أهدافنا من تدريس مادة الأخلاق

عرض عام لعناصر الموضوع :

لعل الجواب الأول هو : تأصيل تلك الأخلاق في نفوسنا ؟ وهو الهدف الأول

الهدف الثاني : تأصيل مفهوم قد يغيب عن كثير منا وهو :

أن سوء الخلق سبب للوقوع في الإثم ودخول النار والعياذ بالله 

الهدف الثالث : تأصيل مفهوم آخر قد يغيب عن كثير منا وهو :

الانفصام الذي قد يعيشه بعضنا في التفرقة بين العبادة والأخلاق

فالإسلام وحدة واحدة حتى أن الإيمان الذي هو أساس الدين جُعِل أمرا لا ينفصل ولا يتجزأ عن الأخلاق

الهدف الرابع :    بناء المجتمع المتميز والأمة الفاضلة

 

أهدافنا من تدريس مادة الأخلاق :

سؤال يمكن أن يشارك الجميع في الإجابة عليه ، ما هي أهدافنا من طرح مادة الأخلاق ؟

لعل الجواب الأول هو : تأصيل تلك الأخلاق في نفوسنا ؟

لكن السؤال الذي يطرح نفسه بالمقابل هو : هل يكفي لتأصيل المثل والأخلاقيات العالية طرح الدروس والمواعظ والمحاضرات العلمية ؟

إن العلم ليس تحصيل معلومات سطحية من هنا وهناك ، ولكنه نور يقذفه الله في قلب عبده فيمنحه اليقين والرسوخ ، ويبعد به عن القلق والاضطراب .

إن العلم الحق هو الذي ينير بصيرة صاحبه ، ويجسم أمام عينيه الجزاء ، فيبدو البعيد قريبا ، والغائب حاضرا ، والآجل ناجزا ، فتقوى عزيمته على البر والتقوى وحسن الخلق ، وتضعف رغبته في الإثم والفجور .

فعلم المرء إما حجة له – وذلك إذا عمل به – وإما حجة عليه إذا أصبح مجرد حامل له شأنه شأن اليهود الذين حملوا التوراة كلاما ولم يحملوها عملا ، فكانوا كما قال تعالى : } مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا { .

ومن ثم كان النبي e يستعيذ بالله من العلم الذي لا ينفع  ، وهو العلم الذي ينفصل عن الأخلاق ، لأنه يصبح وبالا على صاحبه ، وقد يكون وبالا على من حوله كذلك .

عن زيد بن أرقم أن  رسول الله  e كان يقول اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل والجبن والبخل والهرم وعذاب القبر اللهم آت نفسي تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع  ومن قلب لا يخشع ومن نفس لا تشبع ومن دعوة لا يستجاب لها   

فهدفنا من طرح هذه المادة ليس مجرد العلم بها ،وإنما تأصيلها في نفوسنا والعمل بها وليس مجرد الوقوف عند سردها و تنميقها وتزينها وحسن عرضها.

 وفي هذا يقول مالك بن نبي :

إن الذي ينقص المسلم ليس منطق الفكرة ، ولكن منطق العمل والحركة ،فهو لا يفكر ليعمل ، بل ليقول كلاما مجردا..ومن هنا يأتي عقمنا الاجتماعي، فنحن حالمون ينقصنا المنطق العملي

فنحن أحوج ما نكون إلى هذا المنطق العملي في حياتنا لأن العقل المجرد متوافر في بلادنا ، غير أن العقل التطبيقي الذي يتكون في جوهره من الإرادة والانتباه فشيء يكاد يكون معدوما.

ولنضرب مثلا واقعيا من حياتنا اليومية : كيف يتصرف ، كيف ينفق ماله،كيف يستغل علمه ، كيف يصل إلى غاياته  .......

إننا نرى في حياتنا اليومية جانبا كبيرا من ( اللافاعلية ) في أعمالنا ، إن لم يحفها الطيش و العبث ...

وإذا ما أردنا حصرا لهذه القضية فإننا نرى سببها الأصيل في افتقادنا للضابط الذي يربط بين عمل وهدفه بين سياسة ووسائلها ، بين فكرة وتطبيقها ، بين الثقافة ومثلها ، فسياستنا تُجهل وسائلها ، وثقافتنا لا تعرف مثلها العالية ، وكل ذلك يتكرر في كل عمل نعمله وفي كل خطوة نخطوها .

 

الهدف الثاني :

تأصيل مفهوم قد يغيب عن كثير منا وهو :

أن سوء الخلق سبب للوقوع في الإثم ودخول النار والعياذ بالله 

ولبيان ذلك نذكر بعض الأحاديث التي تبين لنا ذلك المفهوم :

- (دخلت امرأة النار في هرة حبستها ؛ لا هي أطعمتها ، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض )

- وعن أبي هريرة t قال جاء أناس للنبي فقالوا : يا رسول الله إن فلانة تُذكَر من كثرة صلاتها وصدقتها إلا أنها   تؤذي جيرانها  بلسانها ، قال هي في النار ، قالوا يا رسول الله فإن فلانة تذكر من قلة صيامها وصلاتها وأنها تتصدق بالأثوار من الأقط ولا   تؤذي جيرانها  ، قال هي في الجنة .    

رواه أحمد والبزار وابن حبان في صحيحه

الأثوار بالمثلثة جمع ثور وهي قطعة من الأقط ، والأقط بفتح الهمزة وكسر القاف وبضمها أيضا وبكسر الهمزة والقاف معا وبفتحهما هو شيء يتخذ من مخيض اللبن الغنمي             

وعن أبي هريرة أن رسول الله  e  قال : أتدرون ما المفلس ؟  قالوا : المفلس  فينا من لا درهم له ولا متاع . فقال : إن المفلس  من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ... ويأتي قد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار            صحيح مسلم ج: 4 ص: 1997

     وبهذا يتبين لنا أن سوء الخلق سبب للوقوع في الإثم ودخول النار

 

الهدف الثالث

تأصيل مفهوم آخر قد يغيب عن كثير منا وهو :

الانفصام الذي قد يعيشه بعضنا في التفرقة بين العبادة والأخلاق

صلاتنا عشرة على عشرة وبعد خروجنا من الجامع يكون الواحد منا بمنأى عن الأخلاق والمثل و المبادئ

وقد يقول بعضنا : أخلاقي شيء وعبادتي شيء آخر

فينتج عن ذلك الانفصام صنفان من الناس

                 *عابد سيء الخلق        * أو حسن الخلق سيئ العبادة

ولأجل ذلك نقول إن هدفنا من طرح هذه الجوانب المتعلقة بالأخلاق هو القضاء على هذا التصنيف الذي يرفضه ويمقته الإسلام ، فديننا لا يوجد فيه انفصال بين الأخلاق والعبادة ، والإسلام وحدة واحدة ، حتى أن الإيمان الذي هو أساس الدين جُعِل أمرا لا ينفصل ولا يتجزأ عن الأخلاق ‘ والأحاديث في ذلك أكثر من أن تحصى : فمنها قوله e  ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه )

و قال  e  : ( والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن . قيل : من يا رسول الله قال : الذي لا يأمن جاره بوائقه )  صحيح البخاري

و قال  e  : ( الإيمان بضع وسبعون شعبة : أعلاها شهادة ألا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذا عن الطريق ، والحياء شعبة من شعب الإيمان  ...)

فهدفنا من عرض هذه المادة معرفة أنها جزأ من الإيمان

فلا يكون المؤمن مؤمنا إلا بالأخلاق

وإذا استقرأنا آيات القرآن التي فيها ذكر صفات المؤمنين نجد أنها تذكر عبادتهم و تتبعها بذكر صفات أخلاقية ، وذلك يؤكد لنا أمرين :

·   مدى الترابط بين الإيمان والخلق .

·   وأن نتاج العبادة الأخلاق

يقول تعالى :( قد أفلح المؤمنو الذين هم في صلاتهم خاشعون ، والذين هم عن اللغو معرضون ، والذين هم للزكاة فاعلون ، والذين هم لفروجهم حافظون، إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين ، فمن ابتغى وراء ذلك فؤلائك هم العادون )

و يقول تعالى :  } وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما {

والنتيجة : أنه لا انفصام بين العبادة والأخلاق ،   بل إن الهدف من جل العبادات تكوين الخلق السوي عند المسلم

فالهدف الأسمى لكل عبادة أن يكون خلقك سويا منضبطا ، ولا قيمة لعبادة من العبادات لا تؤدي لانضباط الأخلاق ولنضرب بعض الأمثلة على ذلك :

الصلاة :   } وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر والبغي .... {

في الحديث القدسي يقول  الله عز وجل : " إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع  بها لعظمتي ولم يستطل على خلقي ولم يبت مصرا على معصيتي وقطع النهار في ذكري ورحم المسكين وابن السبيل والأرملة ورحم المصاب " رواه البزار

 

الصدقة :  يقول تعالى } خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها .. {   التزكية ما هي ؟

هي التربية على حسن الخلق ، لأن من يتصدق يتعلم ( الرحمة – الكرم – ترك الكبر ...)

بل إن النبي e علمنا نوع آخر من الصدقة ( صدقة الأخلاق ) حيث يقول e : ( تبسمك في وجه أخيك صدقة ) - وهذا ينفع لمن يريد التصدق وليس لديه مال - ماذا ينجم عن هذا النوع من الصدقة ( التبسم) ينجم عنه الألفة والمحبة والإخاء والرحمة

الصيام :  عن أبي هريرة t أن رسول الله  e  قال : ( إذا كان يوم صيام أحدكم فلا يرفث ولا يفسق وإن امرؤ قاتله أو شاتمه  فليقل إني صائم  مرتين) فالصيام الهدف منه أن يجعلك إنسان ذو أخلاق سوية

الحج :   يقول تعالى } الحج أشهر معلومات ... فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج {

فالحج تدريب قاس على تعلم حسن الخلق ، فالازدحام وعناء السفر والمشقة ... كل ذلك مدعاة للوقوع في الخطأ  ، وأن يبقى المسلم مدة 20 يوما وهو متمسك بتلك الأخلاق يعد تدريبيا قاسيا لانضباط أخلاق الإنسان ، ولأجل هذا قيد الحج بفترة زمنية محددة ليزاحم بعضهم بعضا ويظهر تحملهم وصبرهم وتتجلى أخلاقهم ،      فإذا استطاع الإنسان أن يضبط أخلاقه في وسط هذا الحشد الهائل من الناس فمن السهولة عليه أن يضبط أخلاقه بين أصحابه أو في وسط أهله

  والنتيجة : هي أنك إذا أردت أن تعرف مقدار إيمانك في القلب ؛ أنظر إلى مقدار التزامك بالأخلاق ، فيظهر لك مدى قربك أو بعدك عن الله .

 

الهدف الرابع :       بناء المجتمع المتميز والأمة الفاضلة

ولن يكون هذا التميز إلا بالانضباط والالتزام بالقيم العالية والمبادئ السامية والأخلاق  الرفيعة إنما الأمم الأخلاق ما بقيت** فإن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا

ولن نكون أمة متميزة وهذا حالنا ، ولن نكون أمة متميزة وبيننا نماذج مشوهة وممقوتة تخسف بالمجتمع إلى هاوية الضياع والصغار والهوان .

كيف تكون أمتنا أمة متميزة وفينا قلة الأمانة وعدم العدل وتفشي الرشوة وعدم الانضباط ...

فلنحاول جاهدين تطبيق ما نتعلمه أولا بأول ، وليركز الواحد منا على ما لديه من أخلاق وخيمة ويجتهد في التخلص منها .