القسم الأول >>  خصائص الأخلاق الإسلامية >> مثالية و واقعية

مثالية و واقعية

تعتبر سمة الجمع بين الواقعية والمثالية صفة سائدة في أحكام الإسلام بعامة ، وفي الأخلاق بصفة خاصة ، فهي مع مثاليتها وتساميها تأخذ بعين  الاعتبار واقع هذا الإنسان من حيث تكوينه وقدراته واحتياجاته فلا تطالبه بما فوق طاقته

  ومن مظاهر الجمع بين المثالية والواقعية ما يلي :

الأمانة خلق مثالي حميد يدعو إليه الإسلام ولأجل ذلك وضع الشارع حدا للسرقة حفاظا على هذا الخلق ، إلا أن الجائع لا يعد سارقا إذا سرق ليأكل .

والصدق خلق مثالي حميد يدعو إليه الإسلام ولأجل ذلك حث الشارع عليه ونهى عن ضده وهو الكذب ، ومع ذلك لا يعد الخائف أو المكره ناقضا للصدق إن كذب لينجو من البطش ، ولا يعد طيشا وخروجا عن خلق الحلم إن غضب وثار من استفز أو استغضب ...

وتطبيق مبدأ العدالة في العقوبات أمر لازم لتسكين شهوة الانتقام والغضب مراعاة للفطرة الإنسانية وما فيها من دوافع ، ومع ذلك دعا الإسلام إلى مبدأ العفو والصفح تكرما فقال تعالى  } وجزاء سيئة سيئة مثلها ، فمن عفا وأصلح فأجره على الله {  ، وقال تعالى } وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولإن صبرتم لهو خير للصابرين {   

ويظهر ذلك الترابط جليا بين المثالية والواقعية في الإسلام حين نلاحظ نظرته إلى الإنسان على أنه مركب من روح وجسد ، ولكل منهما متطلباته ، فلأخلاق الإسلامية لا تجعل متطلبات الجسد تطغى على الروح ، ولا متطلبات الروح تطغى على الجسد ، يقول تعالى } ولا تنس نصيبك من الدنيا {

ويقول تعالى } يبني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد ، وكلوا واشربوا ولا تسرفوا ، إن الله لا يحب المسرفين ، قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق ، قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة ، كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون {

وإقرار أن الخطأ واقع فضلا عن كونه متوقعا من كافة الناس ، سواء منهم البر التقي أو الفاجر الشقي ، ولهذا جعل التوبة والإنابة والاستغفار } والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون  {  فهذه قمة المثالية الواقعية التي يطرحها الإسلام .