بسم الله الرحمن الرحيم

 

جباية الزكاة على العقار بعد طول إنتظار

بقلم الدكتور أسامة احمد عثمان *

 

نشرت " الأقتصادية " في عددها رقم 3925 وبتاريخ 22/6/1425هـ الموافق 10/7/2004 خبراً عن موافقة مجلس الشورى على توصيات لجنة الشؤون الإسلامية وحقوق الأنسان بالمجلس بشأن المشروع المقدم من الحكومة لجباية الزكاة على العقار.

 

وقد أثلج صدري وصدر كل محب للشريعة، محب لبلده صدور هذه التوصيات بعد طول إنتظار. وكنت قد ناقشت هذا الموضوع في هذه الصحيفة قبل حوالي عشر سنوات. حيث نشرت لي مقالاً في  العدد 479  و تاريخ 4/2/1415هـ ، بعنوان " إستيفاء الزكاة على العقار وسيلة لكسر الاحتكار."

 

و لمناقشة الموضوع مرة أخرى في ضوء التوصيات الصادرة عن المجلس و لفائدة القارئ فإنه يحسن بنا هنا أن نعيد نشر هذه التوصيات التي أقرها المجلس كلها وهي كما يلي:

 

التوصية الأولى:

 

تقوم وزارة المالية " مصلحة الزكاة والدخل " بجباية الزكاة على الأراضي المعدة للتجارة لصرفها في المصارف الشرعيه.

 

التوصية الثانية:

 

أن تنظم وزارة التجارة و الصناعة بالتنسيق مع الجهات المعنية سوق تجارة الأراضي بما يضبط شؤونها ويساعد على تحقيق جباية الزكاة.

 

التوصية الثالثة:

 

أن يستدل على كون الأرض معدة للتجارة بواحد أو أكثر من الضوابط الآتيه:

 

-         أن تكون الأرض مفتوحة فيها مساهمة عامة.

-         أن تكون الأرض داخل النطاق العمراني، وهي من السعة بحيث لا يتصور عرفاً أن تكون للإستعمال الخاص.

-         أن تكون الأرض خارج النطاق العمراني، وليس هناك ما يدل على أنها تستعمل للزراعة أو غرض غير تجاري.

-         أن يزيد ما عنده من أراض على حاجته الخاصة و حاجة أسرته، أو يتعدد تصرفه في الأرض شراء وبيعاً، و يبين ذلك المعلومات التي يدونها الحاسب الآلي في كتابات العدل.

-         إقرار صاحب الأرض أنها معدة للتجارة.

-         تقديم المخططات السكنية لإعتمادها من قبل تخطيط المدن.

-         فتح باب البيع و الشراء في مخططات الأراضي.

-         أن يعتمد في فرز الأراضي الزراعية من الأراضي السكنيه على المخططات المعتمده من الجهات المختصة و تحديد الغرض منها.

 

التوصية الرابعة:

 

تحدد الجهات المعنية و هي وزارة العدل،و وزارة الشؤون البلدية و القروية،و  وزارة المالية " مصلحة الزكاة و الدخل "، و وزارة الداخلية، الآلية التي تطبق بها المعايير السابقة على الواقع لتلك الأراضي.

 

ويفهم من التوصية الأولى أن مشروع النظام ينصرف إلى الأراضي البيضاء خاصة ولا يشمل المباني، مع أن الأخيرة يمكن أن تكون مشمولة بالتوصيات نفسها تقريباً، وهو أمر يمكن تداركه عند إصدار مرسوم ملكي بإعتماد تلك التوصيات. و ستواجه الجهات المعنيه بتطبيق النظام عند صدوره الأمور التاليه:

 

أولاَ:    مشكلة تقويم قيمة العقار. إذ أنه لاتوجد حتى الآن، وعلى حد علمي، ضوابط و آليات لتقويم العقارات كما أنه قد لا يوجد حتى الآن عدد كاف ممن يمكن أن يطمئن إلى خبرتهم من أجل الوصول إلى تقويم عادل للعقارات، وخاصة أن الأراضي ليست دائماً بيضاء و إنما يطرأ عليها أو على بعضها تطوير و تحسين فيرتفع سعرها أو قد تقل قيمتها بفعل التغيرات العمرانيه و البيئية.

 

ثانياً:   إن تقويم العقار عملية مستمرة تتكرر كل عام طالما كان خاضعاً للزكاة. أي أنه ليس أمراً يحدث مرة واحدة تستقر عنده قيمة العقار وقيمة زكاته.

 

ثالثاً:    إن تداول العقار يمكن أن ينقل ماهو تجاري إلى شخصي و بالعكس، ولذلك وحيث أن الزكاة تتعلق بذمة المالك لا بعين العقار، فإن جباية الزكاة تتطلب متابعة مستمرة لإنتقال العقار من يد إلى يد  و من حال إلى حال.

 

رابعاً:  إن ضابط الحاجة الخاصة للفرد و أسرته، المذكور في التوصية الثانية غير واضح. إذ يتعين على اللجنة المكلفة بوضع آلية تطبيق النظام أن تحدد ماهو ضابط الحاجة الخاصة. و بعبارة أخرى هل يدخل في إعتبار الحاجة الخاصة الوضع الإجتماعي للفرد و الوضع الإقتصادي للمنطقة التي يوجد بها العقار. وهل تتعدد حيازات الحاجة بتعدد أفراد الأسرة القصر؟ بكلمات أخرى، هل ننظر عند تقدير الحاجة الخاصة إلى الوضع الآني للأسره فقط أم ننظر إلى حاجاتها المستقبلية عندما يشب الأولاد عن الطوق؟

 

خامساً: ماهو القول في الأراضي التي تؤجر، أي أنها ليست معدة للبيع ولا للاستغلال المباشر بواسطة مالكيها؟ أحسب أن الزكاة في هذا النوع من العقار هو في غلتها وليس في قيمتها، ولذلك فإنه لن تكون هناك مشكلة في تقويم هذه الأراضي.

 

سادساً: ماهو القول في الأراضي الواسعة التي وصلت إلى مالكيها عن طريق منح ولي الأمر؟ الأصل في هذه الأراضي أنه لا يجوز التصرف فيها عن طريق البيع أو الهبه وذلك لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " عادى الأرض لله ولرسوله، ثم هي لكم فمن أحيا أرضاً مواتاً فهي له وليس للمحتجر حق بعد ثلاث سنين". (رواه أبو يوسف في كتاب الخراج ص 65)، وللفقهاء تفصيل في معنى الأرض الموات.

 

ويفهم من هذا الحديث أن التملك و التصرف في الأرض البيضاء معلق بشرط الإحياء وليس شرط المنح. و أن الممنوح له مؤجل إلى ثلاث سنين للعمل على إحيائها فإن لم يفعل خرجت من ملكه وعادت إلى ولي الأمر. وبالطبع فإنه يمكن إستثناء المنح التي تكون في حدود الحاجة الخاصة من شرط الإحياء وشرط المدة. ولكن مادام الممنوح له لا يجوز له بيع المنحة قبل إحيائها فإنه لا زكاة عليه فيها.

 

و أما ما حصل من التصرف في تلك المنح قبل صدور النظام فأحسب أنه تتوجب جباية زكاته على المالك الأول بأثر رجعي، فالزكاة حق لله لا يسقط بالتقادم.

 

ولتفعيل التوصـيات الصـادرة عـن مـجلس الشـورى فإنه يتوجب على الجـهات المعنيه القـيام بمايلي:

 

أولاً:    إيجاد إدارة في مصلحة الزكاة و الدخل لتقويم العقار. وهذا يتطلب تدريب عدد كبير من الكوادر التي يفترض أن تقوم بالتقويم.

 

ثانياً:   تأسيس بنك معلومات وطني للعقار لمتابعة التطورات التي تحدث في هذا السوق جغرافياً ومالياً. وتشترك في تأسيس هذا البنك وتمويله الجهات المذكوره في التوصيه الرابعة بالإضافة إلى وزارة التجارة.

 

ثالثاً:    ضرورة ربط عملية نقل الملكية و تصفية المساهمات العقارية وتوزيع أرباحها بإظهار شهادة تسديد الزكاة في السنوات السابقة على البيع و الشراء ومنذ العمل بتطبيق نظام جباية الزكاة على العقار.

 

رابعاً:  الحيازات التي تكون للقنية ( أي للحاجة الخاصة ) لازكاة عليها و إنما تزكى مرة واحدة عند البيع. ويترتب على هذا أمر مهم جداً، ألا وهو أنه لا يجب الإنتظار حتى تكتمل خريطة المعلومات حول الحيازات العقارية في البلاد من أجل جباية الزكاة. فأي عقار يباع لا يخلو من أحد أمرين: إما أنه تجاري فتجب فيه الزكاة عاماً بعد عام طالما كان في حوزة مالكه، أو أنه للقنية فتجب فيه الزكاة مرة واحدة عند البيع. و أحسب أنه يمكن تطبيق هذا الحكم على الأراضي التي تنتقل ملكيتها عن طريق الهبة أو الوصية منعاً للتحايل، إلا إذا كانت الهبة أو الوصية في حدود الحاجة الخاصة للموهوب له أو الموصى له.

 

* أستاذ الاقتصاد المشارك

جامعة الملك فهد للبترول و المعادن

الظهران  31261

          osama@kfupm.edu.sa

          http://faculty.kfupm.edu.sa/finec/osama

نشرت في "الاقتصادية"، العدد 3946،السبت 14/6/ 1425هـ ( الموفق 13/7/ 2004م)