البعد الأخلاقي للنشاط الاقتصادي
الإسلامي
- الدكتور/ أسامة أحمد
عثمان - 15/02/1428هـ
في مقال له في "الاقتصادية" نشر في العدد 4878 أوضح الدكتور/
سامي السويلم أن لعقود التبرعات في الإسلام كالقرض والكفالة
والضمان وإنظار المعسر دورًا تمويلياً (غير مباشر) للنشاط
الإنتاجي في المجتمع فضلاً عن دورها الاجتماعي كصورة من صور
الرفق والتراحم في المجتمع المسلم. وهو ملمح لطيف جدًا يبين بعض
مزايا الاقتصاد الإسلامي. إلا أن لقائل أن يقول إن المجتمعات
الإسلامية لا تنفرد بهذه العقود فبعضها على الأقل كالهبة
والأوقاف والوصايا موجودة أيضاً في المجتمعات الأخرى وخاصة
المجتمعات الغربية اليوم. فما ميزتها في الاقتصاد الإسلامي؟
ونقول إن هذا مبدئيًا صحيح إلا أن هناك فوارق مهمة بين المجتمع
الإسلامي والغربي في هذا المجال. أولاً إن بعض هذه العقود وإن
كانت مدفوعة بالدافع الإنساني – الاجتماعي في بعض الأحيان في
المجتمعات الغربية، إلا أنها ليست دائمًا كذلك، فكثيرًا ما تكون
هناك حوافز ضريبية لمثل هذه العقود. أما في المجتمع المسلم فإن
هذه العقود هي عقود تبرع محض، وبالتالي فإن البعد الأخلاقي
والإنساني فيها أقوى وأبين. وثاني هذه الفروق أن بعض هذه العقود
أما أنه لا يكاد يوجد في المجتمعات الغربية أو أنه إن وجد فهو لا
يخلو من مقابل مالي وذلك كعقود القرض الحسن والكفالة والضمان
وإنظار المعسر. وفي هذه الحالة تخرج عن كونها عقود تبرع. وهذا
يعني أن عقود التبرع في الإسلام أوسع وأشمل بكثير فهي تشمل القرض
الحسن، والكفالة والضمان والصدقة والهبة والوصية والأوقاف وإنظار
المعسر والحط من الدين. وثالث هذه الفروق أن لهذه العقود في
الإسلام بعدًا عقائديًا وليست أمرًا استنسابيًا محضًا للفرد أو
الجماعة. ويترتب على هذا تعدد هذه العقود بشكل أوسع عما هو معروف
في المجتمعات الأخرى كما أسلفنا آنفًا. فمثلاً لا يكاد يتصور في
المجتمع الغربي أن يمول نشاط إنتاجي أو حتى استهلاكي عن طريق
القرض الحسن، وإن حدث هذا فهو أمر تقوم به الحكومات (عن طريق
المعونات أو القروض ذات الفائدة المنخفضة) وليس الهيئات المالية
أو الأفراد. ولذلك فإنه حتى في المجالات المشتركة بين المسلمين
وغيرهم فإن مجال هذه العقود هو أوسع عند المسلمين مما هو عند
غيرهم. كما يترتب على البعد العقائدي عند المسلمين لهذه العقود
أن الجانب الاجتماعي والأخلاقي ليس منفصلاً عن النشاط الربحي،
وإنما هما دافعان يعضد أحدهما الآخر. وبعبارة أخرى فإن أحد
الفروق بين المجتمع المسلم وغيره بالنسبة لهذه العقود، أن هذه
العقود في المجتمع غير المسلم هي نشاط اجتماعي أولاً ولكنها ذات
بعد اقتصادي. أما بالنسبة للمجتمع المسلم فإن هذه العقود هي نشاط
اجتماعي واقتصادي معًا وذات أبعاد اقتصادية واجتماعية في الوقت
نفسه. إن وجود البعد العقائدي – الأخلاقي في النشاط الاقتصادي
بينما هو يشجع روح المبادرة الفردية، إلا أنه في الوقت نفسه يوفر
رادعًا ذاتيًا ضد الانتهازية المؤذية. وهذا يعني أن البعد الزمني
لاتخاذ القرارات الاقتصادية في الاقتصاد الإسلامي هو أطول منه في
الاقتصاد الرأسمالي، وهذا يؤدي إلى معدل خصم Discount Rate أقل،
وبالتالي استخدام أمثل للموارد الاقتصادية عبر
الزمن.
والبعد الأخلاقي للنشاط الاقتصادي في الإسلام ذو
شقين: أحدهما البعد السلبي الذي يحرم الربا والغش والغرر والكذب.
والآخر هو البعد الإيجابي الذي شرع عقود التبرع التي سبق ذكرها.
ولقد جادل بعض الفقهاء المحدثين بجواز أخذ الأجرة على الكفالة
والضمان بحجة أنه لا يوجد نص قاطع بتحريم ذلك. وهذا القول هو
خلاف قول الجمهور اليوم، فقد ورد في قرارات المجمع الفقهي الدولي
المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي في دورته الثانية (10 – 16
ربيع الآخر، 1406هـ) ما يلي: "إن الكفالة هي عقد تبرع يقصد به
الإرفاق والإحسان. وقد قرر الفقهاء عدم جواز أخذ العوض على
الكفالة، لأنه في حالة أداء الكفيل مبلغ الضمان يشبه القرض الذي
جر نفعًا على المقرض، وذلك ممنوع شرعًا. قرر المجمع ما
يلي: أولاً: إن خطاب الضمان لا يجوز أخذ الأجر عليه لقاء
عملية الضمان – والتي يراعى فيها عادة مبلغ الضمان ومدته – سواء
أكان بغطاء أو بدونه. ثانيًا: إن المصاريف الإدارية لإصدار
خطاب الضمان بنوعيه جائزة شرعًا، مع مراعاة عدم الزيادة على أجر
المثل، وفي حالة تقديم غطاء كلي أو جزئي، يجوز أن يراعى في تقدير
المصاريف لإصدار خطاب الضمان ما قد تتطلبه المهمة الفعلية لأداء
ذلك الغطاء. والله أعلم..."
كما ورد في المعايير الشرعية
لهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية (المعيار
الشرعي رقم 5 بشأن الضمانات) ما يلي: "لا يجوز أخذ الأجر ولا
إعطاؤه مقابل مجرد الكفالة مطلقًا، ويحق للكفيل استيفاء
المصروفات الفعلية للكفالة، ولا يلزم المؤسسة الاستفسار عن كيفية
الحصول على الكفالة المقدمة إليها من العميل." والحق أن أخذ
الأجرة عن عقود التبرع غير سائغ ليس لمجرد أن الأجرة في هذه
الحالة مظنة للربا وحسب، وإنما لأن الأجرة تخرج العقد عن التبرع
إلى المعاوضة المحضة، وهذا يضعف الجانب الإنساني لهذه العقود.
وإذا شبهنا الزكاة وهي فريضة مالية، وليست عقدًا، لا عقد معاوضة
ولا عقد تبرع، بالصلوات الخمس، فإن عقود التبرع هي أشبه بالسنن
والنوافل في الصلوات، فهي تكمل ما نقص من الفرائض، وتعمق أثرها
إن اكتملت.
*أستاذ الاقتصاد المشارك جامعة الملك فهد
للبترول والمعادن Osama@kfupm.edu.sa |