بسم
الله الرحمن
الرحيم
سورة
يوسف: قراءة
نفسية[1]
مصطفى مولود
عشوي
أستاذ
مشارك في
الإدارة
والتسويق
جامعة
الملك فهد
للبترول
والمعادن
الظهران-المملكة
العربية
السعودية
سورة
يوسف: قراءة
نفسية[I1]
مدخل:
سورة
"يوسف" من
السور التي
تعتمد على
القصة (القصص)
لتعليم الناس
دروسا في
السلوك و
استخلاص العبر
من تجارب
الآخرين…
و سورة
"يوسف" نموذج
للآيات التي
تتناول بالعرض
المفصل حياة
الأنبياء
ومحيطهم
النفسي-الاجتماعي،
و ما لاقَوهُ
في سبيل
الدعوة إلى الحق
من متاعب و
أهوال و
أحزان… و هذه
السورة نموذج
للصراع بين الحق
و الباطل، و
بين العقل
والهوى، و بين
المصالح
الشخصية
المبنية على
الأنانية
وخدمة المصلحة
العامة
للأسرة و
المجتمع و
الإنسانية. وهذه
السورة أيضا
مثال واقعي
يبين كيف أن
المظلوم قد
يعامل كظالم
والبريء قد
يصبح متهما، وأن
شخصا مهما علا
مقامه
ومكانته قد
يحكم عليه
زورا
وبهتانا،
ويودع السجن
مع المجرمين!
وتتجلى
في هذه
السورة
الانفعالات
البشرية و
الحياة
الوجدانية
للبشر كما هم
في الواقع دون
أقنعة… و
عندما يحاول
بعضهم مثل
إخوة يوسف و
امرأة العزيز
اصطناع أقنعة
الخير و العفاف
فإنها لا تلبث
أن تتساقط كما
تتساقط أوراق
الشجر في فصل
الخريف…
و ليست
هذه القراءة
النفسية
لسورة "يوسف"
إلا محاولة
متواضعة لفهم
هذه السورة من
خلال تناول
نفسي
للأحداث، و
أنماط السلوك
الواردة في
هذه السورة و
خاصة الجانب
الوجداني
للإنسان الذي
صوّر في هذه
السورة أحسن
تصوير. و لعل هذا
التناول
يساعدنا على
فهم القرآن
الكريم من
منظور مختلف
عن بقية التناولات
الأخرى
المعتمدة في
كتب التفسير المعروفة.
و
من جهة أخرى،
فإنّ هدف هذه
الدراسة هو
محاولة لفهم
الإنسان، و
خاصة الجانب
الوجداني منه،
و دوافعه و
كيفية تأثير
هذا الجانب في
بقية الجوانب،
و الأبعاد
التي تكون الإنسان
سواء كانت
روحية و جسمية
أم عقلية و
سلوكية، كما
جاء ذلك في
القرآن
الكريم،
وكيفية التأثر
بها أيضا.
وسيكون ما جاء
في القرآن
الكريم هو
المنطلق لفهم
الإنسان، و
ليس ما هو
وارد في
السيكولوجية
الحديثة فقط
كما لجأ إلى
ذلك بعض علماء
النفس
المسلمين
المعاصرين.
لقد
كانت سورة
"يوسف" و لا
تزال موضوعا
للتأملات و
الدراسات، بل
و للأعمال
الفنية بغضّ
النظر عن عمق
هذه الدراسات
و أهدافها. فبالإضافة
إلى تفاسير
القرآن
الكريم التي
فسرت هذه
السورة من
زوايا
مختلفة، فقد
اتخذ مالك بن
نبي مثلا في
كتابه " الظاهرة
القرآنية"
هذه السورة
نموذجًا
لدراسة
القرآن
الكريم كظاهرة
من الممكن
دراستها
علميا و
موضوعيا. وقد
وصل إلى نتيجة
مفادها أن
القرآن
الكريم لا
يمكن إلا أن
يكون من تنزيل
العزيز
الحكيم. و قد
قامت منهجية
مالك بن نبي
على مقارنة
سورة "يوسف" في
القرآن
الكريم مع قصة
"يوسف" كما
جاءت في العهد
القديم حيث
وجد اختلافات
جوهرية بين
القصتين!
أحاول
في هذه
الدراسة عدم
الخوض في
التفاصيل و
الإسرائيليات
و الأحاديث
الموضوعة
المتصلة بقصة
"يوسف”. وأسجل
هنا مع الأسف
أن بعض تفاسير
القرآن
الكريم حافلة
بالإسرائليات
والروايات
التي لا
يقبلها العقل
السليم
والذوق
الرفيع حول
قصة يوسف عليه
السلام.
ومهما
يكن من أمر،
فإن هذه
السورة قد
نزلت -كما
يؤكد ذلك كثير
من المفسرين[2] - في عام
اشتدت فيه
الآلام
والأحزان على
رسول الله (ص)
لوفاة زوجته
خديجة رضي
الله عنها وعمه
أبي طالب حتى
عرف ذلك العام
ب "عام الحزن".
عام اشتدت فيه
الأحزان على
رسول الله (ص)
وعلى أتباعه
فنزلت هذه
السورة لتعلم
المسلمين
كيفية التعامل
مع الأحزان
التي ترافق
الشدائد
ومصاعب الحياة؛
وذلك بعرض
نموذج من حياة
الأنبياء الذين
تعرضوا
للأهوال
والشدائد
والأحزان؛
لكي يكون هذا
النموذج
مثالا يقتدى
به في التعامل
مع الأحزان.
وقد قال عطاء
في هذا
المعنى: "لا
يسمع سورة
يوسف محزون
إلا استراح
لها".
و
يلاحظ
المتأمل في
قصة "يوسف"
مدى عمق الانفعالات
التي تحرك
الإنسان، و
شدتها في دفعه
للقيام ببعض
أنماط
السلوك، كما
يلاحظ دور
الإيمان و
الجانب
الروحي عموما
في ضبط
الانفعالات و
مراقبتها، و
دور تحكيم
العقل في
إعادة التوازن
للجانب
الانفعالي
المضطرب و في
ظهور الانفعالات
الإيجابية
بدلا من
الانفعالات
السلبية التي
تطغى على سلوك
الإنسان.
و
باختصار فإن
سورة "يوسف"
عليه السلام
عبارة عن
سنفونية
تتماوج فيها
الانفعالات
ظهورا و اختفاء،
قوة و ضعفا،
حسدا و
إيثارا، حبا
وكراهية، حزنا
وفرحا، غضبا
وسرورا. و هذه
القصة نموذج أيضا
لتعليم الناس
عموما والنشء
خصوصا باستعمال
القصة
الهادفة
كيفية تهذيب
سلوكهم و ضبط انفعالاتهم،
وكيفية
الرجوع إلى
الحق والفضيلة
بعد الخطأ
والرذيلة.
وينبغي
أن أنبه في آخر
هذا التقديم
أن محاولة
القراءة هذه
ليست تفسيرا
للقرآن
الكريم بل هو
محاولة لفهم
القرآن
الكريم من
منظور علم
النفس. ولا
ينبغي أن يفهم
أن هذه
المحاولة
عبارة عن عمل
نهائي في هذا
المجال بل
عبارة عن
تجربة أراد
كاتبها أن يخوضها،
وأن يقدمها
للباحثين
والمهتمين
للمناقشة
والإثراء.
الرؤيا:
تبدأ
سورة "يوسف"
بإثارة
الانتباه
-بحروف ثلاثة
لا نعرف لها
معنى محدّدا-
إلى آيات
الكتاب
المبين التي
نزلت بلغة
عربية على قوم
لا يفهمون و
لا يعرفون
غيرها من
اللغات، مما
يوضح العلاقة
بين اللغة و
العقل، و أنه
بدون لغة لا يمكن
أن يكون هناك
عقل و فهم و
معرفة واتصال.
و القصة تعتمد
أساسا على
اللغة؛ وهل
يمكن تأليف
قصة أو
إخراجها
سينمائيا أو
تلفزيونيا أو
رسما وتصويرا
أو بأي شكل من
أشكال
التعبير والاتصال
دون لغة مهما
كانت هذه
اللغة بسيطة
أم معقدة،
مجردة أم
مجسمة ؟
وكما تعتمد
القصة على
اللغة، فإن
القصة من
أساليب تعليم
اللغة و تعليم
السلوك
وتغييره.
و هذه
القصة لم
يقتبسها
النبي r من
اليهود و
النصارى، كما
لم يسمعها من
القصاصين و
الرواة بل
الوحي
مصدرها،
فالوحي هو مصدر
المعرفة إلى
جانب مصادر
أخرى مثل
اللغة و العقل
و الطبيعة، و
لولا هذا الوحي
لكان محمد و
لَبَقِيَ
غافلا عما حدث
في القرون
الغابرة
لغيره من
الأنبياء و
الرسل و الأقوام
و المجتمعات.
وبعد
هذا المدخل عن
مصدر المعرفة
و علاقة اللغة
بالعقل، تبدأ
القصة بجلوس
يوسف، وهو
غلام لم يبلغ
الحلم، ذات
صباح قرب أبيه
ليقص عليه
الرؤيا التي
ظهرت لعقله
الصغير ـ و
لاشك ـ غريبة
لم يستطع فهم دلالتها
الرمزية
المعقدة مما
أثار دهشته و
تعجبه إلى
درجة لم يستطع
كتمان ما رأى،
و كيف يستطيع
الكتمان في
هذه السن؟
فلجأ إلى أبيه
الذي كان يشعر
بأنه أقرب و
أحب الناس
إليه، فأسرّ
له برؤياه… و
الرؤيا في هذه
الحالة مصدر
معرفي يضاف
إلى مصادر
المعرفة
الأخرى. أليس عجيبا
أن يرى طفل
دون البلوغ
أحد عشر كوكبا
و الشمس و
القمر يسجدون
له… ما معنى
أحد عشر كوكبا؟
ما معنى الشمس
و القمر؟
لماذا وكيف
تسجد له هذه
الكواكب و
الشمس و
القمر؟
يجيب
النبي يعقوب
عليه السلام
ابنه طالبا منه
بكل حنان أن
يكتم رؤياه و
لا يقصها على
إخوته الذين
ولا شك
سيكيدون له
كيدا إذا
سمعوها لما
تحمله من
دلالة. و هنا
إشارة واضحة
من طرف النبي
يعقوب عليه
السلام إلى
أهمية الرؤيا
من جهة
وعلاقتها
بإخوة يوسف
الذين كانوا
كما يعلم ـ و
هو أبوهم ـ
يغارون منه
بشدة قد تصل
إلى حد الفتك
بيوسف كما
يزيّن لهم
الشيطان ذلك. و
هنا إشارة إلى
الغيرة التي
تكون بين
الناس بل و
حتى بين
الإخوة، و إلى
هذا الانفعال
الذي يؤدي إلى
القتل أو
الإضرار
بالآخر أو
الآخرين. و
التاريخ و
الواقع حافل
بقصص أدت فيها
الغيرة إلى
التخلص من
الإخوة و
الأخوات و
غيرهم من
الأقرباء في
سبيل
الاستئثار
بالمال أو
الملك أو
القيادة، أو
بمنصب أو
بامرأة أو
برجل. و
الغيرة عادة
ما تكون بين
الإخوة (نساء
ـ نساء) و (رجال
ـ رجال) و (رجال
ـ نساء)، كما
تكون بين
(ذكور ـ ذكور) و
(إناث ـ إناث) و
ذكور ـ إناث)،
زملاء العمل و
زملاء الحكم و
السلطة، و غير
ذلك من
الأشكال التي
يكون هدفها
الاستئثار
بشيء له قيمة
دون الآخر أو
الآخرين، و
كما تكون
الغيرة بين
الأفراد فقد
تكون بين
الجماعات و
المجتمعات…و
الغيرة غالبا
ما تكون بين
الأقارب، و
الحسد بين غير
الأقارب. و
الغيرة عادة
ما تكون بين
ثلاثة أطراف
أو أكثر.
و
الغيرة
انفعال شديد
تحرّكه
انفعالات
أخرى كالخوف و
الغضب، خوف من
ضياع شيء أو خوف
من عدم الحصول
عليه مما يؤدي
إلى غضب الشخص
و تحرُّك قوى
العدوان في
نفسه دفاعا عن
ذاته و حماية
لها. و لكن هذا
الدفاع قد يشتط فيتحول
إلى هجوم
للقضاء على
الطرف الآخر
أو الأطراف
الأخرى، و
غالبا ما يلجأ
إلى الحيلة و المكيدة
للتخلص من
الخصم؛ فلنر
كيف لجأ إخوة يوسف
عليه السلام
بدافع من
غيرتهم إلى
الحيلة و
المكيدة
للتخلص منه.
لم يشأ النبي
يعقوب عليه
السلام أن
يفسر الرؤيا
لابنه يوسف
بطريقة
مباشرة و لكنه
أفهمه بأن
لهذه الرؤيا
علاقة
بإخوته، كما
أنّ لها علاقة
بمستقبله. و
كذلك كل الرؤى
فإنها رمزية و
ذات دلالة
تنبئية
(مستقبلية). و
أفهمه أيضا أن
الله العليم
الحكيم قد
أكرمه
بالقدرة على
تأويل
الأحاديث؛ أي
تعبير الرؤى،
كما أكرمه
بمكانة عالية
كما أكرم
آل يعقوب من
قبل، إبراهيم
و إسحاق.
لقد كان
إخوة يوسف
عليه السلام
ولاشك يشعرون أن
أباهم يحب
يوسف أكثر مما
يحبهم، أو
هكذا خيل
إليهم. وكيف
لا يحب يعقوب
يوسف وهو ابنه
الأصغر، وهو
المحروم من
حنان الأم.
ومن الطبيعي أن
يحب الأب ابنه
الأصغر أكثر
من الآخرين
لأنه أحوج من
الآخرين إلى
الرعاية والحماية،
ولكن الأبناء
الأكبر سنًّا
يعتقدون أن
ذلك يخلّ
بالعدل بين
الأبناء مما
قد يؤدي إلى
حصول الابن
الأصغر على
الاستئثار
ليس بحب الوالدين
أو بحب أحدهما
فقط بل
الاستئثار
أيضا بما قد
يجود عليه
الأبوان من
أموال
وممتلكات
وغير ذلك من
أساليب
التفضيل. وهذا
له ما يبرره
في الواقع، إذ
إلى جانب حاجة
الطفل الأصغر
إلى رعاية و
حماية أكثر
كما ينبغي
الحال، فإن هذا
الطفل غالبا
ما يجد الصعاب
قد مُهِّدت له
بفضل كدح
الأبوين لمدة
طويلة و بفضل
كد الإخوة و
الأخوات
الأكبر منه
سنا الذين
غالبا ما يقع
عليهم عبء
مساعدة
الآباء و
الأمهات. وتبين
بعض الدراسات
النفسية أن
لترتيب الأبناء
تأثيرا في
سلوكهم
وشخصيتهم
بصفة عامة.
كان
إخوة يوسف
عليه السلام
يشعرون أنهم
أجدر بحب
أبيهم من
يوسف. كيف لا ؟
وهم جماعة
(عصبة) وقوة
الجماعة أكبر
من قوة الفرد،
والجماعة أهم
من الفرد
ودورها أعظم!
كيف لا وهم
جماعة (عشرة
إخوة!) من أب
وأم واحدة
بينما يوسف من
أم أخرى؟
لقد أدت
بهم الغيرة
الشديدة إلى
أن يحكموا على
أبيهم
بالضلال
المبين، وإلى
أن يحكموا على
يوسف بالقتل؛
فالحكم هنا
بالقتل واقع
مع سبق
الإصرار،
ولكن سبق
الإصرار هذا
صاحبته نيةٌ
بالتوبة بعد
اقتراف
الجريمة مما
يدل على تصارع
الخير و الشر
في نفوسهم بشدة
إلى درجة دفعت
أحدهم إلى أن
ينصح بعدم قتل
يوسف
والاكتفاء
بإلقائه في
جبّ (بئر) لا
يستطيع
الخروج منه
إلا بمساعدة
المسافرين
الذين سيمرون
على الجب
للاستسقاء
وبالتالي
لإنقاذ يوسف!
وكأنّ
نوازع الشر قد
خفت قليلا في
نفوسهم فاتّفقوا
على عدم قتل
يوسف و
الإجماع على
إلقائه في
الجبّ مما
يعطي له فرصة
النجاة من
الموت. ونلاحظ
هنا كيف أن
فرداً في
جماعة قد يغير
اتجاه
الجماعة كلها
ويؤثر في
أحكامها
وقراراتها وسلوكها
بقوة الحجة
وبتجنيد
الجانب
الوجداني
الإيجابي.
المكيدة
والمصيدة:
لاشك أن
أول خطوة يقوم
بها الشخص
الذي يغار من
الآخر هو
العمل على
الفصل بين
المحبوبَيْنِ
والإيقاع
بينهما بأي
شكل من
الأشكال. فكيف
يصل إخوة يوسف
إلى هدفهم؟
وكيف ينفردون
بيوسف الذي
يحظى بحماية
ورعاية أبيه؟
وكيف يفصل
بينهما؟ لابد
من حبك مكيدة
ومؤامرة
واستدراج إلى
المصيدة؛ فما
هي المكيدة
وما هي المصيدة؟
لابد من
ارتداء
الأقنعة! لابد
من اصطناع قناع
الحب بدلاً من
الكراهية،
وقناع الحماية
والرعاية
بدلاً من
الغيرة
والحسد،
وقناع الأمان
بدلاً من
الغدر! وقناع
البراءة
بدلاً من
الجريمة!
]قالوا
يا أبانا مالك
لا تأمنا على
يوسف وإنا له
لناصحون $ أرسله
معنا غدا يرتع
ويلعب وإنا له لحافظون[.
فما
كان جواب
الأب؟
لقد
عبّر يعقوب
عليه السلام
عن حالته
الوجدانية
بأسلوب لبق
لكيلا يجرح
مشاعرهم حيث) قال
إني ليحزنني
أن تذهبوا به
وأخاف أن
يأكله الذئب
وأنتم عنه
غافلون(. ، لكنه
لم يُخْفِ
حزنه كما لم
يخف خوفه؛
حزنه من
افتراق يوسف
عنه، وخوفه
–ليس من
أبنائه ظاهرياً-
بل من الذئب!
لقد
حاول يعقوب
عليه السلام
أن يجند
الجانب الوجداني
(السلبي) لديه
(الحزن
والخوف)،
ليصرِف
أبناءه عن
الحصول على
هدفهم (يوسف)
ولكنه لم يفلح
أمام إلحاحهم
وهم الذين
لبسوا كل
الأقنعة
لمواجهة
عواطف أبيهم
مهما كانت
قوية ومؤثرة!
فدعوا على
أنفسهم
بالويل
والثبور إن
أكل الذئب
يوسف. لقد كانوا
يعرفون حقاً
بأن الذئب لن
يجرؤ على أكل
يوسف وهم عصبة
من الشبان
الأشداء.
ورغم
ذلك، فقد عمد
إخوة يوسف إلى
تجنيد الجانب
الوجداني
لتضليل
أبيهم،
فجاءوا في
المساء وهم يبكون
وكأنهم في حزن
على يوسف الذي
أكله الذئب عندما
ذهبوا
يستبقون و
تركوا يوسف
وحده حارسا لمتاعهم.
والبكاء وإن
كان مظهراً من
مظاهر الحزن
إلا أنه لا
يدل دائما على
الحزن؛
فالبكاء قد
يستعمل وخاصة
من الإناث
للاستعطاف أو
التضليل أو
للحصول على
هدف ما بصفة
عامة. انظر
إلى حجة إخوة
يوسف للتعبير
عن حزنهم
وتضليل أبيهم؛
فقد جاءوا –وهم
جماعة- يبكون،
فالجماعة
التي تبكي
أمام فرد واحد
لا يمكن إلا أن
يصدّقهم و إن
كانوا كاذبين
في بكائهم؛
فضغط الجماعة
وتأثيرها في
الفرد معروف؛
ولذا فقد
جاءوا جميعا
يبكون
(يتباكون)،
كما جاءوا على
قميص يوسف بدم
كذب إتماما
لحبك خيوط
الجريمة وتضليل
أية عملية
تحقيق؛ ذلك
لأنهم كانوا
يعرفون أن
أباهم يدرك
تماما ما يجول
في نفوسهم فأرادوا
أن يضلِّلوه
بالقول و
الفعل: فقالوا)
وما
أنت بمؤمن لنا
ولو كنا صادقين( أما
بالفعل )وجاءوا
على قميصه بدم
كذب (
فانظر
كيف أدت
الغيرة بإخوة
يوسف إلى
ارتكاب جريمة
إلقاء أخيهم
في الجب
والتخلص منه
بأبخس
الأثمان،
والكذب على
أبيهم. وهذا
مثال واضح
لكيفية تأثير
الجانب
الانفعالي في
السلوك.
تجنيد
الجانب
الروحـي:
شعر
النبي يعقوب
بحزن شديد
يمزق قلبه لما
أصاب ابنه
الأصغر، ورغم
ذلك فقد حاول
أن يتذرع بالصبر )قال فصبر
جميل والله
المستعان على
ما تصفون( ، ولكن
التذرع
بالصبر
والاستعانة
بالله جاءا بعد
أن أتهم
أبناءه بأن
أنفسهم قد
سولت لهم أمرًا؛
وذلك حتى يوضح
لهم بأن
أقنعتهم
وحيلتهم ومكيدتهم
لم تغب عنه
ولم تستطع
تضليله في واقع
الأمر وإن سكت
على مضض.
ويروى في هذا
المعنى أن النبي
يعقوب قال
لأبنائه:
"كذبتم لو
أكله الذئب لخرق
القميص". وروي
أيضا أنه قال:
"ما أحلم هذا الذئب
أكل ابني ولم
يشق قميصه".[3]
انظر كيف نسب
النبي يعقوب
صفة "الحلم"
للذئب، وهي
صفة بشرية؛
وذلك على سبيل
التعريض بسلوك
أبنائه.
وكان
صبر النبي
يعقوب عليه
السلام على
فراق ابنه وهو
يعلم تفسير
الرؤيا كما
يعلم بأن الله
سبحانه
سيجمعه مع
يوسف مرة
أخرى؛ ولكن صبر
يعقوب قد طال.
ولولا أنه كان
يعلم من الله ما
لم يكن أبناؤه
يعلمون لكان
من الهالكين
حزنا على ما
أصاب يوسف.
وكما جاء في
تفسير الفخر الرازي[4]
فإن
النبي يعقوب
عليه السلام
قد وقع في
صراع بين
الدواعي
النفسانية التي
تقتضي الجزع
وهي قوية،
والدواعي
الروحانية
التي تدعو إلى
الصبر والرضا.
ودون معونة الله
وتوفيقه فإنه
لن تحصل
الغلبة للصبر
الجميل على
الانفعالات
الشديدة التي
تستطيع تدمير
الإنسان.
سنعود
مرة أخرى إلى
صبر النبي يعقوب
عليه السلام
وحزنه
الشديد، وكيف
أثّر فيه حزنه
إلى درجة
فقدان البصر
مما يدل على
تأثير الجانب
الوجداني في
الجانب
الجسمي )وابيضت
عيناه(
وما قد
يترتب عن ذلك
من ضعف في
الإحساس والإدراك!
وقد حدث هذا
بالنسبة
للنبي يعقوب
بسبب تغلب
الجانب
البشري
(الجسمي) فيه
على الجانب
الروحي
(النبوة(.
التخلص
من يوسف:
وجاءت
قافلة… وقصدت
الجب
للاستسقاء،
وتعلق غلام
بالحبل
وأُخرِج من
الجب مما أدى
إلى تعجب الرجل )واردهم(
ودهشته،
وقد عبّر عن
تعجبه
بالفرح؛ فقد
راح يستسقى
بالدلو
ليغترف الماء
فإذا هو يغترف
غلاما غاية في
الحسن، فأي
بشرى! ولكن
إخوة يوسف
كانوا للساقي
بالمرصاد. "لا
يمكن أن تأخذ
غلامنا هذا
مجاناً،
ولكننا نعرض
عليك شراءه
بدراهم
معدودة، بثمن
بخس!" فانظر
كيف فرطوا في
أخيهم وباعوه
بدراهم
معدودة
وكانوا فيه من
الزاهدين
بفعل غيرتهم
منه ورغبتهم
في التخلص منه
بأي وسيلة!
فهدفهم
الأساسي لم
يكن تجارياً
إذ لم يرغبوا
في الحصول على
الأموال من
بيع يوسف بل
الهدف هو
التخلص منه
حتى لا تنكشف
أقنعتهم من
جهة،
ويزيلونه من
طريقهم إلى
قلب أبيهم من
جهة أخرى! فقد
كان يوسف حسب
اعتقادهم يقف
حاجزاً منيعا
دون تحقيق
هدفهم وهو
الاستئثار بحب
أبيهم.
وهكذا
نجا يوسف من
غيابات الجب؛
وهو أول سجن يدخله
في حياته، وهو
غلام، ولم
يؤنسه في
وحشته إلا وحي
الله تعالى
إليه، يا
لرحمة الله
بهذا الغلام
الذي استبد به
الجزع والهلع
وهو يُلقَى في
ظلمات الجب من
طرف إخوته! ما
أشد ظلم ذوي
القربى! وكيف
لا يكون شديداً
ويوسف لا يعلم
لماذا ألقي في
ظلمات الجب الذي
ولاشك لو كانت
فيه مياه
كثيرة لغرق…
ولكن الجب كان
زنزانة مظلمة
تحيطها
المياه من كل
الجهات إلى ما
فوق سرة
الغلام في أرض
قاحلة غاب عن
ليلتها البدر!
ولكن
ضياء الوحي
ونوره قد غمرا
يوسف وهو في
الجب وآنسا
وحشته وأزالا
غمه)
وأوحينا
إليه لتنبئنهم
بأمرهم هذا
وهم لا يشعرون (،
وجاءه المدد
من السماء،
وانتشل من
الجب، ولكنه
بِيع مثل
الرقيق، و
اشتراه رجل ذو
مكانة كبيرة
في مصر وأوصى
زوجته
بإكرامه؛ فقد
توسم فيه
الرجل خيراً
ونفعًا إلى حد
رغبته في
تبنيه. وهذا
كله من تدبير
الله العليم
الحكيم الذي علّم
يوسف تأويل
الأحاديث و فهم
الأحاديث
بينما أكثر
الناس لا
يحكمون إلا بالظاهر
ولا يدركون
الحكمة من
وراء الأحداث الكثيرة
التي تقع لهم
أو تقع
حواليهم!!
وكيف يدركون
الحكمة من
وراء وقوع
الأحداث؛
وهذا الإدراك
يتطلب كثيراً
من الخبرة
والتجربة والتأمل.
الابتلاء
بالهوى:
وكبر
يوسف في بيت
عزيز مصر،
وبلغ أشده و
آتاه الله
الحكمة والعلم
جزاء إحسانه
وإخلاصه في
عمله، وجزاء
صفاء سريرته.
ولكن الأيام
لا تمضي دون
امتحان وابتلاء
سواء كان هذا
الابتلاء
حسناً أم
قبيحاً في
ظاهره.
وتعرض
يوسف إلى
ابتلاء عظيم،
وقد تمثل في
امتحان مدى
ضبطه للجانب
الوجداني في
شخصيته. امرأة
ذات مال وجاه
وجمال تراوده
عن نفسه بعد
أن غلّقت
الأبواب
وانفردت به، وحاولت
أن تجره إلى
الهوى بكل ما
أوتيت من جاه و
فتنة، وهمّت
به وهمّ بها
لولا أن رأى
برهان ربه.
ويتلقى يوسف
مرة أخرى
مدداً من
السماء و تدركه
رحمة الله
ليصرف عنه
السوء و الفحشاء.
ولولا ذلك
لوقع أسير
الهوى؛
والهوى ميل
شديد في
الجانب
الوجداني نحو
الخضوع للشهوة
التي تثير في
النفس بدورها
مشاعر الحب
الشديد،
والرغبة في
التعلق،
والحصول على
اللذة.
والذي
اختاره من
التفاسير
لهذه الحادثة
قول أبو
السعود: "إن
همه بها بمعنى
ميله إليها
بمقتضى
الطبيعة
البشرية،
ميلا جبليا،
لا أنه قصدها
قصدا
اختياريا،
ألا يرى إلى
ما سبق من استعصامه
المنبىء عن
كمال كراهيته
له ونفرته عنه،
وحكمه بعدم
إفلاح
الظالمين،
وهل هو إلا تسجيل
باستحالة
صدور الهم منه
تسجيلا محكما
؟ وما قيل: إنه
حل الهيمان،
وجلس مجلس
الختان، فإنما
هي خرافات
وأباطيل،
تمجها الآذان
وتردها
العقول
والأذهان".
ولا شك
أن رؤية يوسف
لبرهان ربه قد
أثارت في نفسه
انفعالات
مضادة
للاستجابات
الجنسية الطبيعية؛
وهذه
الانفعالات
المضادة هي
التقزز
والاشمئزاز
والنفور مما
كان قد همّ به.
وقد دفعت به
هذه المشاعر إلى
الهروب خوفاً
من الوقوع في
الفتنة، والهروب
سواء كان
جسميا (حركيا)
أم نفسيا
وسيلة للتخلص
من المواقف
المحرجة
والشديدة.
ولكن سيدة
البيت لم تبرد
ولم تهدأ
انفعالاتها ولم
تستطع ضبط
هواها فجرت
وراءه لمنعه
من الإفلات،
ومزقت قميصه
من دبر!
وفي هذه
اللحظة الحرجة،
تحدث مفاجأة
شديدة. لقد
وجد يوسف
وامرأة العزيز
نفسيهما
وجهاً لوجه مع
سيد البيت.
وعلى الرغم من
المفاجأة
فإنّ لسان
امرأة العزيز
لم يُلجم وراح
يتهِّم يوسف
ويحكم عليه
بالسجن أو
العذاب
الأليم. ولكن
يوسف أيضا لم
تخرسه المفاجأة
وكيف تخرسه
وهو بريء
فدافع عن براءته،
وألقى
بالتهمة على
صاحبة البيت
التي راودته
عن نفسه.
وبدأ
صاحب البيت
يتفحص الوجوه
محاولا إدراك الموقف
المحرج
لاتخاذ قرار
مناسب وإصدار
الحكم، فكيف
يصدر حكما
وأمامه زوجته
وغلامه، كل
منهما يتهم
الآخر! وجاء
الحل من شاهد
من أهلها الذي
حاول أن يصدر
الحكم بناء
على استعمال
الذكاء
والاستدلال
بقرائن غير
أقوال
المتخاصمين.[5]
(وشهد
شاهد من أهلها
إن كان قميصه
قدّ من قبل فصدقت
وهو من
الكاذبين* وإن
كان قميصه قدّ
من دبر فكذبت
وهو من
الصادقين*
فلما رأى
قميصه قد من
دبر قال إنه
من كيدكن إن
كيدكن عظيم( .
قال
ابن عباس عن
الشاهد: بأنه
كان طفلا في
المهد أنطقه
الله. وفي
الواقع، فإنه
ليس هناك في القرآن
الكريم ما يدل
على أن هذا
الشاهد كان طفلا
بل إن الشهادة
التي أدلى بها
تدل على ذكاء
خارق لا يمكن
أن يصدر عن
طفل في المهد
إلا إذا كان
ذلك معجزة كما
يزعم بعض
المفسرين. وقد
يكون هذا
الشخص -كما
يقول مفسرون
آخرون- شخصا
ناضجا مقربا
من العزيز
وزوجته فقصده
العزيز
يستنير برأيه
في موضوع
ادعاء زوجته
ودفاع غلامه،
فجاء جوابه على
ذلك الأسلوب
القائم على
الفراسة
والنباهة.
المهم
أن هذه
الشهادة
الذكية قد
أنقذت يوسف من
غضب سيده الذي
-وإن حاول ضبط
أعصابه-لم يتورع
عن توجيه
التهمة إلى
زوجته؛ وهو
الخبير بمكائد
النساء؛ فوصف
كيدهن بأنه
كيد عظيم !! وهذا
وصف بليغ حاول
فيه عزيز مصر
تعميمه على جميع
النساء.
والملاحظ
فعلا أن
المرأة –نظراً
لظروفها
الاجتماعية-
غالبا ما
تحاول الوصول
إلى أهدافها
باستعمال الحيلة
والمكيدة
وخاصة في
القضايا
المتصلة بالجانب
الوجداني
كالغيرة
والحب والبغض
والحسد. وتبين
الدراسات
الميدانية
المتعلقة بالجنح
والجرائم أن
النساء
يرتكبن جرائم
جنسية أكثر من
أي نوع آخر من
الجنح
والجرائم
مقارنة
بالرجال
الذين
يرتكبون
جرائم السرقة
أكثر من
النساء.
ورغم
إدراك صاحب
البيت لخيانة
زوجته فإنه لم
يحاول إلا
توجيه لوم
بسيط إليها
طالباً منها الاستغفار
من ذنبها. فهل
كان ذلك الرجل
داهية أم ديوثا؟
وهل كانت
زوجته ذات
سطوة تمنعه من
رفع صوته في
وجهها؟! ومهما
كان الأمر، فإن
غضب الرجل لم
يؤَدِّ به إلى
اتخاذ أي قرار
حازم ضد زوجته.
ولربما التبس
عليه الأمر
واختلطت
انفعالاته
فشعر بالحزن
أكثر مما شعر
بالغضب. ويختلط
بالطبع ردُّ
الفعل الناجم
عن الحزن عن
ردّ الفعل
الناجم عن
الغضب. وقد
رأى بعض
المفسرين -كما
جاء في صفوة
التفاسير- أن
العزيز كان
قليل الغيرة
حيث لم ينتقم
من زوجته
الخائنة لأنه
كان سهلا لين
العريكة. قد
يكون هذا
التفسير
لسلوك العزيز
مقبولا في
إطار البيئة
العربية
والإسلامية
إلا أن هذا
التفسير قد لا
يكون مقبولا
في إطار
الثقافات
الأخرى علما
أن مركز
العزيز يمنعه
من تعريض شرفه
وسمعته إلى تشويه
أقبح إن هو
أفشى خيانة
زوجته، كما
أنه قد تكون
للعزيز أسباب
أخرى منعته من
اللجوء إلى
الانتقام من
زوجته؛ قد
يكون منها
مثلا حبه الشديد
لها أو عدم
اقتناعه
بخيانتها،
كما قد يرجع
ذلك إلى مكانة
زوجته وجاهها
وقربها من مراكز
السلطة.
وفي
الواقع،
فإننا لا ندري
-من خلال النص-
ما الذي حدث
بالضبط بين
صاحب البيت
وصاحبته. ولكن
الفضيحة
تجاوزت حدود البيت،
وأصبحت قصة
امرأة العزيز
مع غلامها
حديثا تلوكه
ألسنة الناس
وخاصة نسوة المدينة
اللاتي رحن
يتحدثن عنها
ويصدرن اللوم
على سلوكها
ويصفنها
بأنها في ضلال
مبين، وكيف لا
يوجهن إليها
العتاب وهي
امرأة عزيز
مصر!. وكيف لا تكون
في ضلال مبين
وقد شغفت بحب
غلامها حبا وصل
إلى سويداء
قلبها، وسيطر
على جوانحها
سيطرة شديدة،
وفقدت صوابها
واتزانها
وراحت تراوده
عن نفسه؟ فكيف
سمحت لها
نفسها
بالتنازل لتقع
في حب غلامها
وتخون زوجها؟
لقد كان سلوكها
مصدراً
لإثارة
انفعالات
التعجب
والتقزز والغضب
عند نساء
المدينة؛
فأصدرن عليها
حكما قاسيا )إنّا
لنراها في
ضلال مبين(. ؛ وفي
هذه الآية
إشارة إلى دور
الانفعالات
أو الجانب
الوجداني في تشكيل
الاتجاهات
والمواقف.
فكيف
كان رد فعل امرأة
العزيز على
حكم نساء
المدينة
وموقفهن؟ لقد
اعتبرت
كلامهن
وحكمهن مكراً
لِلْنيلّ من
قيمتها و من
شخصيتها؛
فمكرت بعد
تفكر وتدبر.
ولاشك أن
تفكيرها قد
شابه غضب
شديد وحزن
مكتوم من حكم
النساء ضد
سلوكها مع
غلامها،
فأرادت أن
تدافع على
نفسها وأن
تقدّم الدليل
على صعوبة
مقاومة هواها.
ولتحقق
هدفها، عمدت
إلى تعريض
النسوة إلى
امتحان
سلوكهن
فدعتهن لجلسة ترفيهية
تقدم فيها
المشروبات
والفواكه، ثم فاجأتهن
بإخراج
الغلام
عليهن؛ فحدثت
المفاجأة
فعلا! وحدثت
الدهشة من
رؤية جماله
وبهائه! وشلت
الدهشة ذهن
النساء !
وقد أدت بهن
دهشتهن إلى
نسيان أنفسهن
وما كن يقمن
به من تقطيع
الفاكهة
فقطعن أيديهن
بدون وعي منهن )وقلن
حاشا لله ما
هذا بشر إن
هذا إلا ملك
كريم(. يقال
إن يوسف كان
آية في الجمال
والبهاء
ففتنت النساء
به كما فتنت
به امرأة
العزيز من
قبل. وقد أدت
بهن دهشتهن
(انفعالهن
الشديد) إلى
تقطيع أيديهن
دون الشعور
بالألم. وهذا
دليل على
كيفية تأثير الجانب
الانفعالي في
الجانب
الجسمي؛
فالانفعال
الشديد
كالغضب أو
الحزن أو
الدهشة قد
يؤدي إلى
إيقاع الأذى
بالجسم مثلا
دون الشعور
بالألم في تلك
اللحظة. وهذا
ما يلاحظ عند
بعض الطوائف
الدينية التي
يقوم أفرادها
بإيقاع الأذى
على أجسامهم
إلى حدّ
إدمائها دون
الشعور
بالألم في تلك
اللحظات. كما
يلاحظ أن بعض النساء
في بعض
المناطق
يعمدن إلى لطم
خدودهن
وتمزيقها
بأظافرهن
الطويلة حتى
إدمائها جراء
الغضب الشديد
من موقف أو من
شخص لا يستطعن
مواجهته
بطريقة
عقلانية!
ويلاحظ هذا
السلوك (إيقاع
الألم على
الجسد) أيضا
عند بعض
الشيعة في
عاشوراء التي
تمثل بالنسبة
إليهم ذكرى
أليمة؛ وهي
مقتل الحسين
حفيد الرسول (ص).
وبعد
الدهشة
الكبيرة التي
صدمت نسوة
المدينة إلى
حد تقطيع
أيديهن
بالسكاكين،
راحت امرأة العزيز
تبرر سلوكها
مع غلامها
بالدفاع عن نفسها
أمام ضيفاتها.
ولم تكتف
امرأة العزيز
بذلك بل
اعترفت أن
الغلام قد
استعصم مما
زاد من غضبها
عليه مهددة
إياه بالسجن
أمام ضيفاتها
إن لم يفعل ما
تأمره به
سيدته حتى
يذوق في السجن
طعم الهوان
والمذلة
والصغار.
والتهديد
بالسجن
والإهانة
سلاح يستعمله
أرباب السلطة
المستبدين
لإرهاب
أعدائهم وكسر مقاومتهم
ناسين أو
متناسين أن
حرمان شخص أو
أشخاص ما من
حريتهم معناه
إثارة
انفعالات قوية
في نفوسهم قد
تصل إلى ما
كان يرجوه
السجان
ويبتغيه؛ ذلك
أن السجن في
حد ذاته مدرسة
للتأمل
والدراسة والتعلم
والإبداع
لأصحاب الهمم
والعقول
الكبيرة كما
قد يكون مدرسة
للتخلص مما هو
أسوأ من السجن!
وهذا ما
جعل يوسف عليه
السلام يقول
بأن السجن أحب
إليه مما
يدعونه إليه
من الهوى
واللذة رغم
حلاوة هذه
الأخيرة
وسهولة تقبّلها
من النفوس؛
وذلك عكس ما
هو متوقع في
السجن من قيود
وحرمان وآلام
نفسية وجسمية.
وبالنسبة
ليوسف، فإن
السجن منجاة
من كيد النساء
وفتنتهن التي
يعلم يقينا
بأنه من الصعب
عليه مقاومتها
إلى حد الأبد؛
فهو قبل كل
شيء إنسان؛
وشاب يافع قد
بلغ أشده محاط
بكل أسباب
الفتنة التي
لا تفتقر
إليها النساء
من حوله وهي
الجمال
والسلطة
والسطوة
والوقاحة
وقلّة الحياء.
ولكن يوسف
يدرك تماما
مصيره إذا
استسلم لإغراء
وفتنة النساء
ولهوى نفسه؛
فالمصير أن
يوصم بالجهل.
وياله من عار
أن يوصف
بالجهل وهو الذي
أتاه الله
حكما وعلما
وهو الذي وصفه
الله بأنه من
المحسنين. إن
هذا المصير
يشعر يوسف بتفاهة
مكانته عند
الله
وانحطاطها،
كما يشعره
بعدم احترام
الذات بل
واحتقارها
مما يؤدي أيضا
إلى عدم الثقة
بنفسه.
النبي
السجين:
رغم أن
اختيار السجن
قد يضع يوسف
في موقف يكون
فيه من
الصاغرين –في أعين
الناس على
الأقل- إلا أن
ذلك يحميه من
الفتنة و
أسبابها، كما
أنه يرفع
مقامه عند
الله تعالى.
وقد استجاب
الله لدعائه
وأنقذه من
تسلط الهوى
وسلطة المال
والجاه فصرف
عنه كيد
النساء؛ إذ
حكم عليه
بالسجن حتى
حين.[6]
ولم يكن
يوسف في السجن
وحيداً كما
كان في الجب،
بل دخل معه
السجن فتيان،
ولاشك، أنه قد
نشأت بين
الفتيان
الثلاثة أُلْفَة
جعلت كل واحد
منهم يروي قصة
سجنه، ويرى
العزاء من
خلال
الاستماع إلى
قصتي زميليه الآخَرَيْن.
وتمضي
الأيام ثقيلة
في السجن في
انتظار الحكم
النهائي، وفي
صباح أحد الأيام
يُقبل
الفتيانِ على
يوسف ليرويا
ما رأيا في
المنام
ويسألانه
تأويل ما بدا
لهما غريبا
وذلك لما
توسما فيه من
ذكاء وحسن
خلق. ويبدو أن
تأويل
الأحلام شيء
كان يستأثر
باهتمام الناس
آنذاك
استئثاراً
كبيراً؛ إذ
بعد رؤيا يوسف
التي قصها
لأبيه تأتي في
هذه السورة
رؤيا الفتيان
ثم ستصادفنا
في نفس السورة
رؤيا ملك مصر.
وهذا مما يدل
على أهمية
الرؤى في فهم
السلوك
والتنبؤ به.
ولكن عملية
تعبير الرؤى
تحتاج إلى فهم
دقيق وذكاء
عال لما تحمله
من رموز تبدو
لغير
الأذكياء
طلاسم يصعب
فهمها وإدراك مراميها
ناهيك عن
التنبؤ بما
سيقع بناء على
تحليلها
وتفسيرها.
ويتضح
من سورة يوسف
أن الرؤى مصدر
للتنبؤ بالسلوك
الذي قد يقع
في المستقبل
القريب أو
المستقبل
البعيد وذلك
من خلال دراسة
الرؤى الثلاث
الواردة في
هذه السورة
وهي رؤيا يوسف
ورؤيا الفتيان
ورؤيا الملك.
ومما لاشك فيه
أن الرؤيا
–كما يفهم من
هذه السورة-
لا تختص
بالأنبياء
والمؤمنين
فقط، كما لا
يشترط أن يفهم
صاحبها
أبعادها
ومراميها قبل
وقوعها مما
يستدعي
الاستعانة
بذوي الاختصاص
في هذا المجال
مما يدل أيضا
على أن تعبير
الرؤيا قد
يكون عِلمًا
مستقلا عن
بقية العلوم،
له موضوعه
ومنهجه وإن
كان يرتبط
بمواضيع أخرى
مثل علم
النفس، و علم
الأعصاب
والفسيولوجيا
وعلم
الاجتماع
الثقافي، الخ.
فماذا
رأى الفتيان
في المنام
وهما في السجن
ينتظران
مصيرهما؟
) قال
أحدهما إني
أراني أعصر
خمرا وقال
الآخر إني
أراني أحمل
فوق رأسي
خبزاً تأكل الطير
منه نبئنا
بتأويله إنا
نراك من
المحسنين( . لم
يتسرع يوسف في
إعطاء الجواب
وإن طمأنهما من
البداية بأنه
على دراية
بعلم التأويل
الذي علمه
الله إياه
وأنه سيعبّر
لهما رأييهما
فرَاح
يبين لهما
كيف لم يركن
إلى أسلوب حياة
الكافرين
الذين لا
يؤمنون بالله
واليوم الآخر،
واتبع ملة
آبائه
الأنبياء
إبراهيم
وإسحاق ويعقوب.
ويقرر يوسف أن
الإيمان
بالله وعدم الشرك
به من فضل
الله عليه
وعلى آبائه
وعلى الناس،
ولكن أكثر
الناس لا
يشكرون. كما
قرر يوسف أن
أكثر الناس لا
يعلمون لأنهم
يعبدون
أربابا
متفرقين بدلا
من عبادة الله
الواحد
القهار…
وبعد
هذا التذكير
الذي قام به
يوسف لتحضير
نفسية
الفتيان، بدأ
في تأويل
الرؤيا لكل
منهما)
يا
صاحبي السجن
أما أحدكما
فيسقي ربه
خمرا وأما
الآخر فيصلب
فتأكل الطير
من رأسه قضي
الأمر الذي
فيه تستفتيان(
فانظر
إلى الأسلوب
المباشر في
تفسير الرؤيا بعد
التحضير
النفسي الذي
قام به قبل
ذلك، وانظر
إلى الاختصار
الشديد
والواضح جداً
في عملية
التأويل.
وانظر إلى
المعاني
الرمزية في الرؤيا
وكيف استطاع
يوسف بذكائه
ونفاذ بصيرته
أن يدرك
القيمة
التنبئية للرؤيا
بناءً على
فهمه
لموقِفَي صاحبيه
في السجن
وبناءا على ما
كنا يشعران به
ويفكران فيه.
وإيمانا
منه بنجاة
أحدهما طلب
يوسف منه أن
يتذكره بعد
خروجه وأن
يذكره عند ربه
لعله يعيد النظر
في الحكم
الصادر ضده
ظلما وبهتانا.
ولكن الفتى
انشغل بأمور
دنياه ونسي
تماما ما
وصّاه به
يوسف. ولم
يتذكر التماس
يوسف بأن يذكر
قصته عند
الملك إلا بعد
أن سمع رؤيا
الملك، وقد
مضت قبل ذلك
بضع سنين
قضاها يوسف في
السجن صابراً
محتسبا. ولك
أن تتصور
مختلف الانفعالات
والأفكار
التي جالت
بذهن يوسف وهو
يقاسي وحيداً
آلام السجن
بعيداً عن
أهله ووطنه…
ولكن لم يكن
يوسف وحيداً
في السجن بل
كان الوحي
معه. وكان
يدرك تماما
مغزى الرؤيا
التي رآها،
فكان ذلك
عزاءه ومحط
آماله، فلم
ييئس ولم
يقنط، وبقي
ينتظر الفرج.
وقد
روت بعض
التفاسير أن
صاحبي يوسف في
السجن قد قالا
له: إنا لنحبك
من حين
رأيناك، فقال:
أنشدكما بالله
أن لاتحباني،
فوالله ما
أحبني أحد قط
إلا دخل علي
من حبه بلاء؛
لقد أحبتني
عمتي فدخل علي
من حبها بلاء،
ثم أحبني أبي
فدخل علي من
حبه بلاء، ثم
أحبتني زوجة
صاحبي فدخل
علي من حبها بلاء،
فلا تحباني
بارك الله
فيكما. وبغض
النظر عن مدى
صحة هذه
الرواية، فإن
البلاء الذي
قد يلحق
إنسانا من
جراء الحب لا
يكون من الحب
نفسه بل من
عوامل أخرى قد
ترتبط وتتعلق
به؛ فالبلاء
الذي لحق يوسف
ليس من الحب
نفسه -كما قد
توحي به هذه
الرواية- بل
من غيرة الآخرين
وأنانيتهم.
رؤيا
الملك:
ويشاء
الله تعالى أن
يرى الملك
رؤيا لم يستطع
فهم مغزاها؛
فلجأ إلى
حاشيته يقص
رؤياه لعله
يجد لها
تفسيراً ) وقال
الملك إني أرى
سبع بقرات
سمان يأكلهن
سبع عجاف وسبع
سنبلات خضر
وأخر يابسات يا
أيها الملأ
أفتوني في
رؤياي إن كنتم
للرؤيا
تعبرون( .
فكيف
أجابه الملأ
الذين لم
يفهموا معاني
الرموز
(البقرات
والسنبلات
والسنين) في الرؤيا؟ )قالوا
أضغاث أحلام
وما نحن
بتأويل
الأحلام بعالمين(
.
قد
يبدو من هذا
الجواب أن
تأويل
الأحلام لم يكن
شيئاً معروفا
-كعلم-ً عند
حاشية الملك،
كما قد يرجع
إلى أن أغلب
الناس حينئذ
–بل إلى الآن- لم
يكونوا
يعتقدون بأن
للأحلام معان
ودلالات
وقدرة على
التنبؤ بما
سيقع
مستقبلا، بل
يعتبرون
الأحلام
عبارة عن أضغاث
أي خيالات
وأوهام لا
معنى لها. وفي
هذا الموقف
تجاهل إن لم
يكن جهلا لأحد
مصادر
المعرفة التي
قد تفيد في
فهم السلوك
وغيره من
الظواهر إن
بُنِيت على
أساس من العلم
المنهجي بدلا
من "التخريف
والتجديف" و
الادعاءات
الكاذبة!! ورغم
هذا التجاهل
والجهل، فقد
اعترفت حاشية
الملك بأنه لا
علم لها
بتأويل
الأحلام؛ وفي
هذا الاعتراف
ما يدل على
التواضع وعدم
الإدعاء.
وجاء
دور الذاكرة
ليؤدي واجبه؛
فقد تذكّر الذي
كان في السجن
مع يوسف صاحب
سجنه، وتذكّر
قدرته على
تأويل
الأحلام؛
فطلب الترخيص
له ليسأل يوسف
عن تعبير رؤيا
الملك. وأسرع
الخطى إلى
السجن، وما
التقى بيوسف
حتى راح يستفتيه
في رؤيا الملك
ودلالتها،
قائلا:
)يوسف
أيها الصديق
افتنا في سبع
بقرات سمان يأكلهن
سبع عجاف وسبع
سنبلات خضر
وأخر يابسات)
فكان
جواب يوسف بعد
أن أدرك
المغزى
الرمزي للرؤيا
عن السؤال
مباشرا حيث
قال: ) تزرعون
سبع سنين دأبا
وما زرعتم
فذروه في سنبله
إلا قليلا مما
تأكلون ثم
يأتي من بعد
ذلك سبع شداد
يأكلن ما
قدمتم إليهن
إلا قليلا مما
تحصنون ثم
يأتي من بعد
ذلك عام فيه
يغاث الناس وفيه
يعصرون ( ونلاحظ
هنا أنّ يوسف
عليه السلام
لم يكن أسير انفعالاته،
إذ راح يقدم
الجواب عن طيب
خاطر، ولم
يحاول
استغلال
الموقف.
ولاشك، أن
الملك قد أعجب
إعجاباً
شديداً
بتعبير يوسف
لرؤياه فأمر
بإحضاره. ولكن
يوسف لم يمتثل
هذه المرة لطلب
الملك بل رد
الرسول رداً
جميلاً طالبا
منه أن يرجع
إلى الملك
ويسأله عن
النسوة
اللاتي قطّعن
أيديهن وكدن
له لوضعه في
السجن حيث لبث
بضع سنين. وفي
هذا تعبير عن
غضب يوسف عن
السلطة
الحاكمة التي
لم تحاول تحري
الحقيقة
وإنصاف
المظلومين.
وكان من أهداف
يوسف من وراء
ذلك أن يدفع
الملك ليتحرى
بنفسه ما حدث
حتى تنجلي حقيقة
الموقف،
وينكشف
المجرم
ويُبْرِئ
يوسف ذمته.
محاكمة
النساء:
عندما
سأل الملك
نسوة المدينة
عن مراودتهن ليوسف
ومن هو
المسؤول عن
ذلك اعترفت
النساء ببراءة
يوسف. وعند
هذا الحد لم
يكن هناك أمام
امرأة العزيز
إلا الاعتراف
والإقرار بما
قامت به فقالت
:)الآن
حصحص الحق أنا
راودته عن
نفسه وإنه لمن
الصادقين (. لقد
اعترفت امرأة
العزيز
فبرّأت ساحة
يوسف وشهدت
بصدقه
وبالتالي
كذبها عليه.
وحملت نفسها
مسؤولية ما
حدث مشيرة
بصراحة إلى
نفسها التي
أمرتها بالسوء؛
أي بالهوى
والخضوع إلى
نداءات اللذة والتعسف
في استخدام
السلطة.
ولاشك، أن
الانفعالات
التي سيطرت
على امرأة
العزيز في هذه
اللحظات قد
تمثلت في
الشعور
بالإثم
والندم على ما
بدر منها
والغضب على
سلوكها مع
مسحة من الحزن.
ومما
يستخلص من قول
امرأة العزيز
هو أن النفس أمارة
بالسوء أصلا؛
أي أن نوازع
الشر جزء من الطبيعة
البشرية. وهذه
النوازع –حسب
قولها- هي الغالبة
عليه ولن ينجو
منها إلا من
رحمه الله وتداركه
بغفرانه مما
يدل على أن
الإيمان بالله
سبحانه و
تعالى
واستدرار رحمته
منجاة من
الوقوع فريسة
سهلة لنوازع
الشر، الشيء
الذي يكوّن في
النفس مقاومة
روحية لهذه
النوازع التي
وإن كان لا
يقضى عليها
تماما إلا
أنها تضعف
بازدياد
الإيمان
واستبدال نوازع
الشر بنوازع
الخير
والرحمة
والمغفرة. ويرينا
هذا الإدراك
مثالا لكيفية
تأثير الجانب الروحي
في الجانب
الوجداني وفي
السلوك، كما
يرينا إدراك
امرأة العزيز
لعدم فلاح
مسعى الخائنين
وكيدهم رغم
تجنيدهم
القوي
للانفعالات السلبية
الهدّامة مثل
الغضب
والغيرة
والحسد.
أما
الملك الذي
قاضى النساء
فقد اقتنع
تماما ببراءة
يوسف ولم
يخبرنا
القرآن
الكريم كيف حكم
على امرأة
العزيز بل
يخبرنا أن
الملك اتخذ قرارا
سريعا بإحضار
يوسف وجعله من
المقربين. وفي
هذا القرار
إنصاف ليوسف
من جهة وتعويض
لما تعرض
له من ظلم
واضطهاد من
جهة أخرى خاصة
وأن الملك
أراد أن
يستخلصه
لنفسه مما
أشعر يوسف بمودة
وتقدير الملك
له. كيف لا،
وقد قال له
الملك: (إنك
اليوم لدينا
مكين أمين).
ولقد
أورد
الزمخشري عن
قتادة أن هذا
دليل على أنه
يجوز أن يتولى
الإنسان عملا
من يد سلطان جائر
إذا علم أنه
لا سبيل إلى
الحكم بأمر
الله ودفع
الظلم إلا
بذلك.
تعليق
على الرؤى
الثلاث في
سورة يوسف:
1)
الملاحظ أن كل
الرؤى رمزية
في مضمونها
وأشخاصها،
ويتطلب فهمها
تأويل الرموز
الواردة فيها.
2) الملاحظ
أن الرؤى كلها
رمزية في
مضمونها وأشخاصها،
ويتطلب فهم
الرؤى تأويل
الرموز الواردة
فيها.
3) أن للرؤى
دلالات
ثقافية
مرتبطة
بالبيئة الجغرافية؛
وبدون فهم
الثقافة
الرائدة لا
يمكن فهم
وتأويل
الرؤيا،
فالرؤيا
الأولى
(ليوسف) تتعلق
برموز فلكية (الشمس
والقمر
والكواكب) وهي
رمز العلو كما
تتضمن تلك
الرؤيا موضوع
السجود؛
فالسجود لا يكون
إلا لعظيم
(الله،
الملك)،
والرؤيا
الثانية (لأصحاب
يوسف في
السجن) تتضمن
"الخمر" و "الخبز"
و "الطير"،
والرؤيا
الثالثة
(للملك) ذات
مضمون زراعي
"سنبلات" و
"بقرات".
4) أن الرؤى
ذات قيمة
تنبئية؛ أي
القدرة على استكشاف
ما سيجري في
المستقبل
سواء كان هذا
المستقبل
قريبا أم
بعيداً.
5) أن
الرؤى قد لا
تتحقق إلا بعد
مرور سنوات
عديدة كما هو
الشأن في رؤيا
يوسف.
6) أن الرؤى
تؤثر في
الجانب
الوجداني في
الإنسان؛
فغالبا ما
تحيره وتقلقه
وقد تدهشه
وتحزنه كما قد
تسره!!
فالرؤيا قد
تحمل بشرى كما
قد تحمل
نذيراً؛
وبالتالي
تؤثر في جانبه
العقلي والجانب
السلوكي.
7) ليس كل ما
يراه الإنسان
في الأحلام
عبارة عن رؤى؛
فقد يكون بعض
ما يراه
الإنسان في
المنام أضغاث
أحلام؟!
وبالرغم من
ذلك فإن لهذه
للأضغاث معان
وأهدافا
ولكنها لا
تحمل
بالضرورة
قيمة تنبئية.
8) قد تدل
الأحلام على
الصراعات
وإشباع
الرغبات التي
لا يستطيع
الفرد
إشباعها في
اليقظة، ولكن
الرؤيا غير
ذلك إذ أن
قيمتها
الأساسية
تتمثل في
التنبؤ.
9) تأتي
الرؤيا واضحة
وإن كانت بصفة
رمزية وقد تتكرر
نفس الرؤيا
عدة مرات،
بينما تأتي
الأحلام غير
واضحة ويقع
فيها خلط،
ولذا تسمى
بالأضغاث؛
فالأضغاث جمع
ضغث وهي حزمة
من الحشيش التي
تخلط فيها
الأعشاب
الطرية
بالأعشاب اليابسة؛
وكذلك تكون
الأحلام
مختلطة في
أغلب الأحيان.
يوسف
القائد:
بالإضافة
إلى ما اتصف
به يوسف من
حسن الخُلق
والخَلق وما
آتاه الله من
العلم والحكمة
فقد برزت صفة
القيادة في
شخصيته؛ إذ
بمجرد ما شعر
بتقريب الملك
له ورغبة هذا
الأخير في تحميله مسؤولية
ما ومكافأته
على صبره وعلى
ما أبداه من
الحكمة
والمعرفة،
حتى تبّرع بعرض
خدماته لتحمل
مسؤولية
الخزينة
والاقتصاد.
لقد
أدرك يوسف أن
البلاد ستعرف
سبع سنين من
الرخاء
تعقبها أزمة
اقتصادية
تدوم سبع
سنوات أيضا
يسودها القحط
والجفاف
والمجاعة مما
يستدعي قيادة
تتميز
بالأمانة
والعلم؛
وهاتان
خاصّتان
أساسيتان في
القيادة
وخاصة في المجال
الاقتصادي،
أمانة وعلم
خلال سنوات
الرخاء حتى لا
يحدث الإسراف
والتبذير
والمحاباة وخدمة
المصالح
الشخصية،
وعلم بفنون
التسيير والتقويم
والتخطيط
والتنظيم
والتنفيذ والإنتاج.
وكذلك
الأمانة
والعلم خلال
سنوات الأزمة
حتى يتحمل
الناس
عواقبها
الوخيمة
بالعدل،
وتحقيق حسن
التوزيع
وترشيد
الاستهلاك
والتخطيط للخروج
من الأزمة
بتجنيد القوى
العاملة إلى أقصى
الحدود
وتشجيع الناس
على الإنتاج
أكثر من
الاستهلاك
لتحقيق النمو
الاقتصادي.
وهكذا
مُكّن ليوسف
في الأرض
فأصبح يتبوأ
منصبا رفيعا تحيطه
العناية
الإلهية في
جهوده
القائمة على إتقان
العمل
والإخلاص فيه
والسعي حثيثا
لتحسين فنون
الزراعة وما
يرتبط بها من
سقي وتعهد ورعاية
وحصاد وجمع
وتخزين
وتوزيع. ولابد
أن يكون
الإنتاج في
سنوات الرخاء
أعلى من
الاستهلاك
ولابد أن يكون
احتياطي
المواد
الغذائية كبيرا
ومبنيا على
حسابات دقيقة
بحيث يغطي هذا
الاحتياطي
حاجة المجتمع
خلال سنوات
الأزمة.
ومما
يستخلص من هذا
الموقف:
أولا،
حاجة التنمية
الاقتصادية
وتنمية
المجتمع بصفة
عامة إلى
قيادة رشيدة
من خصائصها
الأساسية
العلم
والأمانة
وإتقان العمل
وما ينضوي تحتها
من خصائص
فرعية.
ثانيا،
ينبغي أن يكون
السلوك
الإنتاجي
مدروساً بحيث
يحقق فائضا في
الإنتاج؛ فلا
يمكن أن تتحقق
تنمية
اقتصادية إذا
كان الإنتاج
مساوياً للاستهلاك.
ويزداد الأمر
سوءا إذا كان
الإنتاج أقل
من الاستهلاك
كما هو الحال
في الدول المتخلفة.
وقد أفاض مالك
بن نبي في شرح
العلاقة بين
الحقوق
والواجبات والإنتاج
والاستهلاك.[7]
ثالثا،
يتطلب التمكن
والتمكين في
الأرض خصائص
قيادية هي
نتيجة العلم
والحكمة
والتمحيص
والابتلاء
والخبرة
والممارسة.
رابعاً،
تتطلب
القيادة
المرتبطة
بالوحي
والإيمان والتقوى
الاعتقاد
الجازم في
الحصول على
الأجر في
الآخرة وأنه
أحسن من كل
أجر،
بالإضافة إلى
الخصائص
الأخرى
المشار إليها
أعلاه.
ومس
القحط والجدب
مِصْرَ
والمناطق
الأخرى، وبدأت
القوافل
تتوافد على
خزينة الملك
للحصول على
المواد
الغذائية
(الحبوب خاصة)
التي تولّى
يوسف الإشراف
على توزيعها.
وجاء إخوته
ضمن من جاء
فعرفهم ولكن
لم يعرفوه،
وكيف يعرفونه
وهم قد تخلصوا
منه وباعوه
بثمن
بخس…وتوقعوا
له مصيرا
سيّئاً. ولاشك
أن يوسف قد
اندهش لرؤية
إخوته ولكنه
لم يبد دهشته
بل ونجح في
التحكم في
انفعالاته
وضبط سلوكه
كما ينبغي؛
فوفاهم الكيل
وعاملهم
بإحسان وأنزلهم
منزلا حسنا.
ويتطلب
منا هذا
السلوك وقفة
تأمل لنرى أن
يوسف الذي
أُلقي في الجب
ويوسف الذي
تعرض للفتنة ويوسف
الذي سجن بضع
سنين ويوسف
الذي تولى خزائن
الأرض قد
أُرشد بالوحي
خلال كل هذه
المراحل من
جهة، وأنضِج
بالتجارب
والخبرات
المتعددة
والمثيرة من
جهة أخرى.
وهذا ما جعل
سلوكه مع
اخوته و غيرهم
يتسم بالنضج
والرشد
والاتزان
الوجداني.
بالإضافة إلى
هذا، فإن
ليوسف هدفا
هاما وهو
الإتيان بأخيه
الشقيق إلى
مصر لكي يراه
ويطمئن على
أبيه. وقد
استعمل يوسف
الترغيب
والترهيب
للحصول على
هذا الهدف
فقال ) ائتوني
بأخ من أبيكم
ألا ترون أني
أوفي الكيل وأنا
خير المنزلين(.
ولا يخفى أن
استعمال
الترغيب أهم
من استعمال الترهيب
للحصول على
الهدف؛ ولذلك فقد
عمد يوسف عليه
السلام أوّلا
إلى استقبال إخوته
استقبالا
جيداً، وإنزالهم
منزلا طيبا،
وجهّزهم أحسن
تجهيز. وبعد
ذلك عمد إلى
الترهيب وذلك
بتهديدهم
بعدم الكيل
لهم وعدم
الاقتراب منه
إذا لم يحضروا
أخاهم من
أبيهم في
المرة
القادمة. وقد
نجحت خطة يوسف
في إقناع
إخوته بضرورة
إحضار أخيهم.
وزيادة في
الضغط على
إخوته، فقد
أمر يوسف بإرجاع
بضاعتهم لكي
يستخدموها
كحجة عند
أبيهم حتى
يقتنع بضرورة
إرسال شقيق
يوسف معهم.
بالفعل، فقد
قالوا لأبيهم
بأنهم قد
منعوا من
الكيل إلا أن
يرسل معهم
أخاهم واعدين
بأنهم سيحمونه ) فلما
رجعوا إلى
أبيهم قالوا
يا أبانا منع
منا الكيل
فأرسل معنا
أخانا نكتل
وإنا له
لحافظون ( . ولكن
أباهم لم يصدق
وعدهم. وكيف
يصدقهم وقد وعدوه
من قبل بحماية
يوسف ثم
ادّعوا بأن
الذئب قد أكله
!. وطافت ذكرى
يوسف الحزينة
بذهن النبي يعقوب
عليه السلام
فذكر نفسه
وأبناءه بأن
الله هو ) خير
حافظا وهو
أرحم
الراحمين (
وعندما
فتح الأبناء
متاعهم
اكتشفوا أن
بضاعتهم قد
ردت إليهم مع
الكيل؛
فأصيبوا
بالدهشة وبشيء
من الغضب
والحزن على
ذلك؛ فراحوا
يستخدمون رد
البضاعة
كورقة ضغط
نفسي على
أبيهم فقالوا ) : يا
أبانا ما نبغي
هذه بضاعتنا
ردت إلينا و
نمير أهلنا
ونحفظ أخانا
ونزداد كيل
بعير ذلك كيل يسير( . لكن
أباهم الذي
هزته ذكرى
يوسف الحزينة
لم يقتنع
بسهولة. وهذا
أمر طبيعي لأن
تغيير اتجاه
شخص ما نحو
أشخاص آخرين
كان قد اتخذ
موقفا سلبيا
ضدهم يتطلب
جهداًً
كبيراً في
التأثير على
جوانبه
العقلية
والوجدانية
مجتمعة.
وبالفعل، فإن
أباهم لم
يقتنع حتى
أعطوه عهداً
وموثقا من
الله بحماية
أخيهم وعدم
التفريط فيه،
وأشهدهم الله
تعالى على ما
قالوا.
وكشأن
الآباء
المهتمين
بأبنائهم راح
النبي يعقوب
يوصي أبناءه
بعدم الدخول
من باب واحد عند
وصولهم إلى
مصر بل ينبغي
لهم الدخول من
أبواب متفرقة.
فلماذا
أوصاهم أبوهم
بذلك، وما هي الحاجة
التي أخفاها
يعقوب في
نفسه؟
يقال إن
عدد إخوة يوسف
هو 11 أخا،
وتفسر نصيحة
أبيهم بأن
يدخلوا من
أبواب متفرقة
بخوفه عليهم
من الإصابة بعيون
الحاسدين.
ورغم دخول
أبناء يعقوب
من أبواب
متفرقة إلا
أنهم أصابهم
ما أصابهم من
تفرق وافتضاح
كما قال
الزمخشري.
ويقول
الزمخشري في
تفسيره
"الكشاف" عن
الإصابة
بالعين إنه:
"يجوز أن يحدث
الله عز وجل
عند النظر إلى
الشيء
والإعجاب به
نقصانا فيه
وخللا من بعض
الوجوه،
ويكون ذلك
ابتلاء من
الله
وامتحانا
لعباده
ليتميز
المحققون من
أهل الحشو؛
فيقول المحقق
هذا فعل الله،
ويقول الحشوي
هو أثر العين كما
قال تعالى
-وماجعلنا
عدتهم إلا
فتنة للذين
كفروا-. وعن
النبي (ص) أنه
كان يعوذ
الحسن والحسين
فيقول:
"أعيذكما
بكلمات الله
التامة من كل
عين لامة، ومن
كل شيطان
وهامة" ".[8]
ومهما
يكن، فإن
موضوع
"الإصابة
بالعين" في
حاجة إلى مزيد
من الدراسات
نفسية وغيرها
لتوضيح
حقيقتها
وكيفية إحداث
التأثير في الآخرين
بالعين.
ورغم
احتياط النبي
يعقوب عليه
السلام بهدف حماية
أبنائه فقد
كان يعلم
تماما بأن ذلك
الاحتياط
(الدخول من
أبواب متفرقة)
لن يغني عنهم
من الله شيئا؛
فللّه الحكم،
وعليه
فليتوكل المتوكلون.
وهنا حكمة
بالغة تتجلى
في إيمان يعقوب
عليه السلام
بضرورة
التوكل على الله
تعالى
واعتقاده
الجازم بأن
الحكم بيده تعالى،
ورغم اعتقاده
الجازم فإن
ذلك لم يمنعه
من اتخاذ
الأسباب
الضرورية
واعتماد
الاحتياطات
المناسبة
لحماية
أبنائه مما قد
يصيبهم إن
دخلوا من باب
واحد. وفي هذا
الموقف تمييز واضح
بين التوكل
والتواكل.
لم تكن
نصيحة النبي
يعقوب عليه
السلام
لأبنائه
صادرة من قلب أب
رحيم شفيق على
أبنائه فقط بل
إن نصيحته قائمة
على علم أيضا.
وهذا العلم
مما آتاه الله
إياه )…وإنه
لذو علم لما
علمناه ولكن
أكثر الناس لا
يعلمون (. وتشير
الآية
الكريمة أن
هذا العلم مما
يجهله أكثر
الناس!!
ولذلك، لم
يخبر أبناءه
لماذا ينبغي
لهم الدخول
من أبواب
متفرقة بل كتم
حاجته من وراء
ذلك. ولاشك،
أن الأبناء قد
قبلوا نصيحة
أبيهم،
وعملوا بها
ففرح لذلك
وانشرح صدره.
وأقبل
إخوة يوسف مع
أخيهم غير
الشقيق،
فانفرد يوسف
بأخيه الشقيق
فكشف له عن
شخصيته
الحقيقية
فقال )إني
أنا أخوك فلا
تبتئس بما
كانوا يعملون (لقد
أراد يوسف أن
يدخل السرور
إلى قلب أخيه
وطرد الحزن
منه جرّاء مما
كان يرتكبه
إخوته
الآخرون من
حماقات!!
وكانت لحظات
رائعة سادتها
الدهشة
والمفاجأة
السارة وفرح اللقاء
بعد أحزان
الفراق. ولكم
أن تتصوروا
سرور أخوين
شقيقين
التقيا بعد
عدة سنوات من
الحزن
وانعدام
بارقة أي أمل.
ويشاء الله
ويمهد الأسباب
لِلقاء
الأخوين في
مكان لم يخطر
لهما من قبل
على بال!! ولكم
أن تتخيلوا
دهشة شقيق يوسف
عندما يكشف له
شقيقه عن
شخصيته، وكيف
لا يندهش وقد
أخبر من طرف
إخوته أن
الذئب قد
افترس يوسف
وجاءوا
بقميصه ملطخا
بالدماء! كيف
لا يندهش، وقد
رأى بأم عينيه
دما على قميص
شقيقه؟! وكيف
لا يندهش وقد
رأى أباه يحزن
حزنا شديداً
على يوسف؟!
والآن يرى بأم
عينيه يوسف وقد
تبوأ مكانة
عظيمة في قصر
الملك! كيف لا
يفاجأ بينما
لم يكن طموحه
في مجيئه مع
إخوته إلى مصر
يتعدى الحصول
على كيل بعير
من الحبوب والرجوع
به إلى أبيه
سالما مع
إخوته؟!
وتتوالى
المفاجآت،
حيث ينادي
المنادي إخوة يوسف
ويتهمهم
بالسرقة،
فيصابون
بالدهشة
والتعجب
فيقبلون على
المنادي
يستفسرون عما
ضاع، ويتعجب
إخوة يوسف
أكثر عندما
يسمعون أن
صواع الملك قد
سُرِق وأنه قد
رُصدت مكافأة
لمن يجده، وأن
المنادي
متحمس جداً
للحصول على
المكافأة!
ونلاحظ هنا
قوة الدافعية
عند المنادي
وتأثيرها في
سلوكه بفعل
المكافأة
المغرية (حمل
بعير).وتحت
تأثير
المفاجأة
الشديدة
والاتهام
القوي راح
إخوة يوسف
يحلفون لدفع
التهمة عنهم
بأنهم ما
جاءوا إلى مصر
ليفسدوا في
الأرض أو ليسرقوا
وإنما جاءوا
تجاراً
يستبدلون
سلعة بسلعة.
ولكن ما
هو جزاء إخوة
يوسف إن وُجد
صواع الملك في
رحالهم؟ لابد
أن يعترفوا
بجرمهم وأن
يقبلوا حكم
الملك أو من
ينوب عنه
فيهم. كيف لا
يقبلون بحكم
الملك وهم
ينكرون أنهم
سارقون وأنهم
مفسدون أو
أنهم كاذبون؟!
وبدأ
التفتيش،
ولتضليل إخوة
يوسف بأن
الأمر غير
مدبر بدأ في
تفتيش أوعية
إخوته غير
الأشقاء قبل
وعاء أخيه
الشقيق. ولكن
الصواع لم
يوجد إلا في
رحل أخيه.
وبهذا
الإجراء الذي
اتخذه يوسف
تمكن من أن
يضمن بقاء
أخيه معه
بطريقة قانونية
وهذا يتطلب
علما وفوق كل
ذي عليم.
واندهش
إخوة يوسف
وأخذتهم
المفاجأة فأصيبوا
باضطراب شديد
ظهر على
وجوههم وفي
حركاتهم. وبعد
استيعاب
الصدمة
تفطنوا إلى
ضرورة الدفاع
عن أنفسهم
وتبرير ما حدث
بأي شكل من
الأشكال فلم يجدوا
عذراً ولا
مبرراً
مقبولا إلا أن
يتهموا أخاهم
بالسرقة
مضيفين إلى
ذلك اتهام
يوسف نفسه
بالسرقة؛
وكأن لسان
حالهم يقول إن
أخانا غير
الشقيق قد سرق
مثلما سرق
أخوه الشقيق من
قبل بينما نحن
الإخوة
الأشقاء لسنا
سارقين؛
فالعيب في
الأخوين
الشقيقين
(يوسف وأخوه)
وليس فينا.
ورغم
صدور هذا
الاتهام
الخطير من طرف
شبان ثبتت
عليهم السرقة
فلم يكن في
وسع يوسف إلا
أن يكون حليما
معهم، ولم
يظهر ما شعر
به بسبب هذا الاتهام
بل أخفى
انفعالاته. ورغم
ذلك فإنه لم
يتمالك نفسه
في وصف إخوته
بأنهم أشرار
(شر مكانا)
وأنه يترك ما
يصفون به يوسف
وأخاه لله
تعالى الذي
يعلم كل شيء.
وكأن يوسف
بهذا القول
يريد أن يوقظ
الضمير عند
إخوته ويشعرهم
بالذنب لما
اقترفوه في حق
يوسف عند إلقائه
في الجب وبيعه
مثل العبيد
وأكل ثمنه، ثم
اتهامه
بالسرقة.
ورغم
صعوبة الموقف
الذي وجد إخوة
يوسف أنفسهم
فيه أمام حاكم
قوي أقام
عليهم الحجة
بالسرقة فقد
تذكروا وعدهم
لأبيهم
بالحفاظ على
أخيهم فراحوا
يستعطفون
العزيز (يوسف)
أن يأخذ أحدهم
مكان أخيهم
مبررين
استعطافهم من
جهة بِكِبَرِ
سن أبيهم (شيخا
كبيراً) الذي
لن يتحمل صدمة
ضياع ابنه الثاني،
وبمدح العزيز
ووصفه
بالإحسان من
جهة أخرى.
ونلاحظ هنا أن
حجة إخوة يوسف
في استعطافهم
للعزيز قائمة
أساسا على
تجنيد الجانب
الوجداني عند
العزيز لعله
يلين ويستجيب
لاستعطافهم.
ولكن ردّ
العزيز كان
منطقياً
وعقلانيا؛ إذ
رفض
استعطافهم
مبرراً ذلك
بإقامة
العدل؛ إذ ليس
من العدل أن
يأخذ شخص ما
بجريرة شخص
آخر. وكيف
يقام العدل إذ
أطلق
"المجرم"
الذي ثبتت عليه
"السرقة"
ويسجن
"البريء"؟!
ألجم
منطق العزيز
ألسنة الشبان
الذين أصيبوا
بإحباط شديد
وفقدوا الأمل
في إقناع
العزيز واسترجاع
أخيهم؛
فأخذوا
يتناجون فيما
بينهم ويتشاورون،
فالموقف صعب
ومحرج
بالنسبة
إليهم للغاية
سواء أمام
العزيز أم
أمام أبيهم
الذي أخذ منهم
موثقا في عدم
التفريط في
أخيهم؛ وقد
ذكّرهم بهذا
الموثق أخوهم
الأكبر كما
ذكّرهم بتفريطهم
في يوسف من
قبل إذ أن
التفريط في
أخيهم هذا
سيضاف إلى
تفريطهم في
يوسف من قبل،
مما سيفقد
مصداقيتهم
عند أبيهم.
ولذا التزم
أخوهم الأكبر
بالبقاء في
مدينة العزيز
حتى يتلقى إذنا
من أبيه
بالمغادرة أو
يجعل الله له
أمرا وهو خير
الحاكمين.
ويطلب منهم
أخوهم الأكبر
بشيء من الغضب
ممزوج بالحزن
أن يرجعوا إلى
أبيهم ويرووا
له ما حدث
بالضبط،
قولوا لأبيكم:
إن ابنك قد
سرق ونحن نشهد
على ذلك فقد
أخرج الصواع
من رحله أمام
أعيننا.
وقولوا له: إن
لم تصدقنا
فاسأل
القافلة التي
جئنا فيها
واسأل أهل المدينة،
وقولوا له:
لقد أتيناك
موثقا من الله
أن نحافظ على
أخينا ولكننا
لم نكن نعلم
الغيب ولم نكن
ندري بأنه
سيسرق صواع
الملك، واشرحوا
له أن هذه
الحقائق كلها
شهادات على صدقنا،
وأنني قد بقيت
هنا في انتظار
أوامره التزاما
بالعهد الذي
عاهدناه عليه.
فكيف
كان رد فعل
النبي يعقوب
عليه السلام
أمام هذا
الخطب
الجليل؟ هاهو
ابنه الثاني
يضيع منه كما
ضاع يوسف من
قبل، وسبب
الضياع تهمة
السرقة. وأي
سرقة؟ سرقة
صواع الملك
الذي أخرج من
رحله أمام
الملأ! ولاشك،
أن الخبر طارت
به الركبان،
وانتقل من فاه
إلى فاه ومن
قافلة لقافلة
ومن قبيلة إلى
أخرى.
ورغم
تأكيد أبنائه
لصدقهم؛ فإن
النبي يعقوب
عليه السلام
لم يصدّقهم،
واتهمهم بأن
أنفسهم قد
دفعتهم
ليدبروا مكيدة
لأخيهم (بن
يامين) كما
دبّروا مكيدة
ليوسف من
قبل. ولكن
النبي يعقوب
عليه السلام
لم يجد دليلاً
على اتهامهم
فاكتفى
بالإشارة
ملتجأ إلى
الصبر الجميل
متيقنا بأن
الله تعالى
سيجمعه مع
ابنيه كما
يقتضي علمه
وحكمته.
لم يجد
النبي يعقوب
عليه السلام
بدّاً من الابتعاد
عن أبنائه؛
فقد أصبح لا
يطيق الموقف،
واستولى عليه
الحزن الشديد
(الاكتئاب) بل
أصيب بصدمة
شديدة من
الإحباط
والاكتئاب
أثّرت في عينيه
فكف بصره
لعجزه عن
التعبير
الصريح عن ألمه
وتفريغ شحنات
غضبه وحزنه
جراء تصرفات
وأقوال
أبنائه. وقد
أدى به كبت
انفعالاته
إلى إصابته
بكف البصر.
وفي هذا دليل
واضح على
كيفية تأثير
الجانب
الانفعالي في
الجانب
الجسمي: الحزن
الشديد
والعمى في هذه
الحالة.
وفي هذه
الحالة إشارة
إلى أن كبت
الانفعالات
قد يؤدي إلى
اضطرابات
وجدانية
–جسمية
(اكتئاب ، عمى،
قرحة، الخ…)،
وليس الكبت
الجنسي فقط هو
الذي يؤدي إلى
الاضطرابات
النفسية مثل
العمى الهستيري
أو الشلل
الهستيري كما
ادعى ذلك فرويد
في نظرية
التحليل
النفسي.
وفي
الواقع، فإن
حزن يعقوب كان
شديدا وطويلا إلى
حد بالغ فيه
بعض
المفسرين،
فقال الزمخشري
مثلا يصف حزن
النبي يعقوب
وطول مدته:
"الحزن كان
سبب البكاء الذي
حدث منه
البياض،
فكأنه حدث من
الحزن. قيل ما
جفت عينا
يعقوب من وقت
فراق يوسف إلى
حين لقائه
ثمانين عاما،
وما على وجه
الأرض أكرم على
الله من
يعقوب. وعن
رسول الله (ص)
"أنه سأل جبريل
عليه السلام
ما بلغ من وجد
يعقوب على
يوسف؟ قال:
وجد سبعين
ثكلى" قال: فما
كان له من
الأجر؟ قال:
مائة شهيد،
وماساء ظنه
بالله ساعة
قط". وبعد أن
يورد
الزمخشري هذه
الرواية دون
مناقشة مدى
صحتها عقلا
ونقلا وخاصة
فيما يتعلق
بعدد سنوات
الحزن،
انتقل إلى مناقشة
الحالة
النفسية
للنبي يعقوب
فقال:" فإن قلت
كيف جاز لنبي
الله أن يبلغ
به الجزع ذلك
المبلغ؟ قلت:
الإنسان
مجبول على أن
لا يملك نفسه
عند الشدائد
من الحزن،
ولذلك حمد
صبره وأن يضبط
نفسه حتى لا
يخرج إلى مالا
يحسن. ولقد بكى
رسول الله (ص)
على ولده
إبراهيم وقال
"القلب يجزع،
والعين تدمع،
ولا نقول ما
يسخط الرب،
وإنا عليك يا
إبراهيم
لمحزونون " .[9]
وإنما الجزع
المذموم ما
يقع من الجهلة
من الصياح
والنياحة
ولطم الصدور
والوجوه
وتمزيق الثياب". ومما
جاء في
"الكشاف"
أيضا بخصوص
موقف الرسول
(ص) من
الانفعالات،
أنه قيل له
عليه الصلاة والسلام:
تبكي وقد
نهيتنا عن
البكاء؟ قال:
ما نهيتكم عن
البكاء وإنما
نهيتكم عن صوتين
أحمقين صوت
عند الفرح
وصوت عند
الترح. .
وقد
تفطن أبناء
يعقوب لما
يعانيه أبوهم
من حزن شديد
ولما قد ينجر
عن ذلك من
اضطرابات بل
ومن هلاك
(قالوا
تالله تفتأ
تذكر يوسف حتى
تكون حرضا أو
تكون من
الهالكين (.فما
كان جواب
يعقوب عليه
السلام على
تعليق أبنائه؟
لم يرد النبي
يعقوب عليه
السلام أن يشكو
حزنه وألمه
الشديد
لأبنائه
مقتصراً في
ذلك على الله
تعالى؛ ذلك
لأنه قد علم
من الله تعالى
ما لم يكن
أبناؤه
يعلمون. فماذا
كان يعقوب عليه
السلام يعلم
من الله
تعالى؟
أمر
يعقوب عليه
السلام
أبناءه أن
يذهبوا ويتحسسوا
أخبار يوسف
وأخيه مما يدل
على اعتقاده الجازم
بأن يوسف ما
يزال حيا وأن
الله تعالى سيجمعه
معه ومع أخيه
(ابن يامين).
ولم يكتف النبي
يعقوب عليه
السلام
بإصدار الأمر
بل أوصى أبناءه
ألا يصيبهم
اليأس في
البحث عن يوسف
وأخيه
والحصول عليهما؛
إذ ليس من
صفات
المؤمنين
اليأس من روح الله؛
فالله رحيم
كريم. وهنا
يفتح النبي
يعقوب عليه
السلام
أمام أبنائه
باب التفاؤل
بدلا من
التشاؤم،
وطريق الخير
بدلا من الشر،
وسبيل الأخذ
بالعزيمة
والأسباب
بدلا من التخاذل
والإحباط
وروح الهزيمة
التواكل.
وجهز
أبناء يعقوب
عليه السلام
بضاعتهم ليقصدوا
عزيز مصر مرة
أخرى
للمقايضة،
والحصول على
صدقاته…
ودخلوا على
العزيز على
خجل واستحياء
وهم يَشْكُون
إليه الضر
الذي مسّهم
وأهلهم جرّاء
الجذب والقحط.
وعرضوا عليه
بضاعتهم راجين
منه أن يتصدق
عليهم، وهم
يدعون الله له
أن يجزيه خير
جزاء.
وحان
الوقت الذي
ينبغي أن يكشف
فيه العزيز عن
سرّه لأبناء
يعقوب عليه
السلام
ففاجأهم بقوله:
) هل
علمتم ما
فعلتم بيوسف
وأخيه إذ أنتم
جاهلون (. ليست
المفاجأة في
سؤال العزيز
عن يوسف وأخيه
فقط بل في
صيغة السؤال
حيث وجه إليهم
سؤالا استنكاريا
قرن العزيز
فيه بين يوسف
وأخيه من جهة
ووصف فيه
سلوكهم
بالجهل من جهة
أخرى. ولعل صيغة
السؤال
ومؤشرات أخرى
قد تكون غير
لفظية هي التي
نبهت أبناء
يعقوب عليه
السلام إلى
أنهم بحضرة
أخيهم يوسف.
.
ورغم
المفاجأة
الشديدة التي
صعقتهم، فقد
راحوا
يتأملون
بتمعن وجه
العزيز
ويتبادلون النظرات
وهم يهمسون و
… ) قالوا
أئِنّك لأنت
يوسف (
!
و لمراقب هذا
المشهد أن
يتصور مدى
الانفعال الشديد
الذي أصاب
إخوة يوسف
جرّاء
المفاجأة، و جرّاء
انكشاف
الحقيقة
أمامهم.
ولاشك، أن ألسنتهم
قد شلت
للحظات،
وانسحب الدم
بسرعة من وجوههم
الشاحبة،
ودقت قلوبهم
بسرعة فائقة،
وارتجفت
أوصالهم فرقا
وخجلا من
فعلهم الشنيع
مع يوسف،
وترقبا للخطر
الذي أحدق
بهم… فطأطئوا
رؤوسهم خوفا
وخجلا!
احتفظ
العزيز
بهدوئه
المعتاد،
وأكد لهم أنه
هو يوسف ومعه
أخوه شاكراً
نعم الله عليهما،
مذكراً إياهم
بأن التقوى و
الصبر هما وسيلتان
للحصول على
الأجر
والثواب من
عند الله.
وتنبغي
الإشارة هنا
إلى اقتران
التقوى
بالصبر مما
يدل على
الارتباط
القوي بين
الصفتين
وتأثيرهما في
السلوك عند
ارتباطهما.
وهذا
الارتباط يدلنا
على أن الصبر
الحقيقي هو
القائم على
التقوى
والإحسان،
وليس الصبر
القائم على
الانهزام
النفسي…
والإحسان هو
أن تعبد الله
كأنك تراه،
فإن لم تكن
تراه فإنك
تعتقد
اعتقاداً
جازماً بأنه
يراك… وإذا كنت
في موقف
البلاء
والامتحان
فإنك تعتقد
جازماً بأنه
يراك ويرعاك…
ويعضد هذه
الحقيقة قوله تعالى "ومن
يتق الله يجعل
له مخرجا
ويرزقه من حيث
لا يحتسب ومن
يتوكل على
الله فهو حسبه
إن الله بالغ
أمره قد جعل
الله لكل شيء
قدراً " [ الطلاق:
2،3 ]. ويدلّنا
أيضا هذا
الارتباط بين
التقوى
والصبر على
كيفية تأثير
الجانب
الروحي (التقوى)
في الجانب
السلوكي
(الصبر). وقد
تجلى تقوى
يوسف في سلوكه
مع امرأة
العزيز ونسوة
المدينة
وصاحبيه في
السجن وفي
تأويله لرؤيا
الملك وفي
تسييره لشؤون
اقتصاد البلد
خلال سنوات
الرخاء وخلال
سنوات الكساد الاقتصادي.
ويتجلى أيضا
في سلوك يوسف
مع إخوته
الذين كانوا
في موقف ضعف
شديد بل وفي
موقف مخجل
ومخزٍ لم يكن
أمامهم فيه
بدّ إلا
الاعتراف
بخطئهم،
والإقرار بأن
الله تعالى قد
فضل يوسف
عليهم. وأن
هذا الفضل
والإيثار ليس
من طرف أبيهم
بل هو من فضله
تعالى على
يوسف الذي حباه
تعالى بأجمل
الصفات
والسمات
الخِلقية والخُلقية
إعداداً له
لمواقف صعبة
ومواقع قيادية
عالية ليست
المسؤولية
فيها هينة.
لم يعمد
يوسف إلى
تجريح شعور
إخوته، كما لم
يستغل الضعف
الشديد الذي
كانوا عليه
أمامه بل عمد
إلى رفع اللوم
عنهم والدعاء
بأن يغفر الله
لهم زلاتهم
وهو أرحم
الراحمين.
فانظر كيف قابل
القائد
العظيم الخطأ
بالعفو، و
"العفو عند
المقدرة"،
وكيف بدّل
انفعالاتهم
السلبية الشديدة
(خوف وخجل)
بالدعاء
والاستغفار
لهم لتطمئن
قلوبهم وتسكن
جوارحهم
مذكراً إياهم
برحمة الله
وهو أرحم
الراحمين.
وبعد أن
يسكن روعهم
وينالوا
قسطاً من
الراحة يطلب
يوسف من إخوته
أن يذهبوا
بقميصه إلى
أبيهم ويرموه
على وجهه
ليرتد إليه
بصره كما يطلب
منهم أن
يحضروا أهلهم
أجمعين
ليكرمهم
ويقربهم إليه
لما في ذلك من
صلة للرحم. ولنا
وقفة هنا مع
قميص يوسف!
قميص
يوسف:
ما
هي العلاقة
بين قميص يوسف
واسترداد
البصر؟
هذا
سؤال حاول
مختص في طب
العيون بمصر
أن يجيب عنه
من خلال إجراء
بحث تجريبي
لاستكشاف
تأثير العرق
في علاج بعض
أمراض العيون.[10]
فنسب استرجاع
البصر إلى عرق
يوسف الذي
كان جافا على
القميص. ولقد
وجد هذا
الطبيب من
خلال البحث
التجريبي
الذي أجراه أن
العرق يشفي من
بعض أمراض العيون.
هذا
تصور للعلاقة
التي قد تكون
بين القميص واسترداد
البصر، ومنهج
في البحث
العلمي قائم على
التجريب. ولكن
من الممكن
تفسير هذه
العلاقة
تفسيراً آخر.
لاشك، أن
العرق الجاف
في قميص يوسف
يحمل رائحة
خاصة به يعرفها
النبي يعقوب
عليه السلام
تمام المعرفة.
وكيف لا
يعرفها وقد
تعود ضمّ يوسف
إلى صدره… ثم
إن الشخص
الكفيف البصر
غالبا ما تكون
حاسة الشم عنده
مرهفة، وكذلك
الحواس
الأخرى…
وعندما شم النبي
يعقوب عليه
السلام رائحة
القميص أدرك
أن القميص
قميص يوسف وأن
الرائحة
رائحته فهو
إذا ما يزال
حيا
بالتأكيد،
وأنه قد أرسل
قميصه إليه
كرسالة ترجع
إليه أمله
بقرب لقائه مع
يوسف وأخيه…
ولاشك، أن هذه
الرسالة كانت بمثابة
صدمة
إيجابية؛ أي
أنها صدمة في
الاتجاه
المعاكس
للاكتئاب
الشديد الذي
أصيب به النبي
يعقوب عليه
السلام الذي
صدم بفقدان
أعز ولدين
لديه، وصدم
دون شك بسلوك
أبنائه… وأصيب
بخيبة أمل
شديدة جراء
سلوكهم الذي
حركته انفعالات
سلبية شديدة
تمثلت في
الغيرة من
يوسف وحقدهم
على أبيهم
اعتقاداً
منهم بأنه كان
يفضل يوسف
عليهم.
وقد
حاول بعض
المفسرين
تفسير تأثير
القميص في بصر
النبي يعقوب
بعوامل أخرى
حيث أورد
الزمخشري
رواية مفادها
أن هذا القميص
"هو القميص
المتوارث
الذي كان في
تعويذ يوسف
وكان من
الجنة، أمره
جبريل عليه
السلام أن
يرسله إليه،
فإن فيه ريح
الجنة لا يقع
على مبتلى ولا
سقيم إلا عوفي
(يأت بصيرا)".
أما الألوسي
في "روح
المعاني" فقد
رأى أن عودة
البصر إلى
النبي يعقوب
"ليس إلا من
خرق العادة وليس
الخارق بدعا
في هذه القصة".
ويروي الألوسي
تفسير ابن
عباس الذي
يتمثل في أن
الله تعال أشم
النبي يعقوب
ما عبق
بالقميص من
ريح يوسف عليه
السلام من
مسيرة ثمانية
أيام… وفي رواية
عن الحسن من
مسيرة ثلاثين
يوما..وقيل
عشر ليال.
وروى بعضهم
-كما أورد
الألوسي ذلك-
أن الريح
استأذنت في
إيصال عرف
يوسف عليه
السلام فأذن
الله تعالى
لها! وقال
مجاهد: صفقت
الريح القميص
فراحت رواح
الجنة في
الدنيا
واتصلت بيعقوب
عليه السلام
فوجد ريح
الجنة فعلم أنه
ليس في الدنيا
من ريحها إلا
ما كان من ذلك القميص
فقال ما قال.
وأورد
الألوسي أيضا
تفسيرا
"فسيولوجيا"
لطيفا "أنه
عليه السلام
انتعش حتى
قوي
قلبه
وحرارته
الغريزية فأوصل
نوره إلى
الدماغ وأداه
إلى البصر،
ومن هذا الباب
استشفاء
العشاق بما
يهب عليهم
من المعشوق كما
قال الشاعر:
وإني
لأستشفي بكل
غمامة
يهب بها من نحو
أرضك ريح
وقال
آخر:
ألا
يا نسيم الصبح
مالك كلما تقربت
منا فاح نشرك
طيبا
كأن
سليمى نبئت
بسقامنا
فأعطتك رياها
فجئت طبيبا
لم
يناقش
الألوسي
مختلف
التفاسير
التي أوردها
ولم يتعرض إلى
مدى موافقتها
للمنطق أو
للتجريب بل
اعتبر أغلبها
-إذا استثنيا
التفسير
الأخير- من
باب الخوارق. والسؤال
إن كان الأمر
كما أوردت ذلك
بعض التفاسير:
لماذا لم تصل
رائحة يوسف
إلى النبي
يعقوب من قبل
عندما كان
يوسف في الجب
أو في السجن أو
حتى بعد خروجه
من السجن؟
والسؤال الآخر
الذي قد يطرح:
لماذا أغفل
المفسرون ما
ورد في الآية
من ضرورة
إلقاء القميص
على وجه النبي
يعقوب ليرتد
بصيرا؟
وقد
يطرح هنا سؤال
مفاده: كيف
عرف يوسف أن
إلقاء قميصه
على وجه أبيه
سيرجع إليه
البصر؟ والجواب
أن ذلك قد
يكون بالوحي،
كما قد يكون
نتيجة
الخبرات الطبية
والنفسية
المعروفة
آنذاك. ومهما
يكن، فإن
العلاج لحزن
النبي يعقوب
عليه السلام
كان علاجا
نفسيا-فسيولوجيا
تمثل في
استعمال الروائح
(ريح يوسف) وفي
صدمة قوية
تمثلت في
إلقاء قميص
يوسف على وجه
يعقوب عليه
السلام.
والظاهر
من النص أن
النبي يعقوب
عليه السلام كان
ذا حاسة شم
مرهفة جداً إذ
شم رائحة يوسف
قبل إلقاء
القميص على
وجهه حيث جاء
في هذا المعنى ) ولما
فصلت العير
قال إني لأجد
ريح يوسف لولا
أن تفندون (. ولا
عجب أن تكون
لدى بعض
الأشخاص -وخاصة
مكفوفي البصر
والسمع- حاسة
الشم قوية خاصة
في بيئة جوها
غير ملوث حيث
يكون انتشار
الروائح أسرع
وأشمل… إهمال
حاسة الشم في
العلاج الحديث…
بينما
يستعملها بعض
الطرقية
(الطرق الصوفية)
والمشعوذون
…
ولكن
جلساء يعقوب
شككوا في
إحساسه
واتهموه بالضلال.
غير أن مجيء
البشير
وإلقاء
القميص على
وجه النبي
يعقوب عليه
السلام
وارتداد بصره
إليه أدهشهم
فأخذوا
يحملقون فيه
وهم لا يكادون
يصدقون ما يرونه
بأعينهم، أما
سرور النبي
يعقوب عليه
السلام
بالبشرى فلا
يمكن قياسه
إلا قياسيا
كيفيا تجلى في
استرداد
البصر بعد
سنين طويلة من
البكاء
والحزن حتى
ابيضت عيناه.
وهذا يدلنا
على أن
الأنباء
السارة
والبشائر
العظيمة قد
تفعل في الجسم
ونفسية
الإنسان ما لا
يمكن تصوره من
ردود الأفعال
وأنماط
السلوك
المختلفة
كاسترجاع
البصر بعد
العمى،
واسترداد
النطق بعد البكم،
والحركة بعد
الشلل…
ولكن
سرور النبي يعقوب
عليه السلام
لم يمنعه من
تذكير أبنائه
بما قال لهم
سابقا بأنه قد
يعلم من الله
ما لا يعلمون،
ولم يكن ذلك
–بالتأكيد-
إلا وحيا.
وأمام الدليل
الذي قام أمام
أعينهم لم
يتمالك أبناء
يعقوب إلا
الاعتراف
بذنوبهم
وأخطائهم فترجّوا
أباهم بحرارة
أن يستغفر
الله لهم. ولك
عزيزي القارئ
أن تتصور مدى
الشعور
بالذنب الذي
أحس به أبناء
يعقوب جراء
أخطائهم،
فتجلى شعورهم
هذا في
الكلمات التي
استعملوها
حيث قالوا ) …استغفر
لنا ذنوبنا
إنا كنا
خاطئين (، فاعترفوا
بالأخطاء
وبالذنوب
والشعور
بالذنب،
ولولا هذا
الشعور ما
طلبوا من
أبيهم أن
يستغفر الله لهم.
لكن طلبهم هذا
وطلبهم من
يوسف ذلك من
قبل، ولاشك،
كان سبيلا
للتخلص من
الشعور
الشديد بالذنب
والخجل.
وإذا
كان الاعتراف
في القانون هو
سيد الأدلة؛
فإنه من
الناحية
النفسية يخلص
النفس
البشرية من
الصراع الذي
قد تقع فيه ومن
الشعور
الشديد
بالذنب الذي
يعذبها أشد العذاب
قد يتجاوز أي
نوع من أنواع
التعذيب الذي قد
يتعرض له
المذنب لو
أقرّ واعترف
بذنبه. وإذا
كان بعض
المذنبين
يعترفون
بذنوبهم
للاستفادة من
الظروف
المخففة
نتيجة
الاعتراف،
فإن بعضهم
يعترفون
بذنوبهم
لإراحة
ضمائرهم أولا
وقبل كل شيء
من العذاب
النفسي الذي
يعانونه.
ويحزم
النبي يعقوب
عليه السلام
أمتعته القليلة
فوق جماله
الهزيلة
ويمّم وجهه
شطر مصر مع أبنائه
للالتقاء بيوسف
وأخيه. ويصلون
إلى مصر
منهوكي القوى
بعد سفر مضن
عبر صحار وأرض
جرداء مقفرة،
ويدخلون إلى
قصر العزيز في
شيء من التردد
والحياء
والخجل…
وصل خبر
وصولهم إلى
العزيز فيخرج
مع أخيه وحاشيته
لاستقبال
أهله أحسن
استقبال
ويُجلس أبويه
على أريكتين
فخمتين. ولا
يتمالك النبي
يعقوب عليه
السلام وحرمه
وأبناؤه
أنفسهم دون السجود
للنبي يوسف
عليه السلام
لما رأوه من
عظمة الملك
وجلال الموقف
وروعة المكان
وبديع الفنون
وحرارة
الاستقبال.
كما لم يتمالك
يوسف عليه
السلام نفسه
من التعبير عن
سروره وشكره
لله تعالى على
ما حباه به من
التفضيل
والمنزلة
الرفيعة والدرجة
العالية؛
فذكر أباه
برؤياه ملمحا
إلى تأويلها
بالموقف الذي
وجدوا أنفسهم
جميعاً فيه.
وهل هناك أحسن
من وقوع
الرؤيا
كحقيقة ترى
بعد أن كانت
نبوءة في عالم
الغيب؟ وراح
يوسف يعدد نعم
الله تعالى
عليه وعلى
أهله والتي تمثلت
في:
-
تحقق
رؤياه التي
رآها في
طفولته.
-
إخراجه
من السجن بعد
أن كادت له
امرأة العزيز.
-
مجيء
أهله من البدو
إلى الحضر
واجتماعه بهم.
-
فشل
الشيطان في
الإيقاع
والتفريق
بينه وإخوته.
ولم
يغفل النبي
يوسف عليه
السلام بعد
الحمد والشكر
عن الدعاء
بحسن الخاتمة
حتى يتوفاه الله
مسلما ويلحقه
بالصالحين من
الأنبياء والشهداء
وحسن أولئك
رفيقا.
كل هذه
الأحداث التي
شكلت قصة يوسف
عليه السلام
والابتلاء
الذي مرّ به
خلال مختلف
مراحل حياته؛
في طفولته
عندما ألقي في
الجب، وفي
شبابه عندما
افتتنت به
امرأة العزيز
وكادت أن
توقعه في
حبائلها
ووضعه في
السجن لرفضه
الرضوخ لشهواتها،
وفي كهولته
عندما تولى
تسيير اقتصاد
مصر خلال سبع
سنوات من
الرخاء ثم
خلال سبع سنوات
أخرى من
الكساد
الاقتصادي
عبارة عن دروس
وعبر لمن أراد
أن يعتبر.
ولاشك، أن
السنوات التي
قضاها يوسف
عليه السلام
في الحكم
والتسيير قد
مكّنت يوسف من
إقامة العدل
والقسط بين
الناس
ومحاربة
الفساد
والمحاباة
والظلم والعدوان
واللامبالاة.
لقد كانت
سنوات لإرساء
القيم
الإيجابية
وقلع جذور
الممارسات
السلبية،
وإعلاء كلمة
الله
والإحسان إلى
عباده.
هذه
الأحداث،
كانت من أنباء
الغيب التي لم
يطلع عليها
النبي محمد (ص) قبل
الوحي الذي
شكل المصدر
المعرفي
الوحيد لنبينا (ص)،
وإلا لكانت الإسرائيليات
قد طغت على
معارفه
ولشوهت قصصه
ورواياته.
وتأتينا
قضية هامة بعد
هذه القصة
تكررت كثيرا
في القرآن
الكريم وهي
إقرار حقيقية:
وهي أن أكثر
الناس ليسوا
بمؤمنين، وأن
أكثرهم لا يشكرون،
وأن أكثرهم لا
يعلمون…وقد
تكرر هذا التأكيد
عدة مرات في
القرآن الكريم،
ويعضد هذا
التكرار ما
يلاحظ بخصوص
أغلبية سلوك
الناس في هذه
القضايا.
وقد جاء
هذا التأكيد
على موقف
أغلبية الناس
ولو حرص النبي على
إيمانهم وقام
بدعوتهم على
أحسن ما يرام؛
فالقصة كلها
عبرة لمن أراد
أن يعتبر من
أولي الألباب.
ولم تكن هذه
القصة مفتراة
من النبيr الذي
كان أمينا.
ولو كان من
الذين اطلعوا
على قصص
التوراة
والإنجيل
لجاءت روايته
إما مفتراة
كما افترى بنو
إسرائيل
وغيرهم على أنبيائهم
وإما مشوهة
يغلب عليها
الخيال الجامح
البعيد عن
حقيقة
الأحداث التي
وقعت فعلا ليوسف
عليه السلام
في مختلف
مراحل عمره،
ولحقيقة الأحداث،
من رخاء
وكساد، التي
حدثت في تلك
الحقبة
التاريخية.
ولعل
هذه الرواية
الصادقة التي
صدرت عن مصدر معرفي
لا يأتيه
الباطل بين
يديه ولا من
خلفه تصديق
للوحي الذي
صدر من رب
العالمين
للأنبياء
والرسل عليهم
السلام قبل
نبينا (ص) عبر
مراحل
التاريخ.
وليس
الهدف الخالد
لهذا الوحي
إلا إرساء دعائم
الهدى
والرحمة
للمؤمنين إلى
أن يرث الله الأرض
ومن عليها.
خلاصة
ماذا
يستخلص من قصة
يوسف عليه
السلام في
القرآن
الكريم؟
القصة
والسورة بصفة
عامة غنية
بالعظات والعبر
كما أنها غنية
بالسنن
والمواضيع
النفسية وغيرها
الجديرة
بالبحث
العلمي مثل
موضوع الرؤى
وعوامل
الاكتئاب
ودور العامل
الروحي في علاج
الاكتئاب
وعلاج
الاضطرابات
النفسية-الجسمية
علاجا نفسيا
وروحيا. ومهما
يكن، ففيما يأتي
بعض ما يمكن
أن يستخلص من
هذه القصة:
1- ابتلاء
الأنبياء
والأخيار
واختبارهم في
مواقف متباينة
كأن يكون
الابتلاء مرة
في مواقف
الشدة (الضعف
والحزن مثلا)
ومرة أخرى في
مواقف الرخاء (القوة
والسرور).
2- تعرض
الأنبياء
والأخيار إلى
الظلم من ذوي
القربى وذوي
الجاه
والسلطة، وأن
هذا التعرض قد
يقع جراء سنن
التدافع بين الأفراد
والمجتمعات.
3- لا
يعني طول
الابتلاء
اليأس من روح
الله تعالى.
4- الانفعالات
والجانب
الوجداني
بصفة عامة جزء
أساسي في
الطبيعة
البشرية.
5- تأثير
الجانب
الوجداني في
السلوك سواء
كان هذا
السلوك نشاطا
ذهنيا أم
جسميا. وقد
يصل هذا التأثير
إلى حد تعطيل
بعض وظائف
الأعضاء.
6- لا
يدل وقوع
الظلم على
الأخيار
والأنبياء وطول
مدته على
انتصار الظلم
على العدل
والباطل على
الحق؛ فإن
الله تعالى
يمهل ولا يهمل!
7- انتصار
الحق على
الباطل
والعدل على
الجور والخير
على الشر مهما
طال الزمان،
وساد الظلم والطغيان.
8- العفو
عند المقدرة
من عوامل
استتباب
الأمن والعدل.
9- القيادة
الصالحة
والفعالة شرط
أساسي لتسيير
البلاد
والعباد في
الشدة
والرخاء،
وتحقيق العدل
والنماء.
10- انطباق
سنن الطبيعة
البشرية
وقوانين
التدافع بين
الناس على
الأنبياء
والأخيار وإن
كان الوحي
يوجه
الأنبياء
والرسل
ويعصمهم.
11- أكثر
الناس لا
يشكرون نعم الله
تعالى
وفضائله
عليهم؛ فكيف
يشكرون غيرهم
من الناس إن
كانوا لله لا
يشكرون!
المراجع
ابن
الجوزي:
الأذكياء،
منشورات دار
الآفاق الجديدة،
بيروت: 1980.
ابن
القيم
الجوزية:
الطرق
الحكمية في
السياسة
الشرعية،
مطبعة
المدني،
القاهرة: 1977.
ابن
كثير القرشي:
التفسير
الكبير، دار
طيبة، الرياض:
1999.
ابن
نبي مالك:
الظاهرة
القرآنية،
ترجمة عبد الصبور
شاهين، دار
الفكر، دمشق: 1984.
ابن
نبي مالك:
شروط النهضة،
ترجمة عبد
الصبور شاهين،
دار الفكر،
دمشق: 1996.
الألوسي
أبو الثناء
شهاب الدين:
روح المعاني في
تفسير القرآن
العظيم
والسبع
المثاني،
بيروت: دار
إحياء التراث
العربي: بدون
تاريخ.
الرازي
محمد فخر
الدين: تفسير
الفخر
الرازي، دار
الفكر، مصر:
بدون تاريخ.
الزمخشري:
الكشاف عن
حقائق
التنزيل
وعيون الأقاويل،
ج2، شركة
مصطفى البابي
الحلبي، مصر:
1322-1972.
الصابوني،
محمد علي: صفوة
التفاسير،
مجلد2، دار
القرآن
الكريم، ط4، بيروت:
1402-1981.
الطبري،
ابن جرير:
جامع البيان
عن تأويل آي
القرآن
مجلد12، شركة
مصطفى البابي
الحلبي، مصر: 1954.
*
مجلة الإعجاز
العلمي: براءة
اختراع دولية
لأول قطرة
عيون قرآنية،
عدد1، إصدار
هيئة الإعجاز
العلمي في القرآن
والسنة،
رابطة العلم
الإسلامي،
مكة المكرمة:
يوليو 1997.
[1] نشر
في مجلة جامعة
الملك سعود،
مجلد15،
العلوم
التربوية
والدراسات
الإسلامية (2)،
1423-2003. ص ص: 881-921.
[2] انظر: صفوة التفاسير: محمد علي الصابوني، مجلد2، دار القرآن الكريم، ط4، بيروت:1402-1981.
[4] تفسير الفخر الرازي: للإمام محمد فخر الدين الرازي، المجلد التاسع، دار الفكر. ص: 107.
[5] ولمن أراد المزيد عن كيفية إصدار الأحكام في غياب الشهود الرجوع إلى كتاب ابن القيم الجوزية (الطرق الحكمية في السياسة الشرعية) وكتاب ابن الجوزي : الأذكياء.
[6] سجن احتياطي قبل صدور الحكم.
[7] مالك بن نبي : شروط النهضة. ترجمة عبد الصبور شاهين، دمشق، دار الفكر:1996.
[8] الزمخشري: الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل، ج2، شركة مصطفى البابي الحلبي-مصر، 1322 - 1972.
[9] رواه الشيخان.
[10] نشرت الدراسة بمجلة "الاعجاز العلمي"، عدد 1، يوليو 1997.
[I1]المصدر السابق