بسم الله الرحمن الرحيم

ندوة "الاقتصادية" حول سوق الأسهم السعودية

دروس  و ملاحظات

 

بقلم الدكتور/ اسامه احمد عثمان

استاذ الاقتصاد المشارك

قسم المالية والإقتصاد

جامعة الملك فهد للبترول والمعادن

osama@kfupm.edu.sa

http://faculty.kfupm.edu.sa/finec/osama

 

 

 

ألقيت في الندوة المشتركة لصحيفة "الاقتصادية" و البنك السعودي البريطاني في مقر الغرفة التجارية بالدمام مساء يوم السبت 24/04/1425هـ الموافق 12/06/2004م.

 

  إن الوظائف الرئيسية لأي سوق مالية هي:

أ‌-       أيجاد آلية لتجميع المدخرات لتمويل الطلب على الاستثمار.

ب‌-  إيجاد آلية لتسييل المدخرات  عند الحاجة بيسر و سهولة.

جـ- إيجاد آلية لإعادة توزيع الثروة في المجتمع.

 

يمكن الافتراض و بشيء من التجاوز, أن السوق المالية يمكن أن تقوم بالوظيفتين الأوليين بصورة ايجابية دائما. ولكن الحال بالنسبة للوظيفة الثالثة ليس دائما كذلك . إذ أن حركة السوق المالية يمكن أن ينتج عنها إعادة توزيع سلبية واسعة للثروة لأناس على حساب آخرين. و الحقيقة أن المضاربة في هذا السوق ليست إلا كذلك . و قد يكون هذا التوزيع إيجابيا إذا نتج عنه تحسين مصادر الثروة لمن هم أقل دخلا و ثروة في المجتمع.

ولكن لما كانت احتمالات التوزيع السلبي قائما دائم، فإن من مهمة المشرّع و المراقب للسوق اتخاذ الاحتياطات اللازمة لتقليل فرص ومقدار هذه السلبية. و لذلك فإنني أرى و نحن على وشك تطبيق نظام جديد للسوق المالية أن تقوم مؤسسة النقد بتغليب الوظيفتين الأوليين على حساب الوظيفة الثالثة.   و سأشرح فيما بعد بعض الإجراءات الممكنة لفعل ذلك

 

السيولة و تزايد ظاهرة المديونية في بلادنا:   إن المضاربة في السوق المالية تعتمد على عدة عوامل   منها حجم النمو في السيولة و هامش التذبذب المسموح به.  وتوضح إحصائيات مؤسسة النقد الأرقام التالية:

 

 

 

 

 

 

  

و هذا يعني أن معدل النمو في السيولة في اقتصادنا   في العامين 2002 و 2004 كان كبيرا جدا، قياسا إلى الأعوام التي سبقتهما. إن النمو الكبير في السيولة و وجود هامش كبير مسموح به لتذبذب سعر السهم في سوق ضيقة قاعدته يمكن أن تفسر إلى حد كبير الفورة الأخيرة في سوق الأسهم.  كما أن هذه السيولة تفسر الفورة الملاحظة في سوق العقار، هذا بالإضافة إلي التوقعات بإمكانية الكسب السريع في كلا السوقين

 

وقد أوردت شركة فيزا العالمية في تقريرها المنشور في ديسمبر 2002 أن حاملي بطاقة فيزا في السعودية هم الأكثر إنفاقا ً باستخدام بطاقات الائتمان في منطقة الشرق الأوسط. إذ وصل مجموع ما أنفقوه بنهاية عام 2002، 19 بليون دولار وهو ما يشكل زيادة مقدارها 30 % عن العام الذي قبله. كما أن هذا الرقم يشكل حد نصف مجموع الإنفاق في المنطقة باستخدام بطاقة فيزا والذي وصل عام 2002 إلى 40بليون دولار.

و من ناحية أخرى تشير الإحصائيات المحلية ( الاقتصادية العدد 3781، 17 فبراير 2004) إلى أن القائمة السوداء لدى البنوك السعودية وصلت إلى 140 ألف عميل. مما يشير إلى تزايد كبير في المديونية في المجتمع.

 

 

     بعض الإجراءات الممكنة للحد من إحتمال تكرار إنهيار اسعار الأسهم:

 

   يمكن اتخاذ الإجراءات ا لتالية وربما ضمن إجراءات أخرى:

أ‌-       تضيق هامش التذبذب لأسعار الأسهم من 10% يوميا إلى نسبة أقل كسبعة أو ستة أو خمسة بالمئه. و يمكن عمل ذلك بعدة طرق، سأشرحها فيما بعد

ب‌-   وضع سقف أعلى لما يمكن أن يمتلكه أي شخص طبيعي أو معنوي و أقاربهم من الدرجة الأولى و الثانية من اسهم أي شركة .

ت‌-   جـ- الإعلان عن حجم تعاملات أي مضارب طبيعي أو معنوي إذا تجاوزت حدا معينا خلال يوم واحد أو فترة زمنية معينة كشهر أو أسبوع و ذلك حتى يتبين المتعاملون في السوق مصدر أو مصادر الحركة في السوق.  إن نظام السوق المالية يجب أن يوضح الآلية أو الشروط التي يمكن أن تحـقق بها الــعدالـة والشفافية.

 

د- بيع أسهم الدولة في الشركات بالمزاد العلني و بالتدريج وذلك حتى تتحصل الدوله على أعلى عائد ممكن من بيع سهمها وبالتالي يضيق مجال المضاربة عليها.

هـ- أن تتناسب كمية الأسهم المباعة عكسيا مع كمية الأسهم المكتتب فيها.

 

تضييق هامش التذبذب في أسعار السوق:  و يمكن أن يتم بواحدة أو أكثر من طرق أربع:

 

        ‌أ-            إما تضييق الهامش الحالي بصورة دائمة ثم ترك السوق يتحرك ضمن هذا النطاق.

   ‌ب-            أو ترك الهامش الحالي كما هو مع تضييق الهامش بصورة تدريجية و مؤقتة عند وجود أو احتمال وجود اضطراب واسع في السوق.

     ‌ج-            أو إيقاف التداول و إغلاق السوق تماما ً لساعات أو لمدة يوم واحد أو يومين في حالة وجود اضطراب واسع في السوق.

       ‌د-            اتخاذ هامش تذبذب أسبوعي بحيث يكون الهامش ا ليومي هو 10% مثلا ً، ولكن لا يزيد هامش التذبذب في الأسبوع عن 35% ، إتباعا ً لقاعدة "الثلث والثلث كثير".

 

 

وربما يكون من المستحسن فرض بعض القيود على التسهيلات البنكية التي تقدم بغرض المضاربة في السوق مؤقتا و لعدة أشهر ريثما تجري إعادة تقييم للوضع و معرفة المصادر الحقيقة للأخطار المحيقة بالسوق ووضع المزيد من الضوابط للتعامل في السوق بيعا و شراء واقتراضا ويستثنى من ذلك الاكتتابات في الأسهم التي تطرح لأول مرة، لأنها تباع بالقيمة الاسمية، وبالتالي فإنها المخاطرة فيها أقل. و إذا كان ولابد من استمرار البنوك في تمويل شراء الأسهم فليكن ذلك بصيغتي المشاركة و المضاربة وليس بصيغة المداينة.  إن الكثير مما سيحدث في المستقبل يعتمد على السياسة التي ستتبعها مؤسسة النقد.

 

 

المساهمون الصغار وطرق تمويلهم :

 

1-    لا أرى اللجوء إلى الاقتراض فمن اشترى مالايحتاج إليه، باع ما يجتاج إليه

2-    إن كان و لابد فليقم المقترض بعملية تسوق من خلا سؤال مختلف البنوك عن أسعار التمويل و بقية شروط التمويل وقد يكون هامش الاختلاف بين بنك و آخر ليس قليلا .

3-    إذا كان المضارب غير خبير بالسوق فليعهد بذلك إلى جهة أكثر خبرة , ويستحسن أن يكون ذلك هو البنك الذي اقترض منه , لأن البنك سيشعر أن الأموال التي يديرها إنما هي في الحقيقة أمواله هو , حتى ولو لم يشترط البنك ذلك .

4-    و رابعة حسنة جميلة و هي أن يكون التمويل إسلاميا فهو أرضى لربك و أصفى لقلبك. ومن مميزات التمويل الإسلامي أيا كانت صيغته أن التزام المتمول تجاه الممول في حالة العجز عن السداد لا تتزايد بمرور الزمن بخلاف التمويل الربوي. ولو لم يكن للتمويل الإسلامي من حسنة أو ميزه على التمويل الربوي إلا هذه لكفته, خاصة في سوق تتميز بارتفاع درجة المخاطرة فيها.

5-    الاكتتاب في شركة الصحراء للبتروكيماويات و الذي غطى المبلغ المطلوب (300مليون ريال) بحوالي 123 مرة دليل على أن الناس لم تفقد ثقتها في السوق, ولكنهم بحاجة إلى ما يخفف جراحهم و يطمئنهم أكثر في المستقبل. و الحقيقة أن الاكتتاب بمقدار37مليار ريال في شركة واحدة يدل على وجود وفرة هائلة في السيوله .

 

 

وأذكر أنني حضرت محاضرة للبروفيسور ميرتون ميللر Merton Miller (الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد)    يذكر فيها أنه كثيرا ً مايسأل عن أفضل المواد التي يجب أن يسجل فيها الطالب حتى يجيد التعامل في السوق المالية، ويكون جوابه " بإمكانك أن تأخذ من المواد ما تشاء و تدخل السوق طالما كنت على استعداد لتحمل المخاطر ". ورغم مافي الاجابة من مبالغة ، إلا أن البروفيسور ميللر اراد ابراز حقيقة ان درجة المخاطرة في السوق المالية وبما تكون أعلى منها في أي سوق آخر.

ومن الطرائف ايضا أن شركة long Term Capital Management وقد كانت أحدى أكبر الشركات المالية في أمريكا حققت خسائر كبيره عام 1998 كادت تودي بها وأدت إلى تدخل البنك الاحتياطي الأمريكي، وذلك بالرغم من وجود إثنين من الحاصلين على جائزة نوبل في الاقتصاد في إدارة الشركة وهما روبرت ميرتون Robert Merton وميرون شولز Myron Scholes. وقد حصلا على جائزة نوبل عام 1997.