ماذا 
  يخفي لنا القدر
  من ذا الذي 
  يذكر مثلا أن زواج يعقوب من امرأة أخرى هي أم يوسف وبنيامين أخيه , لم يكن حادثا 
  شخصيا فرديا . . إنما كان قدرا مقدورا ليحقد إخوة يوسف من غير أمه عليه , فيأخذوه 
  فيلقوه في الجب - ولا يقتلوه - لتلتقطه السيارة . لتبيعه . في مصر . لينشأ في قصر 
  العزيز . لتراوده امرأة العزيز عن نفسه . ليستعلي على الإغراء . ليلقى في السجن . 
  . لماذا ? ليتلاقى في السجن مع خادمي الملك . ليفسر لهما الرؤيا . . لماذا ? إلى 
  تلك اللحظة لا يوجد جواب ! ويقف ناس من الناس يسألون:لماذا ? لماذا يا رب يتعذب 
  يوسف ? لماذا يا رب يتعذب يعقوب ? لماذا يفقد هذا النبي بصره من الحزن ? ولماذا 
  يسام يوسف الطيب الزكي كل هذا الألم , المنوع الأشكال ? لماذا ? . . ولأول مرة 
  تجيء أول إجابة بعد أكثر من ربع قرن في العذاب , لأن القدر يعده ليتولى أمر مصر 
  وشعبها والشعوب المجاورة في سني القحط السبعة ! ثم ماذا ? ثم ليستقدم أبويه 
  وإخوته . ليكون من نسلهم شعب بني إسرائيل . ليضطهدهم فرعون . لينشأ من بينهم موسى 
  - وما صاحب حياته من تقدير وتدبير - لتنشأ من وراء ذلك كله قضايا وأحداث وتيارات 
  يعيش العالم فيها اليوم بكليته ! وتؤثر في مجرى حياة العالم جميعه 
  إنه قدر 
  الله وراء طرف الخيط البعيد . لكل حادث . ولكل نشأة . ولكل مصير . ووراء كل نقطة 
  , وكل خطوة , وكل تبديل أو تغيير
  وأحيانا 
  يرى البشر طرف الخيط القريب ولا يرون طرفه البعيد . وأحيانا يتطاول الزمن بين 
  المبدأ والمصير في عمرهم القصير , فتخفى عليهم حكمة التدبير . فيستعجلون ويقترحون 
  . وقد يسخطون . أو يتطاولون
   
    سيد قطب
   
  
  ***********