بسم الله الرحمن الرحيم

 

الآثار المتوقعة لانضمام المملكة  إلى منظمة التجارة الدولية

بقلم/ د. أسامه  أحمد عثمان*

 

تدور منذ عدة سنوات مفاوضات شاقة بين المملكة العربية السعودية و منظمة التجارة الدولية (WTO ) من أجل مناقشة الشروط و المزايا المتوقعة لانضمام المملكة  إلى تلك المنظمة. ويهدف دستور المنظمة إلى تسهيل انسياب تجارة السلع والخدمات بين الدول الأعضاء وذلك بإزالة أو تقليل العوائق أمام التجارة الدولية من رسوم جمركية ، أو معونات للمنتج المحلي أو المستورد أو أنظمة تتعلق بالاستثمار الأجنبي و مجالاته وشروطه . وهذه العوائق تؤدي إلى أن تكون الأسعار الفعلية للسلع والخدمات مختلفة عن أسعارها وتكلفتها الحقيقة في ظل تجارة محررة من العوائق . وهي نتيجة  أن أسعار العوامل الإنتاجية هي أيضا تخالف تكلفتها الحقيقية . وهذا يؤدي إلى زبادة المنتج محليا على حساب ما يمكن أن يستورد بتكلفة اجتماعية أقل .  ولذلك نقول أن المعنى أو الأثر الأول للانضمام إلى منظمة التجارة الدولية هو أن على المنتجين المحليين إعادة تقييم أسعار عوامل الإنتاج التي يستخدمونها , وبالتالي إعادة النظر في ما ينتج وكم ينتج منه .مما ينتج عنه تحويل تلك العوامل إلى مجالات أخرى

 

ومن الناحية النظرية فإن فتح باب التجارة يؤدي إلى مزيد من إنتاج السلع والخدمات التي تعتمد على عوامل إنتاج  تتوفر نسبيا أكثر من غيرها . كما يؤدي إلى تقلص إنتاج السلع التي تعتمد على عوامل إنتاج ذات ندرة نسبية.

 

       وإذا أردنا تطبيق هذه النظرية فإنني أتوقع أول الصناعات المحلية تضررا من الانضمام إلى منظمة التجارة الدولية هي الصناعات التي يشكل الماء عنصرا هاما في إنتاجها . وأعني بذلك القطاع الزراعي بصفة عامة والصناعات الغذائية كالألبان والدواجن والمشروبات الغازية . لا بل لقد تأثر القطاع الزراعي دون انتظار  انضمام المملكة الفعلي للمنظمة ، وذلك حين ألغت الدولة قبل حوالي خمس سنوات الدعم الكبير الذي كانت تقدمه لزراعة القمح . والصناعات الغذائية المذكورة آنفا لا تلبي كل أو بعض الاستهلاك المحلي وحسب ، ولكن بعض إنتاجها يصدر  إلى دول مجاورة . وتصدير أو استيراد سلعة أو خدمة ما يعني فعل نفس الشي بالنسبة لمكونات تلك السلعة أو الخدمة . وهذا يعني أن تلك الصادرات تؤدي إلى تصدير أندر عوامل الإنتاج عندنا وهو الماء  . لا بل إن صناعة كصناعة المشروبات الغازية تعاني صعوبة كبيرة في تصريف إنتاجها نتيجة ازدياد الطاقة الإنتاجية لتلك الصناعة محليا وإقليميا . وتلك سلعة مكونها الرئيسي هو الماء بالإضافة إلى كمية هائلة من السكر في مجتمع ترتفع فيه نسبة المرضى بمرض السكري . على أن ندرة الماء في بلدنا لا تعني أنه لا يمكن أن نزرع شيئا ذا بال . فزراعة النخيل أمر يناسب طبيعة البلاد تماما وهناك كثير من الصناعات التي يمكن أن تقوم على زراعة النخيل ، وهي ليست محصورة في تعبئة التمور . و ربما تستفيد صناعة البتروكيماويات عندنا (شركات سابك) من الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية إذا قام شركاؤنا التجاريون في الدول الأخرى بتخفيف عوائق التجارة من جانبهم . هذا مع ملاحظة أن سابك أصبحت مثقلة نوعا ما بالديون مع ازدياد الطاقة الإنتاجية للبتروكيماويات في إنحاء أخرى من العالم . ومن المؤسف أن اتفاقية المنظمة لا تشمل صناعتي البترول والغاز ولذلك فإن الدول المستوردة لهما تستطيع دائما فرض ما تشاء من ضرائب على تلك المستوردات . والمشكلة الرئيسية في تصدير الغاز هي في تكلفة نقله العالية جدا . ولذلك فإن استخدام الغاز في الصناعة المحلية قد يكون أجدى اقتصاديا .

 

لقد كانت الزيادات الأخيرة في أسعار بعض الخدمات والسلع الأساسية والتي تم العمل بها يوم 18 محرم الماضي ، أحد الآثار المترتبة على طلب الانضمام لمنظمة التجارة العالمية . ولكن ذلك ليس السبب الوحيد . فهناك العجز المستمر في ميزانية الحكومة منذ اكثر من عشر سنوات ، وهو عجز لا يتوقع له أن يختفي قريبا . كما هناك حاجة إلى ترشيد استهلاك  بعض السلع والخدمات . ولكن درجة تحمل الآثار المترتبة على هذه الإجراءات تختلف باختلاف دخول وثروات الأفراد والأسر . ومن أجل التخفيف على ذوي الدخول الضعيفة فلا بد من اتخاذ إجراءات إضافية  ، منها وضع حد أدنى للأجور يشمل السعوديين وغير السعوديين على السواء . وإلا فإن تفضيل العامل غير السعودي سيستمر . كما أنه يجب إدخال نظام الضريبة السلبية (Negative Income Tax) . وهي معونة لذوي الدخل المحدود السعوديين تتناسب مع حجم الأسرة ودخلها . ومن أجل تمويل هذه الضريبة - المعونة فإنه لا بد من تفعيل نظام جباية الزكاة على الأفراد وخاصة على الحيازات العقارية والأوراق المالية . كما يمكن فرض ضريبة مبيعات على الكماليات مثل المجوهرات والسيارات الفارهة ، وخاصة عندما تزيد عن الحد الطبيعي اللازم لحاجة الأسرة .

 

       ومن أجل تحقيق الفائدة المرجوة من الانضمام الى منظمة التجارة الدولية وغيرها من الإجراءات الاقتصادية فلا بد من اتخاذ إجراءات إضافية . وأول هذه الإجراءات أسلمة النظام البنكي وتفعيله . فبالرغم من أن القطاع البنكي هو أكثر القطاعات الاقتصادية ربحية ، لأسباب ليس هنا محل مناقشتها ، إلا أن ذلك القطاع يتمتع بفائض كبير في "الطاقة الإنتاجية" . إذ تبلغ نسبة رأس المال و الاحتياطي إلى  الودائع حوالي 21%  .وهي ثلاثة أمثال النسبة المطلوبة بموجب إتفاقية بازل . وأهم أسباب هذا الفائض هو عزوف قطاع كبير من المواطنين عن التعامل بالربا . ثم أنه لا بد من إدخال شيء من المرونة على سعر صرف الريال ، وتحسين معدل إنتاجية الفرد ، وتخفيف العوائق أمام الاستثمار الأجنبي ، وإزالة العوامل المؤدية إلى نشوء احتكارات في كل قطاع من قطاعات الاقتصاد .

 

 

*د. أسامه أحمد عثمان

أستاذ مشارك قسم المالية والاقتصاد

جامعة الملك فهد للبترول والمعادن الظهران 31261

osama@ kfupm.edu.sa