أولاً: تعريف الحسبة لغةً
واصطلاحاً:
الحسبة في اللغة:
"الحِسْبَة" بكسر الحاء و"الاحتساب" مترادفان, وهما مصدر للفعل "احتسب" بمعنى
طلب الأجر من الله.
ومنه قوله :صلى الله عليه وسلم"من صام رمضان إيماناً واحتساباً....". رواه
البخاري
وقد تطلق كلمة الاحتساب في اللغة ويراد بها الإنكار. يقال: احتسب فلان على
فلان, أي: أنكر عليه قبيح عمله. ومنه المحتسب الذي ينكر على الناس قبيح
أعمالهم.
الحسبة في الاصطلاح:
عرفها الماوردي وأبو يعلى الفراء بأنها: (أمرٌ بالمعروف إذا ظهر تركه ونهيٌ عن
المنكر إذا ظهر فعله), وتابعهما على هذا التعريف كثيرٌ ممن كتب في الحسبة
بعدهما وبخاصة المعاصرون.
وقد عرفها غيرهما بتعريفاتٍ أخرى, والمختار هو تعريفهما لأنه دل على المراد
باشتراط الظهور في ترك المعروف وفعل المنكر؛ حيث إنه ما لم يظهر المنكر فليس من
اختصاص المحتسب الكشف عنه، كالمنكر المستتر، والمنكرات التي يدخلها التناكر
والتجاحد وتحتاج إلى شهود.
ثانياً: العلاقة بين الحسبة وبين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
المعروف: هو كل ما أمر به الشارع من اعتقاد أو قول أو فعل أو إقرار على سبيل
الوجوب أو الندب أو الإباحة.
والمنكر: هو كل ما نهى عنه الشارع من اعتقاد أو قول أو فعل على سبيل التحريم أو
الكراهة.
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مبدأ إلهي عظيم شرعه الله تعالى وأوجبه على
عباده المؤمنين وتوعد وتهدد من تركه أو تخاذل عنه، وقد جاءت النصوص الشرعية
المتضافرة مقررة لذلك. وولاية الحسبة تعد إحدى تطبيقات الأمر بالمعروف والنهي
عن المنكر.
وقد يطلق البعض لفظ الحسبة ويريد به الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ويجعلهما
لفظين مترادفين. وهذا صحيح إنْ أراد الحسبة بمفهومها العام فيشمل ما كان ولاية
وما كان غير ذلك. أما إنْ أراد الحسبة بوصفها ولاية من ولايات الدولة الإسلامية
ففيه نظر؛ لأن الحسبة بهذا الوصف تعد إحدى تطبيقات الأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر.
فالأمرُ بالمعروف والنهي عن المنكر أعمُّ وأوسعُ مدلولاً من الحسبة إذا قُصِرت
على بعض الجوانب كمراقبة الأسواق وما يتعلق مثلا بالحرفيين وأهل الصنعة.
وقد تكون الحسبة أعم وأوسع إذا نظرنا إليها بمفهومها الواسع وأنها تشمل الأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر إذا نظرنا إلى عمل المحتسب وأنه لا ينحصر في جانب
واحد من جوانب الحياة، بل يشمل الجوانب العقدية والعبادية والاجتماعية
والاقتصادية وغيرها.
فالعلاقةُ بين الحسبة وبين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هي علاقة عمومٍ
وخصوصٍ وترادفٍ, فتارة عند الإطلاق تكون الحسبة أعم. وتارة يكون الأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر أعم، وتارة يكونان مترادفين. والعلم عند الله تعالى.
ثالثاً: فضل الحسبة وأهميتها:
يتبينُ فضلُ الحسبةِ وأهميتُها من عدة وجوه أهمها ما يلي:
- أنه قد جاء الأمرُ بها:
في قوله تعالى: ﴿ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن
المنكر وأولئك هم المفلحون ﴾.
وفي قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المرفوع عن أبي سعيد "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده،
فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان". رواه مسلم
- أنها سببٌ لخيرية هذه الأمة:
في قوله تعالى: ﴿ كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر
وتؤمنون بالله ﴾ فبين الله تعالى أن من أسباب خيرية هذه الأمة قيامها بالأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر. وجاء عن أبي هريرة -رضى الله عنه- في تفسيره لهذه
الآية قوله: "خيرُ الناس للناس، تأتون بهم في السلاسل في أعناقهم حتى يدخلوا في
الإسلام". رواه البخاري. وقال ابن كثير موضحاً هذه الصفة من صفات المؤمنين:
(ينفعون خلق الله، ويرشدونهم إلى طاعة الله بأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر،
مع العلم بما ينبغي فعله ويجب تركه وهو حفظ حدود الله في تحليله وتحريمه علماً
وعملاً، فقاموا بعبادة الحق ونصح الخلق). وقال القرطبي عن هذه الآية: (إنها
مدحٌ لهذه الأمة ما أقاموا ذلك واتصفوا به فإذا تركوا التغيير وتواطؤا على
المنكر زال عنهم اسم المدح ولحقهم اسم الذم وكان ذلك سبباً لهلاكهم).
- أنها من أخص أوصاف النبي صلى الله عليه وسلم:
قال تعالى: ﴿الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في
التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات﴾, يقول
ابن كثير: (هذه صفة النبي صلى الله عليه وسلم في الكتب المتقدمة).
- أنها من أخص أوصاف المؤمنين:
قال تعالى: ﴿والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن
المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله
إن الله عزيز حكيم﴾. وعلى العكس من ذلك جاء وصف المنافقين قبل هذه الآيـة
فقــال: ﴿المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف
ويقبضون أيديهم...﴾ قال القرطبي: (فجعل تعالى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
فرقاً بين المؤمنين والمنافقين، فدل على أن أخص أوصاف المؤمنين الأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر، ورأسها الدعاء إلى الإسلام والقتال عليه).
- أن من تركها فهو معرض للعن والعذاب:
قال تعالى: ﴿لُعِن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن
مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون ! كانوا لا يتناهون عن منكرٍ فعلوه لبئس ما
كانوا يفعلون﴾. قال ابن النحاس: (وهذا غاية التشديد ونهاية التهديد عن ترك
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إذ بين سبحانه أن السبب في لعنهم هو ترك
التناهي عن المنكر، وبين أن ذلك عصيان منهم واعتداء، وأن ذلك بسبب الفعل
فاعتبروا يا أولي الألباب). وقال تعالى: ﴿واتقوا فتنة لا تُصيبَنَّ
الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب﴾. وقال صلى الله عليه وسلم: "ما من قوم يعمل فيهم
بالمعاصي هم أعز منهم وأمنع لا يغيرون إلا عمهم الله بعقاب". رواه ابن ماجه وهو
في صحيح سنن ابن ماجه والنصوص في هذا المعنى كثيرة وواضحة جداً.
- أن مصالحها كثيرة, وفوائدها عديدة:
تتبين أهمية الحسبة كذلك من خلال النظر إلى الفوائد والمصالح العائدة منها، من
صيانة لحدود الله وحفظ لأحكام دينه، واتضاح للمفاهيم الصحيحة بحيث لا يشتبه
المعروف بالمنكر، والمنكر بالمعروف. إلى غير ذلك من الفوائد التي إما أن تكون
عائدة إلى الآمر والناهي القائم بالحسبة، أو تكون عائدة إلى المأمور والمنهي،
أو تكون عامة وهي كثيرة لا تخفى.
رابعاً: أركان الحسبة:
أركان الحسبة أربعة:
1. المحتسِب : اسم فاعل من احتسب، ويقصد به القائم بالحسبة.
2. المحتَسب عليه: وهو من تقع عليه الحسبة بأمره بالمعروف أو نهيه عن
المنكر.
3. المحتَسب فيه: وهو المعروف الذي يؤمر به، أو المنكر الذي يُنهى عنه.
4. المحتسب به: والمراد به الوسيلة التي يحتسب بها المحتسب على الناس، وقد
يشار إليها في كتب الحسبة بمراتب الاحتساب.
وأمثِّل لهذه الأركان بمثال، فأقول: لو أن رجلاً لا يحضر الصلاة في المسجد
فوعظه رجلٌ على ما فعل.
- فالمحتسِب: هو الواعظ.
- والمحتسب عليه: هو الرجل التارك للصلاة في المسجد.
- والمحتسب فيه: هو ترك الصلاة في المسجد.
- والمحتسب به: هو الوعظ.
|