نجاح سياسة الردع وعدم معرفتها سيشجع الدولة المعتدية على الهجوم.

 

بالإضافة إلى ذلك يتطلب نجاح سياسة الردع معرفة الدولة الرادعة للقيم التي تحكم سلوك الدولة التي تهدد بالهجوم. فالطبيعية العدوانية للدولة المهاجمة سوف تحد من نجاح سياسة الردع إذ أن الدولة العدوانية عادة ما تقدم على المغامرات العسكرية بغض النظر عن احتمالات النجاح.

 

أخيراً لنجاح سياسة الردع يفترض أن المعتدي يتصرف بطريقة عقلانية ويقدر العائد والتكلفة للعمل العسكري ومدى خدمة هذا العمل للمصلحة القومية. فغياب العقلانية يعني انعدام التقييم الموضوعي للعمل العسكري والاستسلام للعواطف والرغبات. وهذا الاستسلام قد يدفع قادة الدولة المهاجمة إلى الدخول في مغامرة عسكرية بغض النظر عن محصلتها النهائية.

 

أنواع الحروب:

 

تأخذ الحرب في حالة وقوعها أشكالاً مختلفة ومتباينة. ويأتي هذا الاختلاف من اختلاف الأهداف والإمكانيات العسكرية.

 

فقد تكون الحرب حرباً خاطفة. وهذه الحرب عادة ما تكون ذات طابع هجومي حيث توجه الدولة ضربة خاطفة لمراكز تجمع الجيوش المعادية عن طريق استخدام أسلحتها السريعة والمتحركة. وتتميز الحرب الخاطفة بقصر مدتها الزمنية وبتحديد الهدف المنشود والموجهة نحوه العمليات العسكرية تحديداً دقيقاً.

 

وقد تأخذ الحرب شكل حرب استنزاف؛ وهي على خلاف الحرب الخاطفة تتميز بطول المدة واختلاف نوعية الأسلحة المستخدمة وتكتيكات القتال. ونجاح حرب الاستنزاف يتطلب توفر عدد من المتطلبات أهمها: ظروف طبيعية ملائمة، وقدرة البلاد على الصمود السياسي والاقتصادي والعسكري لفترة طويلة من الزمن، ورغبة الشعب في تحمل آثار الحرب ومتاعبها.

 

والدول التي تأخذ باستراتيجية حرب الاستنزاف عادة ما تكون دول لديها كثافة سكانية تؤهلها لتوفير العدد اللازم من المقاتلين، ولديها شبه اكتفاء ذاتي في المواد الغذائية، والروح المعنوية لشعبها مرتفعة لدرجة تضمن للحكومة والقيادة العسكرية قاعدة شعبية صلبة.

 

وقد تكون الحرب حرباً وقائية  Preventive War وهي تعني تدمير قوة الخصم والقضاء عليها قبل أن تنمو في كامل أبعادها. فأتباع هذه الاستراتيجية يضمن للدولة التي تشن حرباً وقائية السيطرة العسكرية حيث أنها ستقضي على أمل امتلاك الدولة المعادية للأسلحة المتطورة.

 

وأخيراً قد تأخذ الحرب شكل حرب إحباط Pre-emptive وحرب الإحباط تعني الحرب التي تشنها دولة ما حينما يثبت لها أن خصمها يوشك أن يشن هجوماً ضدها.

 

لذا تعتمد حرب الإحباط وبدرجة كبيرة على المقدرة في تفسير نوايا الخصم وما إذا كان بالفعل يوشك أن يشن هجوماً أم أنه يمارس نوعاً من سياسة الردع واستعراض العضلات. والدولة التي تشن حرب الإحباط عادة ما تحاول أن تبرر هجومها على أساس أن أمنها في خطر وأن إقدامها على الحرب أمر لابد منه للحفاظ على الأمن القومي.

 

الدعاية: Propaganda

 

تعني الدعاية أي محاولة منظمة للتأثير على عقول وعواطف وسلوك جماعة معينة تحقيقاً لهدف عام معين. والدعاية تشترك مع الدبلوماسية في أنها نشاط كلامي بالدرجة الأولى، غير أنها تختلف عن الدبلوماسية في أنها توجه إلى شعوب الدول الأخرى لا إلى حكوماتها.

 

ولكي تكون الدعاية ناجحة وفعالة يجب أن يتوفر بها عدد من الشروط الأساسية. يجب أن تتسم أولاً بالبساطة في العرض حتى يمكن فهمها بدون جهد من قبل القارئ والمستمع العادي. فكلما كانت الدعاية بسيطة كلما زاد تأثيرها في عامة الجماهير وحققت بذلك الأهداف المرجوة منها.

 

كما يجب أن تتسم الدعاية بالقدرة على جذب انتباه القارئ أو المستمع وإثارة اهتمامه. وكلما كانت الدعاية مرتبطة بالواقع الذي تعيشه الجماهير كلما قوي جذبها للانتباه. ذلك أن الجماهير دائماً معنية بواقعها. وبالإضافة إلى الاهتمام بواقع الجماهير يجب الاهتمام بتحريك عواطفهم. لأن تحريك العواطف يساعد على إثارة الاهتمام بالمادة الدعائية.

 

والدعاية لكي تكون مقبولة يجب أن تكون إلى حد ما معقولة. أي أن المادة الدعائية يجب أن لا تخلو من الصحة. ذلك أن الكذبة المطلقة ليس من السهل بيعها للجماهير، لأن الجماهير حينما تتلقى أي مادة دعائية تحاول مقارنتها إلى حد ما بالواقع للتأكد من مدى صحتها النسبية. ولا يشترك أن تكون كل المادة الدعائية صحيحة.

 

وحتى تحقق الدعاية التأثير المنشود في عقول وعواطف وسلوك الجماهير يجب أن تكون المادة الدعائية متفقة في المضمون، ذلك أن التناقض في المضمون يؤدي إلى التشكيك في المادة الدعائية.

 

فإذا كان هدف الإعلام السعودي مثلاً تقديم مادة دعائية ضد دولة معادية فيجب أن يكون مضمون المادة متناسقاً في الراديو والصحافة والتلفزيون فإذا وجد الجمهور المخاطب، مثلاً أن خبر الإذاعة الدعائي تؤكده الصحافة ويدعمه التلفزيون. فإن هذا سيزيد من قناعة الجمهور المخاطب بصحة الخبر. أما إذا قدمت الإذاعة خبراً إذاعياً، وقدمت الصحف نفس الخبر لكن في مضمون يختلف، وتجاهل التلفزيون الخبر كلية فإن هذا سيدفع المواطن إلى التشكيك في الخبر.

 

ولترسيخ المادة الدعائية في أذهان الجماهير المخاطبة لابد من تكرارها بحيث تظهر للجمهور المخاطب وكأنها حقيقة مسلم بها. فتقديم المادة الدعائية مرة أو مرتين لا يكفي، بل لابد من تكرارها عدة مرات وفي كافة الوسائل الإعلامية: الإذاعة، والصحافة، والتلفزيون.

 

الاستراتيجيات الدعائية:

 

وفي مجال الاستراتيجيات الدعائية يمكن أن نميز بين نوعين من الاستراتيجيات. الاستراتيجية الموضوعية أو استراتيجية الحقيقة Strategy of Truth واستراتيجية الكذبة الكبرى Strategy of Big Lie.

 

الاستراتيجية الموضوعية تعني تقديم المادة الإعلامية للمستمع أو القارئ بشكل إخباري يراعى فيه أكبر قدر من الدقة والموضوعية ومن ثم يترك له مهمة استنتاج مغزى أو دلالة الخبر الإعلامي.

 

واستراتيجية الموضوعية مبنية على أساس أن تقديم المعلومات الصحيحة ذو أهمية سياسية خاصة لمواطن الدول ذات الإعلام الموجه والتي تحجب عن مواطنيها كثيراً من الحقائق الإعلامية. كما أن لهذه الاستراتيجية ميزة كبرى تتمثل في اجتذاب القراء والمستمعين الذين يحرصون على الحصول على معلومات صحيحة تساعدهم على تصحيح الأخبار المغلوطة والمشكوك فيها والتي تقدم لهم في الداخل.

 

أما استراتيجية الكذبة الكبرى فهي تعني تحريف أو تشويه المادة الإعلامية من أجل التلاعب بالرأي العام الموجه نحوه الدعاية.

 

ولقد استعمل الإعلام النازي هذه الاستراتيجية بفعالية معتمداً على الفكرة التي عرضها "هتلر" في كتابه كفاحي وهي أن الكذبة  إذا كانت كذبة كبرى ورددت ترديداً كافياً فسوف تصدقها الجماهير تصديقاً جزئياً على الأقل إذ أن أكثر الناس يفتقرون إلى سعة الأفق اللازمة لإدراك أن ترديد تصريحات ما لا يعني صحتها.

 

الأدوات الاقتصادية: Eeconomic Instruments

 

احتلت الأدوات الاقتصادية كوسيلة للسياسة الخارجية مكانة هامة في العلاقات الدولية المعاصرة. وهذه الأهمية للأدوات الاقتصادية جاءت من عاملين:

 

الأول، احتلال الرفاهية الاقتصادية لشعوب المجتمع الدولي مكانة بارزة في سلم أولويات الأهداف القومية للحكومات المعاصرة. لقد أصبحت المشاكل الاقتصادية مثل البطالة، والتضخم، ونقص المواد الغذائية قضايا هامة تشغل بال الحكومات المعاصرة، إذ أن بقاءها في السلطة يعتمد على قدرتها في حل هذه المشاكل.

 

أما العامل الثاني، فهو زيادة الاعتماد الاقتصادي المتبادل بين الدول وما يترتب على هذا الاعتماد من زيادة في أهمية وأولوية الأدوات الاقتصادية كوسيلة للسياسة الخارجية.

 

تعتبر التعريفات الجمركية Tariffs من أهم وأقدم الأدوات الاقتصادية. وتفرض التعريفات الجمركية لأهداف مختلفة.

 

فقد  تفرض كوسيلة للحصول على إيرادات مالية، حيث أن الدولة التي تعاني من مشاكل مالية تجد التعريفة وسيلة للحصول على إيرادات تساهم في دعم الميزانية العامة للدولة.

 

وقد تفرض التعريفة الجمركية كوسيلة لحماية المنتجات الوطنية، إذ أن فرض التعريفة الجمركية على السلع المستوردة سيزيد في سعرها ويحد من منافستها للمنتجات المحلية.

 

كما قد تفرض التعريفة الجمركية كوسيلة للانتقام ضد دولة، حيث أن فرض التعريفة الجمركية على المواد المستوردة من دولة معينة سيؤدي بطريقة غير مباشرة إلى الحد من الاستيراد منها ووضع العوائق أمام منتجاتها.

 

ثم هناك القيود النقدية Currency Regulations وتعني تولي الحكومة بنفسها الإشراف على ما يصرف من نقد في الخارج سواء لشراء سلع أو خدمات أو للسياحة والاستثمار.

 

وحينما تمارس الحكومة إجراء القيد النقدي فهي تتولى بنفسها الإشراف على منح التراخيص الخاصة بتحويل العملات للخارج وشراء العملات الصعبة مثل الدولار والجنيه الإسترليني.

 

والحكومات تلجأ عادة لفرض القيود النقدية لحماية ميزان مدفوعاتها، وهو البيان الإجمالي السنوي الذي يصور إيرادات الدولة من الخارج ومدفوعات الدولة إلى الخارج.

 

وقد تستخدم الدولة الحظر الاقتصادي Embargo كأداة للسياسة الخارجية.  والحظر يعني عدم تصدير سلعة معينة إلى دولة أو دول محددة لأسباب سياسية أو اقتصادية.

 

وقد يكون الحضر كلياً أي منعاً شاملاً لتصدير السلعة أو جزئياً أي منع تصدير السلعة بنسبة معينة مثال ذلك الحظر الجزئي الذي فرضته الدول العربية المنتجة للنفط على تصدير النفط لأمريكا وبعض الدول الغربية خلال الحرب العربية الإسرائيلية عام 1973.

 

وعلى خلاف الحظر قد يكون الأجراء الاقتصادي المتبع هو المقاطعة Boycott. والمقاطعة تعني رفض استيراد السلع التي تنتجها دولة أو شركة معينة.

 

وهي تفرض أما لاعتبارات اقتصادية أو سياسية لكنها كثيراً ما تفرض لاعتبارات سياسية مثل مقاطعة الدول العربية لإسرائيل والشركات الأجنبية التي تصنع فيها.

 

كذلك يعتبر الاندماج الاقتصادي Economic Integration  أداة من أدوات السياسة الخارجية إذ أنه عن طريق هذا الاندماج تحقق الدول بعض المكاسب الاقتصادية وتواجه به التحديات الاقتصادية التي ترفعها لها دول وتكتلات أجنبية.

 

كما أن الاندماج الاقتصادي قد يكون خطوة نحو اندماج سياسي كما كانت الفكرة عند قيام السوق الأوربية المشتركة حيث كان المؤسسون لها يتوقعون أن تؤدي الوحدة الاقتصادية إلى وحدة سياسية. لكن مبدأ السيادة القومية وتوسع دول السوق حال دون تحقيق هذه التوقعات وبقيت السوق مجرد وحدة اقتصادي.

 

وقد تستخدم الدولة تجميد الأرصدة أو تأميمها كاجراء اقتصادي لتحقيق هدف سياسي. وهذا الأجراء يعني تجميد أو تأميم الأرصدة والموجودات لدولة أجنبية داخل إقليم الدولة التي تلجا إلى مثل هذا الشكل من الإجراءات الاقتصادية.

 

والتجميد يعني عدم السماح لدولة أجنبية باستخدام أرصدتها وموجوداتها داخل إقليم الدولة التي اتخذت إجراء التجميد حتى تستجيب الدولة الأجنبية للمطالب السياسية أو الاقتصادية المطلوب منها. مثال لذلك تجميد أمريكا للأرصدة والموجودات الإيرانية خلال أزمة الرهائن في السفارة الأمريكية في طهران عام 1979م.

 

وقد يكون الإجراء الاقتصادي المتبع هو تخفيض قيمة العملة المحلية. والتخفيض إجراء اقتصادي تلجأ إليه الدولة لتشجيع صادراتها إلى الدول الأخرى، حيث أن التخفيض في قيمة العملة يؤدي إلى تقليل ثمن المنتجات المحلية في الخارج وهذا بدوره يؤدي إلى زيادة الطلب عليها.

 

وهناك أداة اقتصادية أكثر فعالية في الساحة الخارجية ونعني بها المساعدات الخارجية Foreign Aid.

 

والمساعدات الخارجية أول من استخدمها الدول الغنية والقوية في المجتمع الدولي وبالذات الدول الغربية حيث وجدت هذه الدول أن المساعدات الخارجية وسيلة فعالة لاحتواء المد الشيوعي وبسط النفوذ الغربي في الدول النامية.

 

لكن منذ منتصف الستينات بدأت الدول النامية الغنية تستخدم المساعدات الخارجية كوسيلة لتحقيق أهداف خارجية مختلفة.

 

أخيراً تلجأ، الدول ذات الموارد المالية المحدودة إلى المساعدات الفنية Technical Assistance كأداة للسياسة الخارجية، حيث تقوم الدولة المقدمة للمساعدات الفنية بتقديم الخبرات الفنية في مجالات فنية مختلفة مثل الزراعة، الصحة، الصناعة، والتعليم.

 

ونظراً لتوفر الخبرات والإمكانيات الفنية لدى إسرائيل ونتيجة لقلة مواردها المالية فهي كثيراً ما تلجأ إلى استخدام المساعدات الفنية كأداة لسياستها الخارجية خصوصاً في الدول الأفريقية ودول أمريكا اللاتينية.

 

.

 

 

الأمم المتحدة

 

"ظهرت الأمم المتحدة United Nations نتيجة للقاءات و مجهودات مكثفة ومتواصلة تمت خلال الحرب العالمية الثانية".

 

وقد اشترك في وضع ميثاق الأمم المتحدة ممثلو 50 بلدا في أثناء مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالمنظمة الدولية، الذي عقد في سان فرانسيسكو في الفترة من 25 نيسان/أبريل إلى 26 حزيران/يونيه 1945.

 

وقد تباحث هؤلاء المفوضون على أساس مقترحات أعدها ممثلو الاتحاد السوفيتي والصين والمملكة المتحدة والولايات المتحدة في دمبارتون أوكس في آب/أغسطس 1944. ووقع الميثاق ممثلو البلدان الخمسين يوم 26 حزيران/يونيه 1945. ووقعته بعد ذلك بولندا، التي لم يكن لها ممثل في المؤتمر، فأصبحت واحدا من الأعضاء المؤسسين البالغ عددهم 51 دولة.

 

"وفي 24 أكتوبر 1945م، صدقت الدول العظمى وهي الاتحاد السوفييتي، والولايات المتحدة، والصين، وفرنسا، والمملكة المتحدة، ومعظم الدول الأخرى على الميثاق. وبذا خرجت الأمم المتحدة إلى حيز الوجود".

 

إذن أُنشئت الأمم المتحدة في 24 تشرين الأول/أكتوبر 1945، وقد أنشأها 51 بلداً ملتزماً بحفظ السلام عن طريق التعاون الدولي والأمن الجماعي. وتنتمي إلى الأمم المتحدة اليوم كل دول العالم تقريباً - إذ يبلغ عدد أعضاء الأمم المتحدة 191 بلداً في المجموع.

 

وعندما تصبح الدول أعضاءً في الأمم المتحدة، فإنها توافق على القبول بالالتزامات المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة، وهو معاهدة دولية تحدد المبادئ الأساسية للعلاقات الدولية.

 

والأمم المتحدة ليست حكومة عالمية وهي لا تضع قوانين. ولكنها توفر سبل المساعدة على حل النزاعات الدولية وصياغة السياسات المتعلقة بالمسائل التي تهم جميع أعضائها. وكل الدول الأعضاء - كبيرها وصغيرها، غنيها وفقيرها، بما لها من آراء سياسية ونظم اجتماعية متباينة - لها في الأمم المتحدة أن تعرب عن آرائها وتدلي بأصواتها في هذه العملية.

 

"والأمم المتحدة كعامل دولي وجدت لتعمل من أجل تحقيق مقاصد سليمة وإنسانية حددها ميثاقها بما يلي:

  1. حفظ السلم والأمن الدوليين.
  2. إنماء العلاقات الودية بين الأمم.
  3. تحقيق التعاون الدولي لحل المشكلات الدولية والاقتصادية، والاجتماعية والثقافية، وتشجيع احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية.
  4. أن تكون مركزًا لتنسيق أعمال الأمم من أجل إدراك هذه الغايات المشتركة".

 

"وفي سعيها لتحقيق هذه المقاصد انطلقت الأمم المتحدة من مبادئ أساسية التزمت بها كل الدول الأعضاء فيها. وأهم هذه المبادئ: (1) أن كل الدول الأعضاء ذات سيادة ومتساوية من حيث الأهمية، (2) وأن الدول الأعضاء ستفي بالتزاماتها التي ينص عليها الميثاق، (3) وستسوى منازعاتها الدولية سلميًا، (4) وستمتنع عن استخدام القوة أو التهديد باستخدامها، (5) وستقدم كل مساعدة للأمم المتحدة، (6) وأن الأمم المتحدة من جانبها سوف لن تتدخل في الشؤون الداخلية لأية دولة".

 

"والعضوية في الأمم المتحدة نوعان: أعضاء أصليون وأعضاء منضمون:

  1. الأعضاء الأصليون هم الدول التي شاركت في مؤتمر (سان فرانسيسكو)، ووقعت على الميثاق ثم صادقت عليه أو الدول التي وقعت تصريح الأمم المتحدة الصادرة في يناير 1943م، ثم وقعت على ميثاق (سان فرانسيسكو)، وصادقت عليه. فإذا توافر أي من الشرطين في دولة ما فهي من الأعضاء الأصليين.
  2. أما بالنسبة للأعضاء المنضمين فهم الدول التي التحقت بالأمم المتحدة بعد تأسيسها، وهذه الدول تخضع لإجراءات وشروط القبول في الأمم المتحدة".

 

 "والعضوية الجديدة في الأمم المتحدة مفتوحة (لكل الدول المحبة للسلام)، والتي تقبل الالتزامات الواردة في ميثاق الأمم المتحدة . . .  ولا يترتب على اختلاف نوع العضوية أي اختلاف في الحقوق والمزايا المتعلقة بعضوية الأمم المتحدة".

 

"وتقوم الأمم المتحدة بوظائفها وتمارس مسؤولياتها من خلال ستة أجهزة رئيسية تابعة لها". هي: الجمعية العامة، مجلس الأمن، المجلس الاقتصادي ولاجتماعي، مجلس الوصاية، محكمة العدل الدولية، والأمانة العامة.

 

الجمعية العامة:

 

جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، ممثلة في الجمعية العامة التي هي بمثابة "برلمان دولي" يجتمع للنظر في أشد المشاكل العالمية إلحاحاً.

 

ولكل دولة عضو صوت واحد. وتتخذ القرارات في المسائل الهامة، كالتوصيات المتعلقة بصون السلم والأمن الدوليين أو قبول أعضاء جدد أو التوصيات المتعلقة بميزانية الأمم المتحدة، بأغلبية الثلثين. أما المسائل الأخرى فيبت فيها بالأغلبية البسيطة.

 

 "وتجتمع الجمعية العامة في دورات انعقاد منتظمة وفي دورات انعقاد خاصة إذا لزم الأمر. وللجمعية العامة حق مناقشة أي مسائل أو شؤون واردة في الميثاق أو تتعلق بسلطات ومهام الأجهزة التابعة لها".

 

ونظرت الجمعية العامة [على سبيل المثال] في دورة 2001/2002، ما يزيد على 180 موضوعاً مختلفاً، من ضمنها قضايا العولمة، والإيدز والصراعات في أفريقيا وحماية البيئة، وتوطيد أركان الديمقراطيات الجديدة. ولا تستطيع الجمعية العامة أن ترغم أي دولة على اتخاذ أي إجراء، ولكن توصياتها هي دلالة هامة على الرأي العالمي وتمثل السلطة المعنوية لمجتمع الأمم.

 

"وتمثل الجمعية العامة موقعاً مركزيًا في الأمم المتحدة وتقدم كل الأجهزة الأخرى تقاريرها إلى الجمعية. وهي تقبل بناء على توصية مجلس الأمن، أعضاء جددًا، وتعين الأمين العام للأمم المتحدة. كما أنها تصدق على ميزانية المنظمة، وتحدد المبلغ الذي سيدفع كل عضو".

 

مجلس الأمن:

 

"ويلي الجمعية العامة في الأهمية مجلس الأمن وهو الجهاز الرئيسي الثاني في الأمم المتحدة. ويتكون مجلس الأمن من خمسة عشر عضوًا، خمسة منهم دائمون ويحق لهم استخدام حق الرفض Veto على قرارات المجلس وهم: الاتحاد الروسي، الولايات المتحدة، الصين الشعبية، فرنسا، والمملكة المتحدة. أما الأعضاء العشرة الباقون فهم غير دائمين تنتخبهم الجمعية العامة لمدة سنتين".

 

"ومجلس الأمن جهاز دائم وظيفته الأساسية حفظ السلام والأمن الدوليين. وحتى يقوم بهذه الوظيفة الأساسية أعطى حق النظر في أي نزاع أو خطر يهدد السلام وإصدار التوصيات اللازمة من أجل تسوية المشكلات الأمنية الدولية".

 

إذن يعهد ميثاق الأمم المتحدة إلى مجلس الأمن بالمسؤولية الرئيسية عن صون السلم والأمن الدوليين، ويجوز دعوة المجلس إلى الانعقاد في أي وقت، كلما كان السلام في خطر وبموجب الميثاق، فإن جميع الدول الأعضاء ملزمة بتنفيذ قرارات المجلس.

 

وتتطلب قرارات المجلس تسعة أصوات إيجابية. وباستثناء التصويت على المسائل الإجرائية، لا يمكن اتخاذ قرار إذا أدلى أحد الأعضاء الدائمين بصوت سلبي أو مارس حق النقض ضده.

 

ويجوز للدولة العضو في الأمم المتحدة التي ليست عضوا في مجلس الأمن، أن تشارك في مناقشات المجلس، بدون حق التصويت، إذا اعتبر هذا الأخير أن مصالحها عرضة للضرر. ويُدعى كل من أعضاء الأمم المتحدة وغير الأعضاء، إذا كانوا أطرافا في نزاع معروض على المجلس، إلى المشاركة في مناقشاته، بدون حق التصويت؛ ويضع المجلس شروط مشاركة الدولة غير العضو.

 

وعندما ينظر المجلس في حالة تنطوي على تعرض السلام الدولي للخطر، فإنه يستكشف أولاً سبل تسوية المنازعات بالوسائل السلمية. وله أن يقترح مبادئ للتسوية أو أن يضطلع بمهمة الوساطة. وفي حالة وجود قتال، يحاول المجلس التوصل إلى وقف لإطلاق النار. ويجوز له أن يوفد بعثة لحفظ السلام لمساعدة الأطراف في الحفاظ على الهدنة وللفصل بين القوات المتنازعة.

 

ويستطيع المجلس أن يتخذ تدابير لإنفاذ قراراته. ويستطيع فرض جزاءات اقتصادية أو الأمر بفرض حظر على توريد الأسلحة. وقد أذن المجلس للدول الأعضاء في مناسبات نادرة باستخدام "كل الوسائل الضرورية"، بما في ذلك العمل العسكري الجماعي، لضمان تنفيذ قراراته.

 

مهام وسلطات مجلس الأمن:

 

فيما يلي بعض المهام التي يضطلع بها مجلس الأمن والسلطات التي يتمتع بها، بموجب الميثاق:

 

  1. المحافظة على السلام والأمن الدوليين وفقا لمبادئ الأمم المتحدة ومقاصدها؛
  2. التحقيق في أي نزاع أو حالة قد تفضي إلى خلاف دولي؛
  3.  تقديم توصيات بشأن تسوية تلك المنازعات أو بشروط التسوية؛
  4. وضع خطط للتصدي لأي خطر يتهدد السلام أو أي عمل عدواني، وتقديم توصيات بالإجراءات التي ينبغي اتخاذها؛
  5.  دعوة جميع الأعضاء إلى تطبيق الجزاءات الاقتصادية وغيرها من التدابير التي لا تستتبع استخدام القوة للحيلولة دون العدوان أو وقفه؛
  6. اتخاذ إجراءات عسكرية ضد المعتدي؛
  7. تقديم التوصيات إلى الجمعية العامة بشأن انتخاب الأمين العام، والقيام مع الجمعية، بانتخاب قضاة المحكمة الدولية.
  8. التوصية بقبول الأعضاء الجدد, وبوقف أو طرد الأعضاء القدامى.

 

وتتناوب الدول الأعضاء في المجلس على رئاسته شهريا، وفقا للترتيب الأبجدي الانكليزي لأسمائها.

 

أعضاء مجلس الأمن ورئاسته في عام 2005

الشهر

الرئاسة

تاريخ انتهاء مدة العضوية

كانون الثاني/يناير

الأرجنتين

31 كانون الأول/ديسمبر 2006

شباط/فبراير

بنن

31 كانون الأول/ديسمبر 2005

آذار/مارس

البرازيل

31 كانون الأول/ديسمبر 2005

نيسان/ابريل

الصين

عضو دائم

أيار/مايو

الدنمارك

31 كانون الأول/ديسمبر 2006

حزيران/يونيه

فرنسا

عضو دائم

تموز/يوليه

اليونان

31 كانون الأول/ديسمبر 2006

آب/أغسطس

اليابان

31 كانون الأول/ديسمبر 2006

أيلول/سبتمبر

الفلبين

31 كانون الأول/ديسمبر 2005

تشرين الأول/أكتوبر

رومانيا

31 كانون الأول/ديسمبر 2005

تشرين الثاني/نوفمبر

الاتحاد الروسي

عضو دائم

كانون الأول/ديسمبر

المملكة المتحدة

عضو دائم

 

تنزانيا

31 كانون الأول/ديسمبر 2006

 

الولايات المتحدة

عضو دائم

 

الجزائر

31 كانون الأول/ديسمبر 2005


في 1 كانون الثاني/يناير 2005، بدأت البلدان التالية عضويتها لمدة سنتين:

الأرجنتين

اليابان

الدنمارك

تنزانيا

اليونان

 

 

 المجلس الاقتصادي والاجتماعي:

 

"والجهاز الرئيسي الثالث في الأمم المتحدة هو المجلس الاقتصادي والاجتماعي. ويتكون هذا المجلس من 54 عضوًا تنتخبهم الجمعية العامة على أساس دوري، إذ تنتخب 18 أعضاء كل عام لمدة ثلاث سنوات".

 

وتخصص المقاعد في المجلس على أساس التمثيل الجغرافي بتخصيص أربعة عشر مقعدا للدول الأفريقية، وأحد عشر مقعدا للدول الآسيوية، وستة مقاعد لدول أوروبا الشرقية، وعشر مقاعد لدول أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، وثلاثة عشر مقعدا لدول أوروبا الغربية ودول أخرى.

 

يجتمع المجلس على مدار العام ويعقد دورة كبرى في تموز/جولاى. وتتضمن الدورة اجتماعاً خاصاً على مستوى الوزراء لمناقشة المسائل الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية الهامة.

 

يقوم المجلس الاقتصادي والاجتماعي، تحت السلطة الشاملة للجمعية العامة، بتنسيق الأعمال الاقتصادية والاجتماعية للأمم المتحدة وأسرتها من المنظمات الدولية".

 

حيث ينسق المجلس الاقتصادي والاجتماعي أعمال وكالات ولجان الأمم المتحدة المتخصصة؛ وهو يصدر التوصيات في مجال السياسة العامة إلى منظومة الأمم المتحدة والدول الأعضاء.

 

وبموجب ميثاق الأمم المتحدة، فإن المجلس الاقتصادي والاجتماعي مسؤول عن تحقيق مستوى أعلى للمعيشة وتوفير أسباب الاستخدام المتصل لكل فرد، والنهوض بعوامل التطور والتقدم الاقتصادي والاجتماعي؛ وتيسير الحلول للمشاكل الدولية الاقتصادية والاجتماعية والصحية، وتعزيز التعاون الدولي في أمور الثقافة والتعليم؛ وإشاعة احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع في العالم.

 

ويشمل اختصاص المجلس الاقتصادي والاجتماعي أكثر من 70 في المائة من الموارد البشرية والمالية لمنظومة الأمم المتحدة بأكملها.

 

"والمجلس يؤدي دوراً هاماً في تعزيز التعاون الدولي لأغراض التنمية، بوصفه المنتدى الرئيسي لمناقشة القضايا الاقتصادية والاجتماعية الدولية ووضع التوصيات المتعلقة بالسياسة العامة. ويتشاور المجلس أيضاً مع المنظمات غير الحكومية، محافظاً بذلك على همزة وصل حيوية بين الأمم المتحدة والمجتمع المدني.

 

"ويتفرع من المجلس عدد من اللجان الهامة والعاملة ذات الصفة التخصصية والتي تقوم بإعداد الدراسات و التوصيات اللازمة، ومن هذه اللجان: لجنة الإحصاء، لجنة السكان، لجنة التطور الاجتماعي، لجنة حقوق الإنسان، لجنة المرأة، ولجنة المخدرات".

 

وتجتمع الهيئات الفرعية للمجلس بصورة منتظمة وتقدم تقارير إلى المجلس. وتقوم لجنة حقوق الإنسان، على سبيل المثال، برصد الامتثال لحقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم. وتهتم هيئات أخرى بمسائل يذكر منها التنمية الاجتماعية، ومركز المرأة، ومنع الجريمة، والمخدرات، وحماية البيئة. وتضطلع خمس لجان إقليمية، كل منها في منطقته، بتعزيز التنمية الاقتصادية والتعاون.

 

مجلس الوصاية:

 

"أما مجلس الوصاية فهو الجهاز الرابع في الأمم المتحدة ووظيفته إدارة الأقاليم التي يشملها نظام الوصاية الذي نص عليه ميثاق الأمم المتحدة، والأقاليم التي تخضع لنظام الوصاية وفقًا لميثاق الأمم المتحدة هي التي كانت خاضعة لنظام الانتداب طبقًا لعهد عصبة الأمم، أو الأقاليم التي اقتطعت من دول الأعداء نتيجة للحرب العالمية الثانية".

 

"ويتكون مجلس الوصاية من الدول الأعضاء التي تشرف على إدارة مناطق الوصاية والأعضاء الدائمون في مجلس الأمن الذين لا يديرون مناطق تحت الوصاية، وأي عدد من الأعضاء الآخرين يكون ضروريًا لضمان المساواة العددية بين الأعضاء الذين يتولون الوصاية وأولئك الذين لا يمارسونها. ويتم انتخاب الأعضاء الآخرين من قبل الجمعية العامة لمدة ثلاث سنوات".

 

لقد أُنشئ مجلس الوصاية لتوفير الإشراف الدولي على الأقاليم المشمولة بالوصاية والتي يقوم بإدارتها بعض الدول الأعضاء في (الأمم المتحدة) ولضمان اتخاذ الخطوات الملائمة لإعداد هذه الأقاليم للحكم الذاتي أو الاستقلال.

 

وبحلول عام 1994، كانت كل الأقاليم المشمولة بالوصاية قد حصلت على الحكم الذاتي أو الاستقلال، إما كدول منفصلة أو بالانضمام إلى بلدان مستقلة مجاورة. وآخر الأقاليم التي كانت مشمولة بالوصاية كان إقليم جزر المحيط الهادئ (بالاو) الذي كانت الولايات المتحدة تتولى إدارته، وأصبح الدولة العضو رقم 185.

وبذالك فقد علّق مجلس الوصاية أعماله في 1 تشرين الثاني/نوفمبر 1994، بعد أن استقلت بالاو، . . .  في 1 تشرين الأول/أكتوبر 1994.

 

وبموجب قرار اتخذ في 25 أيار/ مايو 1994، عدل المجلس نظامه الداخلي بحيث لم يعد يتضمن الالتزام بالاجتماع سنويا، ووافق على أن يجتمع حسب الحاجة، بقرار منه أو من رئيسه، أو بناء على طلب أغلبية أعضائه أو الجمعية العامة أو مجلس الأمن.

 

محكمة العدل الدولية:

 

"والجهاز الخامس في الأمم المتحدة هو محكمة العدل الدولية وهي الجهاز القضائي الرئيسي للأمم المتحدة. وتتكون محكمة العدل الدولية من خمسة عشر قاضيًا ينتخبهم مجلس الأمن والجمعية العامة".

 

"ومقر محكمة العدل الدولية لاهاي في هولندا. وتقوم المحكمة باختصاصاتها وفقًا لنظام أساسي هو جزء من ميثاق الأمم المتحدة ". حيث تتولى هذه المحكمة الفصل في المنازعات بين البلدان. واشتراك الدول في أي قضية مرفوعة أمام المحكمة أمر طوعي، ولكن إذا وافقت أي دولة على هذا الاشتراك فإنها تصبح ملزمة بالامتثال لقرار المحكمة.

 

"وبالإضافة إلى الفصل في المنازعات القضائية التي تعرض على المحكمة، تقوم المحكمة بتقديم الآراء الاستشارية في الشؤون القانونية التي تحيلها إليها الجمعية العامة أو مجلس الأمن أو الأجهزة الأخرى".

 

الأمانة العامة:

 

"الجهاز الرئيسي السادس والأخير هو الأمانة العامة، وتقوم الأمانة العامة بالمهام الإدارية للأمم المتحدة". بحيث تضطلع الأمانة العامة بالأعمال الفنية والإدارية للأمم المتحدة حسب توجيهات الجمعية العامة ومجلس الأمن والأجهزة الأخرى.

 

"وهي تخدم الأجهزة الأخرى وتنفذ البرامج والسياسات التي تقرها هذه الأجهزة ويرأس جهاز الأمانة العامة الأمين العام الذي . . . [تنتخبه] الجمعية العامة بناء على توصية من مجلس الأمن".  والأمين العام هو أبرز صانعي السلام في العالم، وهو المسؤول الإداري الأول في الأمم المتحدة.

 

"وللأمين العام أن يوجه نظر مجلس الأمن إلى أي موضوع يراه يهدد السلام والأمن الدوليين. كما يشرف الأمين العام على إعداد التقارير السنوية والتي يرفعها إلى الجمعية العامة حول نشاط الأمم المتحدة".

 

وتتكون الأمانة العامة حالياً من إدارات ومكاتب يعمل فيها نحو  7500 موظف في إطار الميزانية العادية وعدد مماثل تقريباً في إطار ميزانية خاصة ينتمون إلى نحو 170 بلداً. وتشمل مراكز العمل المقر العام للأمم المتحدة في نيويورك فضلاً عن مكاتب الأمم المتحدة في جنيف وفيينا  ومواقع أخرى.

 

وهولا الموظفون والأمين العام، بوصفهم موظفين مدنيين دوليين، مسؤولون عن أنشطتهم أمام الأمم المتحدة وحدها، ويقسمون يمينا بعدم التماس أو تلقي تعليمات من أي حكومة أو سلطة خارجية. وبموجب المادة 100 من الميثاق، تتعهد كل دولة عضو باحترام الصفة الدولية البحتة لمسؤوليات الأمين العام والموظفين، وبألا تحاول التأثير فيهم عند اضطلاعهم بمسؤولياتهم.

 

والواجبات التي تضطلع بها الأمانة العامة متنوعة تنوع المشاكل التي تعالجها الأمم المتحدة، وهي تمتد من إدارة عمليات حفظ السلام إلى الوساطة في المنازعات الدولية.

 

ويتابع موظفو الأمانة العامة أيضا الاتجاهات والمشاكل الاقتصادية والاجتماعية؛ ويعدون الدراسات حول مواضيع من قبيل حقوق الإنسان والتنمية . . . ؛ وينظمون المؤتمرات الدولية بشأن المسائل التي تستقطب الاهتمام على الصعيد العالمي؛ ويرصدون مدى تنفيذ قرارات هيئات الأمم المتحدة؛ ويضطلعون بالترجمة الشفوية للخطب والترجمة التحريرية للوثائق إلى اللغات الرسمية للمنظمة؛ وينجزون برامج الإعلام لإطلاع وسائط الاتصال في العالم على عمل الأمم المتحدة.

 

دور الأمين العام للأمم المتحدة:

 

يصف الميثاق الأمين العام بأنه "المسؤول الإداري الأول" للمنظمة. فالأمين العام، الذي يتساوى في كونه دبلوماسيا وناشطا، مع كونه مُوفّقا ومشجّعا، يُعتبر لدى المجتمع العالمي رمزا للأمم المتحدة ذاتها. والأمين العام الحالي للأمم المتحدة، وهو سابع شخص يشغل هذا المنصب، هو كوفي عنان، من غانا، الذي تولى مهام منصبه في 1 كانون الثاني/ يناير 1997.

 

فالميثاق يخول الأمين العام أن ينبه مجلس الأمن إلى أية مسألة يرى أنها قد تهدد السلام والأمن الدوليين. كما يطلب إليه أن يقوم "بالوظائف الأخرى" التي يوكلها إليه مجلس الأمن والجمعية العامة وهيئات الأمم المتحدة الرئيسية الأخرى. وعلى هذا فإن الأمين العام يعمل بوصفه متحدثا باسم المجتمع الدولي ووكيل للدول الأعضاء، وهما مهمتان يبدو أنه لا مفر من وجود شيء من التعارض بينهما. بيد أنه بفضل هذه الخطوط العريضة لا ينحصر عمل الأمين العام في نطاق ضيق، لأنها تمنحه ولاية للتصرف تتسم باتساع غير عادي.

 

وكما هو معروف أن الأمين العام يستخدم مكانته هذه وحياده - اللذين يترجمان إلى ما يطلق عليه "مساعيه الحميدة" - لصالح "الدبلوماسية الوقائية". ويشير هذا المصطلح إلى الخطوات التي يتخذها الأمين العام أو كبار موظفيه، علنا أو سرا، لمنع نشوء المنازعات الدولية أو تصاعدها أو انتشارها. بل إنه في الوقت الذي تنتشر فيه الأحداث والأزمات على نطاق الكرة الأرضية بأكملها، فإن من الممكن أن يكون لأقوال الأمين العام وأفعاله أثر بالغ.

 

بيد أن مهمة الأمين العام تقتضي منه أيضا إجراء مشاورات يومية اعتيادية مع زعماء العالم وأفراد آخرين، وحضور دورات مختلف هيئات الأمم المتحدة، والسفر إلى جميع أنحاء العالم في إطار سعيه العام إلى تحسين الأوضاع الدولية. ويُصدر الأمين العام كل عام تقريرا يُقيّم فيه أعمال المنظمة ويعرض فيه آراءه المتعلقة بأولوياتها مستقبلا.

 

ويحدد كل أمين عام ملامح الوظيفة الموكولة إليها بصورة تناسب عصره وسنه. ففي عام 1992، مثلا، وضع الأمين العام آنذاك بطرس غالى، بناء على طلب من مجلس الأمن، مؤلّفا يسمى "خطة للسلام"، وهو عبارة عن اقتراح واسع النطاق لحفظ السلام وبناء السلام في عالم ما بعد الحرب الباردة. وتُنتظَر مبادرات على نفس القدر من الجرأة من الأمين العام الحالي والأمناء العامين المقبلين. وكما يدخل المجتمع العالمي حاليا في مجالات مجهولة إلى حد كبير، فكذلك أيضا تُعطى مهمة الأمين العام دفعة نشاط جديدة واتجاها جديدا.

 

والأمناء العامون السابقون للسيد عنان هم بطرس بطرس غالى، من مصر، الذي شغل ذلك المنصب من عام 1992 إلى عام 1996؛ وخافيير بيريز دي كوييار، من بيرو، الذي استمر في منصبه من عام 1982 إلى عام 1991؛ وكورت فالدهايم، من النمسا، الذي شغل منصبه من عام 1972 إلى عـــام 1981؛ ويوثانت، من بورما . . . الذي استمرت مدة خدمته من عام 1961 إلى عام 1971؛ وداغ همرشولد، من السويد، الذي شغل المنصب من عام 1953 حتى وفاته في حادث تحطم طائرة في أفريقيا في عام 1961؛ وتريغف لي، من النرويج، الذي استمر في الخدمة من عام 1945 إلى عام 1953.

 

منظومة الأمم المتحدة

 

يرتبط بالأمم المتحدة من خلال اتفاقات تعاونية صندوق النقد الدولي والبنك الدولي و عدد اخر من المنظمات المستقلة التي تعرف باسم "الوكالات المتخصصة" وهذه الوكالات التي من بينها منظمة الصحة العالمية ومنظمة الطيران المدني الدولي هي هيئات مستقلة أُنشئت بموجب اتفاق حكومي دولي.

 

وهي تضطلع بمسؤوليات دولية واسعة النطاق في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتربوية والصحية والمجالات ذات الصلة. وبعضها، مثل منظمة العمل الدولية والاتحاد البريدي العالمي، أقدم عهداً من الأمم المتحدة ذاتها.

 

وبالإضافة إلى ما تقدم، يعمل عدد من مكاتب الأمم المتحدة وبرامجها وصناديقها - مثل مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) - على تحسين الحالة الاقتصادية والاجتماعية للشعوب في جميع أنحاء العالم. وهي ترفع تقارير إلى الجمعية العامة أو المجلس الاقتصادي والاجتماعي.

 

ولكل من هذه المنظمات مجلس إدارته وميزانيته وأمانته. وتعرف والأمم المتحدة معاً بأسرة الأمم المتحدة أو منظومة الأمم المتحدة. وهي توفر معاً المساعدة التقنية وكافة أشكال المساعدة العملية في جميع المجالات الاقتصادية والاجتماعية تقريباً.

 

الوكالات المتخصصة

 

المنظمات المستقلة المرتبطة بالأمم المتحدة من خلال اتفاقات خاصة:

 

منظمة العمل الدولية

تقوم بصياغة السياسات ووضع البرامج الرامية إلى تحسين ظروف العمل وفرص العمالة، وتحدد معايير العمل التي تستعملها البلدان في جميع أنحاء العالم.

 

منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو)

تعمل على تحسين الإنتاجية الزراعية والأمن الغذائي، والنهوض بمستويات معيشة السكان في المناطق الريفية.

 

منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)

تشجع على توفير التعليم للجميع، وتعزز التنمية الثقافية، وحماية التراث الطبيعي والثقافي، والتعاون الدولي في مجال العلم، وحرية الصحافة والاتصال.

 

منظمة الصحة العالمية

تتولى تنسيق البرامج الرامية إلى حل المشاكل الصحية وتمكين البشر جميعاً من بلوغ أعلى المستويات الصحية الممكنة. وتعمل في مجالات مثل التحصين والتثقيف الصحي وتوفير العقاقير الأساسية.

 

مجموعة البنك الدولي

توفر القروض والمساعدة التقنية للبلدان النامية بهدف الحد من الفقر وتعزيز النمو الاقتصادي.

 

صندوق النقد الدولي

يعمل على تيسير التعاون النقدي الدولي وتحقيق الاستقرار المالي، ويوفر محفلاً دائماً للتشاور وإسداء المشورة وتقديم المساعدة بشأن المسائل المالية.

 

منظمة الطيران المدني الدولي.

تضع المعايير الدولية اللازمة لكفالة سلامة النقل الجوي وأمنه وكفاءته وتتولى تنسيق التعاون الدولي في جميع المجالات المتعلقة بالطيران المدني.

 

الاتحاد البريدي العالمي.

يضع الأنظمة الدولية المتعلقة بالخدمات البريدية، ويوفر المساعدة التقنية، ويشجع التعاون في الشؤون البريدية.

 

الاتحاد الدولي للمواصلات السلكية واللاسلكية

يعمل على تعزيز التعاون الدولي من أجل تحسين الاتصالات السلكية واللاسلكية بجميع أنواعها، وينسق استخدام الترددات اللاسلكية والتلفزيونية، ويعزز تدابير السلامة، ويجري بحوثاً.

 

المنظمة العالمية للأرصاد الجوية

تشجع البحوث العلمية المتعلقة بالغلاف الجوي وتغير المناخ، وتيسر التبادل العالمي لبيانات الأرصاد الجوية.

 

المنظمة البحرية الدولية

تعمل على تحسين إجراءات الشحن البحري الدولي، ورفع مستويات السلامة البحرية وتخفيف حدة التلوث البحري الناجم عن السفن.

 

المنظمة العالمية للملكية الفكرية

تعمل على تعزيز الحماية الدولية للملكية الفكرية وتشجع التعاون في مجال حقوق التأليف والنشر والعلامات التجارية والتصميمات الصناعية وبراءات الاختراع.

 

الصندوق الدولي للتنمية الزراعية

يقوم بتعبئة الموارد المالية من أجل النهوض بمستويات الإنتاج الغذائي والتغذية لدى الفقراء في البلدان النامية.

 

منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (اليونيدو)

تعمل على تعزيز التقدم الصناعي في البلدان النامية عن طريق تقديم المساعدة التقنية والخدمات الاستشارية والتدريب.

 

الوكالة الدولية للطاقة الذرية

منظمة حكومية دولية تتمتع بإدارة ذاتية تحت إشراف الأمم المتحدة، وتعمل من أجل الاستخدامات الآمنة والسلمية للطاقة الذرية.


من أهم منجزات الأمم المتحدة

  1. الحفاظ على السلام والأمن: - تمكنت الأمم المتحدة بنشرها ل 42 من قوات حفظ السلام وبعثات المراقبة إلى تاريخ أيلول/سبتمبر 1996 من إعادة الهدوء والمضي بالمفاوضات قدما وإنقاذ حياة ملايين البشر. وتوجد حاليا 16 قوة تقوم بعمليات حفظ السلام.
  2. صنع السلام: - منذ عام 1945، نجحت الأمم المتحدة، عن طريق التفاوض، في تحقيق الكثير من التسويات السلمية التي أنهت منازعات إقليمية. ومن العمليات الأخيرة في هذا المجال وضع حد للحرب بين إيران والعراق، وانسحاب القوات السوفياتية من أفغانستان، وإنهاء الحرب الأهلية في السلفادور. وقد استعملت الأمم المتحدة الدبلوماسية الهادئة لتفادي حروب كانت على وشك الاندلاع.
  3. تعزيز التنمية: - تكرس منظومة الأمم المتحدة لتعزيز تنمية المهارات والامكانات البشرية اهتماما وموارد أكثر مما تكرسة لأي جهد آخر للمساعدة الخارجية. وتتجاوز المدفوعات السنوية التي تقدمها المنظومة، بما في ذلك القروض والمنح، 10 بلايين دولار. ويقوم برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بتعاون وثيق مع ما يزيد على 170 دولة عضوا ومع وكالات الأمم المتحدة الأخرى بتصميم وتنفيذ المشاريع في مجالات الزراعة والصناعة والتعليم والبيئة، ويقدم الدعم إلى ما يزيد على 000 5 مشروع بميزانية قدرها 1,3 بليون دولار. وهو أكبر مصدر للمساعدة الإنمائية المتعددة الأطراف. وقدم البنك الدولي الذي يتصدر جهود تعبئة الدعم للبلدان النامية في جميع أنحاء العالم، 333 بليون دولار من القروض إلى المشاريع الإنمائية منذ عام 1946. وتنفق اليونيسيف ما يزيد على 800 مليون دولار سنويا، في أنشطة تركز أساسا على التطعيم والرعاية الصحية والتغذية والتعليم الأساسي في 138 بلدا.
  4. حماية البيئة: - أدت الأمم المتحدة دورا حيويا في وضع برنامج عالمي يرمي إلى حماية البيئة. وأسفر مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالبيئة والتنمية المعقود في ريو دي جانيرو في عام 1992، "قمة الأرض"، عن وضع معاهدات تتعلق بالتنوع البيولوجي وتغير المناخ، واعتمدت جميع البلدان "جدول أعمال القرن 21"، وهو خطة ترمي إلى تعزيز التنمية المستدامة، أي تحقيق التنمية الاقتصادية وحماية الموارد الطبيعية في الوقت نفسه.
  5. منع الانتشار النووي: - أسهمت الأمم المتحدة عن طريق الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في التقليل من خطر الحرب النووية بتفتيش المفاعلات النووية في 90 بلدا لكفالة عدم تحويل المواد النووية إلى أغراض عسكرية.
  6. تعزيز تقرير المصير والاستقلال: - لعبت الأمم المتحدة دورا في استقلال بلدان أصبحت الآن دولا أعضاء.
  7. تعزيز القانون الدولي: - نجحت الأمم المتحدة في وضع أكثر من 300 معاهدة دولية بشأن مواضيع شتى تمتد من اتفاقيات حقـوق الإنسان إلى الاتفاقـات بشأن استخدام الفضاء الخارجي وقاع البحر.
  8. إصدار أحكام قضائية في الخلافات الدولية الرئيسية: - ساعدت محكمة العدل الدولية، بإصدارها لأحكام وفتاوى في تسوية خلافات دولية تتعلــق بالتنازع على الأراضي، وبعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، والعلاقات الدبلوماسية، وأخـذ الرهائن، وحـق اللجوء، وحقوق العبور، والحقوق الاقتصادية.
  9. إنهاء الفصل العنصري في جنوب أفريقيا: - فرضت الأمم المتحدة تدابير تمتد من الحظر على السلاح إلى وضع اتفاقية مناهضة الفصل العنصري في الأحداث الرياضية، وكانت بذلك أهم عامل يسهم في زوال نظام الفصل العنصري، الذي اعتبرته الجمعية العامة "جريمة ضد الإنسانية". وفي نيسان/أبريل 1994 نظمت انتخابات سمح لجميع سكان جنوب أفريقيا بالاشتراك فيها على قدم المساواة، أعقبها تنصيب حكومة أغلبية.
  10. تقديم المساعدة الإنسانية إلى ضحايا المنازعات: - منذ عام 1951، تلقى ما يزيد على 30 مليون من اللاجئين الهاربين من الحرب والمجاعة والاضطهاد معونة من مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، في جهد متواصل تنسقه الأمم المتحدة وكثيرا ما تشترك فيه وكالات أخرى. ويوجد حاليا أكثر من 19 مليون لاجئ، معظمهم نساء وأطفال، يوفّر لهم الغذاء والمأوى والمعونة الطبية والتعليم والمساعدة على الرجوع إلى الوطن.
  11. تقديم المعونة إلى اللاجئين الفلسطينيين: - منذ عام 1950، قدمت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى حيث قدمت المساعدة إلى أربعة أجيال من الفلسطينيين، ومن ذلك توفير التعليم والرعاية الصحية الأساسية والمساعدة الغوثية والخدمات الاجتماعية الرئيسية مجانا وبدون انقطاع عمليا. ويوجد 2,9 مليون من اللاجئين في الشرق الأوسط يتلقون خدمات الأونروا.
  12. التخفيف من الجوع المزمن والفقر الريفي في البلدان النامية: - وضع الصندوق الدولي للتنمية الزراعية نظاما لتقديم القروض، بمبالــغ صغيرة في معظم الأحيان، إلى أفقر الفئات وأكثرها حرمانا، استفاد منها ما يزيد على 230 مليون شخص في قرابة مائة بلد نام.
  13. توجيه السياسات الاقتصادية وفقا للاحتياجات الاجتماعية: - شدد العديد من وكالات الأمم المتحدة على ضرورة مراعاة الاحتياجات الإنسانية عند وضع سياسات وبرامج التكيف وإعادة الهيكلة الاقتصاديين، بما في ذلك التدابير الرامية إلى حماية الفقراء، لا سيما في مجالات الصحة والتعليم و "مقايضة الديون بخدمات من أجل الأطفال".
  14. تحسين العلاقات التجارية العالمية: - يعمل مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية  لكي تحصل البلدان النامية على أفضليات تجارية خاصة لتصدير منتجاتها إلى البلدان المتقدمة النمو. وتوصل أيضا عن طريق التفاوض إلى اتفاقات دولية بشأن السلع الأساسية لكفالة أسعار منصفة للبلدان النامية. وقدمت الأمم المتحدة، عن طريق الاتفاق العام للتعريفات الجمركية والتجارة الذي حلت محله الآن منظمة التجارة العالمية، الدعم لتحرير التجارة، مما سيزيد من فرص التنمية الاقتصادية في البلدان النامية.
  15. تعزيز الإصلاح الاقتصادي: - ساعدت الأمم المتحدة، بالاشتراك مع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، العديد من البلدان على تحسين إدارتها الاقتصادية، وقدمت تدريبا للمسؤولين في القطاعات المالية، وقدمت مساعدة مالية للبلدان التي واجهت صعوبات مؤقتة في ميزان مدفوعاتها.

 

 

العولمة

 

ساد فترة التسعينات من القرن الماضي مصطلح: Globalization وقد ترجمة اغلب الباحثين إلى اللغة العربي ب "العولمة", والبعض الآخر ب "الكوكبة" وآخرون ب "الكونية".

 

فقد شهد العالم منذ مطلع التسعينات العديد من التغيرات، تمثلت أهمها في انهيار الكتلة الاشتراكية وتحول النظام العالمي إلى القطبية الأحادية، و ما تلى ذلك من هيمنة القوى الرأسمالية الغربية، وظهور مجموعة من المؤسسات العالمية الجديدة التي تنهض على مبدأ تحرير التجارة.

 

ومنذ منتصف التسعينات، بدأ الخطاب السياسي للقوى الكبرى في إبراز مفهوم العولمة باعتباره تعبيراً عن هذه التحولات. وقد ركز هذا الخطاب على أن العولمة تعنى تحول العالم إلى سوق وقرية عالمية واحدة تنتقل فيها عناصر الإنتاج دون قيود، ولم يقتصر الأمر على الخطاب السياسي، وإنما امتد ليشمل إنشاء مؤسسات عالمية جديدة للإسراع في هذا التحول، ومن ذلك إنشاء منظمة التجارة العالمية عام 1994.

 

إذا أردنا أن نقترب من صياغة تعريف شامل للعولمة، فلابد من أن نضع في الاعتبار ثلاث عمليات تكشف عن جوهرها: العملية الأولى تتعلق بانتشار المعلومات بحيث تصبح مشاعة لدى جميع الناس، والعملية الثانية تتعلق بتذويب الحدود بين الدول، والعملية الثالثة هي زيادة معدلات التشابه بين الجماعات والمجتمعات والمؤسسات. . . . .

 

و أيا كان الأمر، فيمكن القول أن جوهر عملية العولمة يتمثل في سهولة حركة الناس والمعلومات والسلع بين الدول على النطاق الكوني.

 

بعض آراء المفكرين العرب حول العولمة

 

هناك إجماع على أننا لسنا أمام أمر طارىء، ولا قطعية ثورية مع الماضي القريب. أننا إزاء عملية تاريخية (تعود حسب زعم البعض إلى خمسة قرون خلت).

 

أن الإنكار والاستنكار موقفان غير مقبولين إزاء ما نواجهه. ويستوي معهما موقف الاندفاع والهرولة للحاق بالركب دون فهم حقيقة ما يجري. الهدف ليس نقد الظاهرة, بل فهمها وتحليلها وبلورة ردود الفعل المثلى إزاءها.

 

إن الرأي السائد هو أن ركيزة الظاهرة الأساسية اقتصادية في طبيعتها, وان أدواتها الفاعلة هي الشركات المتعددة الجنسية.

 

إن الغالبية ترى أن الولايات المتحدة الأمريكية هي الفاعل الرئيس في عملية إعادة إنتاج نظام هيمنة جديد تحت شعار العولمة.

 

إن الكل مدرك لأهمية الدور الذي تلعبه التطورات التقنية الحديثة، وبالذات في مجال الإعلامية بمعناها العريض الذي يشمل الالكترونيات الحديثة وتطبيقاتها المتلاحقة بسرعة مذهلة في الكثير من مجالات الحياة.

 

بعض تعريفات مفهوم العولمة

 

يري جان ارت شولت Jan-Aart Sholt أن العولمة عملية "تتطلب نوعا من زوال المسافات والحدود في العلاقات الاجتماعية". فوحدة المكان تلعب دوراً متزايداً في العلاقات الاجتماعية بين البشر في العالم.

 

في حين يعرف مالكوم ووترز Malcom Waters العولمة بأنها "عملية اجتماعية تنحسر فيها قيود الحدود الجغرافية أو السياسية في تقرير الترتيبات السياسية والاقتصادية والثقافية، وان الناس يدركون بازدياد ان هذه القيود آخذة بالانحسار".

 

ويرى جيمس روزيناو James Rosenau أن "الفضاء السياسي مفتوح نتيجة تأكل الحدود بين الشؤون المحلية والخارجية . . .".

 

ويؤكد هذا المعنى ريتشارد هيجوت Richard Higgott بقوله ان العولمة "لا تولي أهمية للأرض والحدود, بينما المحلية تعززهما. العولمة باعتبارها موسعة للحدود, والمحلية باعتبارها صائنة للحدود".

 

فالمفهوم العام للعولمة يشير إلى أنها: "اتجاه متنام يصبح معه العالم دائرة اجتماعية وسياسية واقتصادية وثقافية واحدة تتلاشى في داخلها الحدود بين الدول".

 

البعد التقني للعولمة

 

يجمع معظم الباحثين على أن البعد التقني هو الدافع للأبعاد الأخرى؛الاقتصادي والسياسي والثقافي, في ظاهرة العولمة؛ فقد ساهم التطور التقني منذ اختراع العجلة إلى اختراع الانترنت في هذه الظاهرة. بل أنة, وبطرق مختلفة تلعب التقنية دورا مهما في عملية العولمة, وهي ضرورية لهذه العملية.

 

أهم أدوات البعد التقني:

أ. الانترنت وعالم الكمبيوتر.

ب. تقنية الاتصالات الحديثة، ابتدأ بالبرقيات وأنتها بالهاتف الجوال.

ج. سرعة التنقل، من العربة إلى الطائرة.

د. الصورة المرئية، وسرعة ومباشرة انتقال الأخبار والمعلومات بين الأمم (مثل نقل أحداث جورجيا في شهر نوفمبر 2003، حيث شاهد العالم أحداث تبليسي أولاً بأول علي شاشات المحطات الفضائية).

 

 

البعد الاقتصادي للعولمة

 

يعتبر المظهر الاقتصادي للعولمة أكثر المظاهر التي تغطيها وسائل الإعلام بروزاً. ففي المظهر الاقتصادي تشير العولمة إلى الاندماج المتنامي للأسواق الوطنية في السوق العالمية, والى حرية حركة البضائع, والخدمات, ورأس المال, وعوامل النتاج عبر الحدود.

 

ينضر أنصار العولمة إلى الاقتصاد العالمي بأنة مندمج، ويزعمون انه لم تعد سياسة الاقتصاد الوطني محصورة في أيدي الدول القومية؛ لان العديد من العناصر التقليدية لسياسة الاقتصاد الوطني اليوم (مثل معدلات تبادل العملات، وتدفق راس المال، ومكان التصنيع، ومراكز الأبحاث والتنمية الرئيسية) لم تعد تحت سيطرة الحكومات الوطنية.

 

البعد السياسي للعولمة

 

هل أنهت العولمة دور الدولة؟

أن فكرة تلاشي الدولة أو اختفائها هي فكرة من الأفكار الشائعة في تاريخ تطور الفكر السياسي، قال بها كارل ماركس وغيرة، و مع ذلك لم تنته الدولة ولم تتلاش!

 

فمن المنظور السياسي, تعني العولمة أن الدولة لا تكون هي الفاعل الوحيد علي المسرح السياسي العالمي، ولكن توجد إلى جانبها هيئات متعددة الجنسيات ومنظمات عالمية وجماعات دولية وغيرها من التنظيمات الفاعلة التي تسعى إلى تحقيق المزيد من الترابط والتداخل والاندماج الدولي.

 

ويذهب البعض على أن، العولمة السياسية تعني "نقلاً لسلطة الدولة واختصاصاتها إلى مؤسسات عالمية تتولى تسيير العالم وتوجيهه، وهي بذلك تحل محل الدولة وتهيمن عليها".

 

كذلك تتجلى العولمة في المجال السياسي في عدة جوانب، أهمها محاولة إعادة صياغة مفاهيم العلاقات الدولية بما يعطى للدول الدافعة للعولمة حق التدخل في شئون دول الجنوب، متذرعة في ذلك بمفاهيم حقوق الإنسان والديمقراطية التي يجب على دول الجنوب تطبيقها لتحقيق الاندماج مع العولمة.

 

ويعد الأثر الهام للعولمة هو إضعاف سلطة الدولة من خلال التركيز على الإقلال من دور الدولة، ووضع معايير عالمية لأدائها لدورها في مجالات الاقتصاد والمعلومات، يتم محاسبتها من جانب قوى العولمة على أساسها.

 

البعد الثقافي للعولمة

 

يقول احد المهتمين بظاهرة العولمة "نحن . . . أمام وضع عالمي غير مسبوق في التاريخ, تتداخل فيه الحدود الجغرافية والمعرفية بحكم تداخل شبكات المعلومات تداخلاً يتجاوز الحدود الثقافية بين الأمم . . ".

 

يرى تومس فريدمان أن العولمة من الناحية الثقافية هي إلى حد بعيد . . . انتشار "الأمركة" بدا من البج ماك . . . وانتهاء بالميكي ماوس على نطاق يشمل العالم، لان الولايات المتحدة الأمريكية هي الدولة التي تمسك بوسائل القوة الشاملة.

 

كذلك من الناحية الثقافية، فإن آثار العولمة تنصرف إلى تحطيم القيم و الهويات التقليدية للثقافات الوطنية، والترويج للقيم الفردية الاستهلاكية الأمريكية والمفاهيم الاجتماعية الغربية بصفة عامة، واعتبار تلك القيم والمفاهيم هي وحدها المقبولة كأساس للتعاون الدولي في ظل العولمة.

 

العولمة واستراتيجيات دول العالم الإسلامي


لأن الدول الإسلامية تنتمي إلى فئة الدول المتوسطة والصغيرة، وهى الدول التي تتأثر تقليدياً بتحولات البيئة الدولية، فإن من المنطقي أن تشعر تلك الدول بآثار العولمة.

 

فبالإضافة إلى التساؤل حول مفهوم العولمة، يجب أن نتساءل عن آثارها على العالم الإسلامي، وعن الاستراتيجيات المناسبة للتعامل معها.

والحقيقة أنه لا توجد رؤية واحدة للعولمة، سواء على مستوى الأدبيات العالمية، أو أدبيات الدول الإسلامية.

 

وبصفة عامة، هناك ثلاث رؤى للعولمة، تتمثل أولاها فيما تطرحه المدرسة "الليبرالية الجديدة" من أفكار، جوهرها هو الاعتقاد الصارم بأن العولمة ظاهرة إيجابية ينبغي على الجميع التكامل معها واللحاق بها لأنها عملية حتمية. وتعتبر تركيا من أبرز المدافعين عن تلك الرؤية للعولمة من بين الدول الإسلامية. وفى هذا الإطار يأتي (على سبيل المثال) سعيها الحثيث للانضمام للإتحاد الأوروبي وقبول شروطه الاقتصادية والسياسية والثقافية.

 

أما الرؤية الثانية فتتمثل في الرؤية النقدية للعولمة والتي ينتمي إليها عدد من المدارس الفكرية والتيارات السياسية الشعبية غير المتجانسة، والتي تستمد أصولها من فلسفات متباينة، ولكنها تشترك في قاسم مشترك أعظم وهو انتقاد العولمة والتركيز على آثارها السلبية. ويعد مهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا من أبرز المعبرين عن تلك الرؤية للعولمة.

 

أما الرؤية الثالثة، فهي الرؤية التفاعلية للعولمة، وهى تركز على أن العولمة أمر واقع  ينبغي التعامل معه وليس قبوله بكافة عناصره، ويقصد بالتعامل في هذا السياق، الدخول في حوار حقيقي مع قوى العولمة بهدف الإقلال من الخسائر وتعظيم المكاسب. وتجد هذه الرؤية تعبيراً لها (على سبيل المثال) في الخطاب السياسي المصري الرسمي حول العولمة.


وهكذا فإنه لا توجد رؤية واحدة تسود . . .  الدول الإسلامية للعولمة، بل إن هذا التباين يمتد ليشمل مختلف الجماعات الثقافية ومؤسسات المجتمعين المدني وغير المدني. ويعكس ذلك اختلافاً في ملامح التطور السياسي والاقتصادي للدول الإسلامية ودرجات ارتباطها بالقوى الرأسمالية العالمية والمشروعات الداخلية والإقليمية للنخبة السياسية الحاكمة، ومدى شعور تلك النخب والجماعات بالآثار المتباينة للعولمة.

 

ورغم أن الآثار الكلية للعولمة على العالم الإسلامي تبدو سلبية، إلا أن تحديد الأثر النهائي يتوقف، ليس فقط على إرادة القوى الدافعة للعولمة ، وإنما أيضاً على مدى قدرة الدول الإسلامية على التعامل مع تلك الآثار، ومدى قدرتها على صياغة مشروع وطني جماعي يتعامل مع العولمة . . .

 

ويمكن الإشارة إلى الاستراتيجيات المطروحة أمام العالم الإسلامي للتعامل مع العولمة ، وهى تتراوح بين الانعزال والاعتماد الجماعي على الذات، والتفاعل الإيجابي الرشيد، ثم الاندماج الكلى مع العولمة.

 

ويجب في كل الأحوال أن تكون هذه الاستراتيجيات ممكنة في ضوء القيود الراهنة، كما يجب أن تتعلق هذه الاستراتيجيات بالعمليات الثلاثة التي تثيرها العولمة، وهى العولمة الاقتصادية ، والعولمة السياسية ـ الأمنية ، والعولمة الثقافية.

 

وعند كل عملية من هذه العمليات، يمكن تصور وجود مستويات للتعامل، يدور المستوى الأول حول ما ينبغي عمله داخل كل دولة، ويدور المستوى الثاني حول العمل المشترك بين الدول الإسلامية، بينما يتعلق المستوى الثالث بالعلاقات بين الدول الإسلامية وباقي دول الجنوب. أما المستوى الرابع فإنه يتعلق بالعلاقات بين الدول الإسلامية والقوى الدافعة للعولمة.

ففيما يتعلق بإستراتيجيات التعامل مع العولمة الاقتصادية، فإنه لابد من وجود مشروع وطني داخل كل دولة إسلامية للنهوض الاقتصادي والتكنولوجي والاستفادة من خبرات الغير، وعلى مستوى العلاقات بين الدول الإسلامية، هناك عدد من مجالات العمل الإسلامي المهمة للتعامل مع العولمة الاقتصادية، وفى مقدمتها تحرير التجارة، ونقل التكنولوجيا، واستيعاب مضمون اتفاقية حقوق الملكية الفكرية والاستعداد لها، والنهوض بمشروعات التكامل الإقليمي بين الدول الإسلامية.

 

كذلك فإنه يجب بلورة استراتيجية للتعامل مع التجمعات المختلفة لدول الجنوب، مع العمل على التفاعل الإيجابي بين الدول الإسلامية وقوى العولمة من خلال تفعيل دورها في المنظمات الدولية والاتفاقيات المختلفة.

أما عن استراتيجيات التعامل مع العولمة السياسية ـ الأمنية، فإن من الضروري على مستوى الدول الإسلامية أن يتم الاهتمام بقضايا . . . المشاركة السياسية وحقوق الإنسان، وبناء نموذج سياسي يقوم على المشاركة العامة، مع العمل على طرح نموذج سياسي أمنى إسلامي يطبق بين الدول الإسلامية كبديل للنماذج التي تطرحها العولمة السياسية، وهنا يمكن تفعيل دور منظمة المؤتمر الإسلامي في تسوية المنازعات ومجال الأمن الجماعي بين الدول الإسلامية.كما ينبغي تدعيم العلاقات السياسية والأمنية مع دول الجنوب، في ضوء التهديدات المشتركة التي أصبحت تواجه العالم.

 

وعلى المستوى الثقافي، فإن نقطة البدء في التعامل مع قوى العولمة الثقافية، تكمن في بناء النموذج الثقافي الوطني في كل دولة إسلامية، ويشمل ذلك محو الأمية، والارتقاء بالتعليم، و تفعيل دور المجتمع المدني، ومن المهم أيضاً تدعيم العلاقات الثقافية بين الدول الإسلامية وإقامة حوار ديني ثقافي حضاري فيما بينها، للتوصل إلى تسوية للقضايا محل الخلاف.

 

هذا بالإضافة إلى العمل على التوصل إلى استراتيجية ثقافية مشتركة بين الدول الإسلامية وبقية دول الجنوب، من خلال إقامة حوار حضاري معها. أما فيما يتعلق بالعلاقات مع قوى العولمة ، فمن الضروري العمل على دفع حوار الحضارات وتوسيع نطاق المشاركين فيه، وتيني برامج للتبادل العلمي والثقافي بين الشباب وتجنب الدخول في صدام حضاري مع الغرب أو مع أي كتلة أخرى.

ولاشك أن أحداث 11 سبتمبر تركت آثاراً وتداعيات عديدة على كافة مستويات العولمة، حيث تراجعت الحركة الحرة لرؤوس الأموال، كما تفجرت مشكلات أمنية كانت خامدة أو في طريقها للتسوية، كما تصاعدت مواجهات إقليمية جديدة وبالذات بين الولايات المتحدة وقوى إقليمية مثل كوريا الشمالية وإيران والعراق، كما أصبحت قضية الإرهاب بالمفهوم الأمريكي هي القضية المحورية على أجندة النظام العالمي.

 

 

.

 

العلاقات الدولية (في الشرق الأوسط) بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001

 

الحدث؛ الحادي عشر من سبتمبر:

 

في‏11‏ سبتمبر 2001، تلقت القوة العظمي الوحيدة والمنفردة علي قمة النظام العالمي في العقد الأخير من القرن العشرين‏، الولايات المتحدة الأمريكية،‏ أقسي الضربات في تاريخها كله،‏ مقارنة حتى بالضربة الشهيرة التي تلقتها من اليابان في بيرل هاربر في غمار الحرب العالمية الثانية‏.‏

 

فلقد تعرضت الولايات المتحدة في ذلك اليوم لأسوأ هجوم "إرهابي" في تاريخها، حيث ارتطمت طائرات بمركز التجارة العالمي في نيويورك ووزارة الدفاع في واشنطن، كما تحطمت طائرة في حقل بالقرب من شانكسفيل في بنسلفانيا. ولقد أسفرت تلك الهجمات عن مقتل الآلاف.


ومع أن‏الجهة الذي نفذت تلك الضربة لم تكن معروفة،‏ ولا محدد المعالم في تلك الفترة،‏ إلا أنه لم يمر وقت طويل قبل أن تتجه أصابع اتهام السلطات الأمريكية،‏ إلى مجموعة من‏ العرب المسلمين،‏ باعتبارهم هم الذين نفذوا تلك العمليات‏،‏ و تحديداً إلى تنظيم القاعدة الذي يؤويه نظام‏"طالبان"‏ في أفغانستان‏.‏

 

وسرعان ما بدأت عملية بناء التحالف الدولي ضد الإرهاب التي أنجز فيها الأمريكيون وحلفاؤهم انتصارا سريعا،‏ فاق كثيرا من التوقعات التي سادت قبله‏،‏ فقد سقط نظام طالبان بسهولة،‏ وضرب تنظيم القاعدة في مقتل،‏ وما يزال البحث جاريا عن قيادات ذلك التنظيم.

 

‏إن أخطر ما كشفت عنه أحداث‏9/11‏ هو تلك الطاقة الهائلة من الكراهية للولايات المتحدة،‏ والإقبال علي الموت في سبيل إلحاق أكبر ضرر بها،‏ من جانب عدد من الأفراد الذين خططوا بدقة متناهية،‏ عمليات خطف الطائرات المدنية الأمريكية،‏ واقتحام وتحطيم بعض أهم رموز القوة الاقتصادية والسياسية في الولايات المتحدة‏،‏ غير عابئين بأرواح آلاف الأشخاص الأبرياء التي تزهق في تلك العمليات.

 

لماذا فعل هؤلاء ذلك؟ ولماذا كل هذه الكراهية للأمريكان؟ ابرز الإجابات على هذه التساؤلات هي التي تعزو ما حدث في‏9/11‏ إلى السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط وتحيزها المستمر لإسرائيل‏.

يرتبط الإرهاب الذي واجهه الأمريكان في‏11‏ سبتمبر‏2001‏‏ بالسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط‏،‏ المتحيزة طوال نصف قرن من الزمان،‏ لإسرائيل،‏ ليس فقط علي حساب المبادئ التي يفترض أن الأمة الأمريكية نفسها تقوم عليها،‏ أي‏،‏ مبادئ الحرية وحق تقرير المصير للشعوب،‏ وإنما في مواجهة المجتمع الدولي كله في كثير من الأحيان‏!

 

 إن تلك السياسة أسهمت‏‏ في تغذية مشاعر من الكراهية والمرارة واليأس،‏ تسود العالم الإسلامي بشكل عام‏،‏ والعالم العربي بشكل خاص‏،‏ وفلسطين والمجتمعات العربية المحيطة بها بشكل أخص،‏ تجاه الولايات المتحدة الأمريكية‏!

 

 فإذا كان وجود إسرائيل وسلوكها العدواني ضد الشعب الفلسطيني هو السبب الأول لظهور الإرهاب في المنطقة‏،‏ حتى وإن وجدت أسباب أخري لا يمكن لأي باحث علمي موضوعي أن ينكرها،‏ فإن استهداف هذا الإرهاب للولايات المتحدة‏،‏ يرتبط مباشرة بسياستها المتحيزة دوما لإسرائيل‏!

 

السبب الآخر الذي  ربما حفز المنفذين للهجوم، هو عدم إدراكهم للآثار التي سوف تترتب على هذا الهجوم.

 

فان عدم المعرفة التامة بشؤون العلاقات الدولية و تطورها جعل المنفذين ربما يفكرون بالحدث بحد ذاته كهدف يحقق هزيمة الولايات المتحدة،  بغض النظر عن إمكانية اعتباره جسراً لشن هجوم مضاد.

 

يرتبط بهذا عدم إدراكهم لطبيعة القوة الأمريكية. بحيث أن تلك القوة لم تكن تشكل في نظرهم القوة الرادعة.

 

إذا ما قورنت القوة القومية للولايات المتحدة بالقوة القومية للدول التي تأوي المهاجمين لبرز بكل وضوح الخلل في المعادلة؛ ليس فقط في البعد السكاني، الجغرافي، كفاءة الحكومة، والموارد الاقتصادية وحسب؛ بل وفي القوة بمفهومها التقليدي العسكري.

 

أن عالم ما بعد الحادي عشر من سبتمبر يختلف عن سابقة. فلقد غيرت أحداث ذلك اليوم الموازين المتعارف عليها في العلاقات الدولية.  فالحس بالمناعة والحصانة للعمق الجغرافي الأمريكي قد تغير، والأسس التي - تعمل من ضمنها الدول و -  تشن عل أساسها الحروب قد تبدلت.

 

فالمهاجم في هذه المرة اتى لهدف موجود في داخل قطر أقوى دولة في العالم. ولم يكن من شن ذلك الهجوم أعضاء في جيش دولة منظم ولكن كانوا أعضاء فريق حركة لا تتجاوز كونها احد العوامل دون القومية والتي كانت تعمل وفق نطاق أفقي غير محدد المعالم.

 

لقد بدأت ملامح التغير في العالم من تاريخ الحادي عشر من سبتمبر من عام 2001. لقد أذن هذا الحدث، و ما تلاه من شن الولايات المتحدة الأمريكية لما عرف ب "الحرب على الإرهاب"؛ ببداية مرحلة جديدة من مراحل العلاقات الدولية لم تتضح ملامحها النهائية بعد.

 

المحصلة؛ حربي الحدث:

 

أولا: الحرب على أفغانستان:

 

يمكن اعتبار حرب الولايات المتحدة على أفغانستان (والتي شنت عن طريق الجو  في يوم 7 أكتوبر 2001)؛ حربا انتقامية موجهه ضد من قام بهجوم الحادي عشر من سبتمبر  2001.

 

كذلك يمكن تصنيف هذه الحرب ضمن ما يعرف باسم الحرب الوقائية؛ أي بمعني أن الولايات المتحدة أرادة أن تقضي على قوة خصمها قبل أن يعيد ترتيب إمكانياته للهجوم مرة أخرى.

 

بذلك لا يمكن إنكار الفكر الانتقامي في مفهوم الحرب التي قامت بها الولايات المتحدة على أفغانستان، وفي نفس الوقت لا يمكن إنكار وجود تأثير فكر المدرسة الواقعية -في العلاقات الدولية- على نفس المفهوم.

 

لقد ترجم العامل الأمني جل تصرف الولايات المتحدة في هذا المجال. بحيث أن حماية الولايات المتحدة من إمكانية إعادة الهجوم عليها لاحقا يعتبر بمثابة أهم أهداف تلك الحرب.

 

لقد أعلنت الولايات المتحدة أن هدفها الأساسي من شن هذه الحرب؛ هو القضاء على مكامن الإرهاب في أفغانستان وذلك بالقضاء على مراكز تدريب حركة القاعدة بعد إسقاط حكومة طالبان.

 

بإسقاط حكومة طالبان، بتنظيف أفغانستان من مراكز القاعدة (العلنية)، بتشتيت أعضاء هذا الفريق؛ تعتبر الولايات المتحدة أنها قطعت شوطاً طويلاً في هذا المجال.

 

كانت الظروف الدولية التي شنت فيها الولايات المتحدة حربها على أفغانستان مناسبة لها؛  بحيث أن النظرة العامة داخل أروقة الأمم المتحدة كانت تدور حول تبرير شرعية هذه الحرب باعتبارها رداً على أسوا هجوم "إرهابي" تتعرض له الولايات المتحدة.

 

لقد لعبت اغلب المؤسسات الحكومية الأمريكية – من رئاسة الحكومة إلى وزارة الخارجية، الاستخبارات، مجلس الأمن القومي، و الكونجرس- دوراً بارزا في عملية صنع قرار الحرب على أفغانستان.

 

بجانب ذلك فان الأحزاب السياسية و جماعات الضغط و المصالح و سائل الأعلام والرأي العام الأمريكي وقفت صفاً واحد في هذه الحرب الانتقامية.

 

فيما يخص وسائل السياسة الخارجية؛ فالملاحظ أن الدبلوماسية كانت شبة معطلة في هذا الصدد. فلم يكن هناك محاولات دبلوماسية تذكر (غير الدبلوماسية الموجهة للمجهود الحربي), وكانت الوسيلة المحددة مسبقاً في هذا المجال هي وسيلة "القوات المسلحة".

 

ثانيا: الحرب على العراق:

 

أما حرب الولايات المتحدة الأخيرة على العراق فأنها لا تفهم إلا من خلال اعتبارها حربي إحباط ووقاية في نفس الوقت.

 

فهي حرب إحباط؛ بمعنى أن الولايات المتحدة شنتها عندما اعتقدت انه بإمكان خصمها أن يشن هجوم ضدها. وهي حرب وقائية، حيث كان المقصود من شنها تدمير قوة العراق والقضاء عليها قبل أن تنمو في كامل أبعادها مع قوة أعدا الولايات المتحدة البارزين بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر.

 

أما بالنسبة للظروف الدولية فأن الولايات المتحدة أرادت أن تأتي في البداية عن طريق الأمم المتحدة. وعندما لم تفلح في العمل من خلال المنظمة الدولية، فقد شنت الحرب  (مع بريطانيا) بشكل غير شرعي حسب الأعراف والقوانين الدولية المتبعة في ذلك.

 

بذلك يمكن القول أن فكر المدرسة الواقعية أوضح في هذه الحالة منه في حالة الحرب على أفغانستان.

 

فالدول في هذه الحالة –بما فيها الولايات المتحدة- تعتبر أهم عامل في السياسة الدولية من ناحية اتخاذ القرار النهائي بشن الهجوم على بغداد.

 

ترى حكومة الولايات المتحدة أنها حللت سياستها في هذا الصدد من منطلق عقلاني وأنها اتخذت القرارات التي تعتقد أنها الأسلم، وهي القرارات المساندة لأمنها في الأساس.

 

والولايات المتحدة كدولة اتخذت القرار كوحدة واحدة؛ فرئيس الدولة، ووزير الخارجية، والجهات الأخرى التي صنعت القرار وقفت موقفا موحدا.

 

خصوصاً وان القرار كان مبنياً على أساس العامل الأمني الهام. فدولة مثل الولايات المتحدة سوف تبذل قصارى جهدها من اجل أن تحافظ (على)  وتعزز أمنها وتوجه ضربة قاسية لأية جهة تحاول هز هذا الأمن.

 

بالإضافة إلى الأهداف الدائرة حول الهاجس الأمني، فقد أعلنت الولايات المتحدة أن هدفها هو القضاء على نظام صدام حسين.

 

أما بالنسبة للوسيلة فهي كما كانت في حرب الولايات المتحدة على أفغانستان؛ حيث ترجمت عمليات القوات المسلحة نفسها كالوسيلة الفعلية في هذا الصدد. أما الدبلوماسية فقد كانت معطلة كما هو الحال في الحرب على أفغانستان.

 

ولكن كان هناك استخدام للقوة الدعائية الموجهة لداخل العراق. هذا مع القول أن هذه الحرب قد أتت بعد أن لم تحقق الوسائل الاقتصادية (التي كانت مفروضة علي العراق لمدة تزيد عن 12 عاما) النتائج التي كانت منتظرة من تطبيقها.

 

.