بسم الله الرحمن الرحيم

 

سداد الديون أولى من توزيع الأرباح

بقلم الدكتور أسامة احمد عثمان *

 

أوردت صحيفة " الشرق الأوسط" (العدد 7743 وتاريخ 3 ذو القعدة 1420هـ) تصريحا لمعالي وزير الصناعة والكهرباء مفاده أنه نتيجة لدمج شركات الكهرباء  في المملكة في شركة واحدة والسير قدما في مجال التخصيص فإن إيرادات صندوق رسم الكهرباء ، والتي يتوقع أن يبلغ مجموعها في نهاية شهر ذي القعدة من عام 1420 هـ 11مليار ريال ، ستوزع على المساهمين على شكل أسهم مجانية بحيث يتوقع أن يحصل المساهم الذي يحمل مائة سهم على أربع وأربعين سهما إضافيا . وكان رسم الكهرباء قد فرض في أول شعبان عام 1415هـ بواقع خمس هللات للكيلوواط.

 

 ويمضى التصريح فيقول بأن الدولة التي تملك نسبة كبيرة من رؤوس أموال شركات الكهرباء قد تنازلات عن حصصها في الأرباح لمدة عشر سنوات ، مشيرا إلى أن ذلك سيساهم في خفض التعرفة مستقبلا. ورغم ضخامة حصيلة الصندوق إلا أن هذا المبلغ يبدوا متواضعا أمام الحاجات التمويلية لقطاع الكهرباء في البلاد في المستقبل وأمام الديون المتراكمة على هذا القطاع .  ولذلك فإنه من المستبعد تماما أن تنخفض تعرفة الكهرباء في المستقبل القريب وذلك نتيجة القيدين الآنفى الذكر . إذ لا بد من أن تزداد الطاقة الإنتاجية لقطاع الكهرباء ولا بد لهذا القطاع من أن يبدأ تحقيق أرباحه بنفسه وأن يستطيع تسديد ديونه قبل أن يفكر القائمون عليه بتخفيض تعرفته .  ومن نافلة القول أن توزيع إيرادات صندوق رسم الكهرباء على المساهمين بشكل عيني (أي على شكل أسهم) وليس بشكل نقدي إنما يؤدى إلى استبقاء هذه الأموال لغرض تمويل زيادة الطاقة الإنتاجية والتوزيعية من الكهرباء .  ولكن هل يمثل هذا التوزيع على المساهمين افضل طريقة للوصول إلى هذا الهدف ؟  ماذا لو أن شركة الكهرباء وزعت هذه الأسهم على الدائنين وخاصة البنوك وذلك كبديل لديونهم الربوية ؟  أي أن تقوم الشركة بتحويل علاقة الدائن بالمدين إلى علاقة المساهم الشريك ؟  إن هذا الإجراء سيترتب عليه شطب ديون شركة الكهرباء بالمقدار الذي دفع للدائنين .  كما أن أثره يمتد إلى إلغاء الفوائد التي تثقل حسابات الشركة طوال عمر الدين. فإذا حصل ذلك انخفضت ديون الشركة بصورة تلقائية وحادة وذلك في نفس الوقت الذي تستبقي فيه الشركة رؤوس الأموال هذه داخلها .

 

وبعبارة أخرى فإن استخدام حصيلة صندوق رسم الكهرباء في تحويل بعض الديون إلى  اسهم سيؤدي إلى نتيجتين إيجابيتين في نفس الوقت هما سد بعض الحاجات التمويلية لشركة الكهرباء الموحدة ، بالإضافة إلى شطب بعض ديونها.  وقد يقول قائل أن الدائنين قد لا يريدون الاستمرار في علاقة شراكة كهذه ، رغم أنه سيبدو أمرا مستغربا ، أو أن النظام لا يجيز لها هذا التملك ، كما في حالة البنوك .  وإذا لم يمكن تعديل نظام مراقبة البنوك بصورة عاجلة ، فإن الدائنين لن يعدموا حيلة للتخلص من هذه الأسهم وذلك ببيعها على الجمهور بسعر السوق .  يبقى سؤال حول كيف سيتم تسعير الأسهم التي ستتقاضاها البنوك مقابل ديونها ؟  إن أول ما يجب أن يتبادر إلى الذهن هو وجوب إعمال الآية القرآنية الكريمة "فإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون" وهذا يعنى أن على الشركة أن تدفع ، وعلى البنوك أن تقبل ، ريالا من شركة الكهرباء مقابل كل ريال من الديون .  أما حساب عدد الأسهم المعطاة للبنوك فيتم إما حسب القيمة الاسمية وفي هذا غمط للدائنين إذا كانت القيمة السوقية أقل من القيمة الاسمية ، وفيه غمط للمساهمين إذا كان الأمر بالعكس .  والخيار الآخر هو أن يتم بيع الأسهم للدائنين حسب القيمة السوقية في يوم التوزيع عليهم .  وهذا أقرب إلى العدل بالنسبة للمساهمين الحاليين والجدد .

 

ويقدر إجمالي الاستثمارات الضرورية في قطاع الكهرباء خلال العشرين عاما القادمة بحوالي 438 مليار ريال أي ما يزيد على 24 مليار ريال سنويا . و أمام ضخامة الاستثمارات المطلوبة فإن إيرادات صندوق رسم الكهرباء تبدو متواضعة جدا .  ولا تحضرني هنا الأرقام حول ديون شركات الكهرباء . وفي تصريح منسوب إلى معالي الوزير في شهر رمضان الماضي (الاقتصادية ، 6 رمضان 1420هـ ، في العدد 2274) بين معاليه أن نظام الشركة الجديدة ينص على أن كل شركة من شركات الكهرباء العاملة حاليا تظل مسؤولة عن القروض المقدمة لها من البنوك ومستحقات المقاولين العاملين لديها .  وهو أمر يبدو غريبا وغير مفهوم .  إذا أن المفروض أن الكيان المعنوي الجديد يرث جميع حقوق والتزامات الشركاء المكونين له !

 

إن تحويل الديون الربوية إلى مساهمات أمر يجب محاولته في حالة كل منشأة . لقد لجأت شركات سابك إلى الديون لتوسيع طاقاتها الإنتاجية في السنوات الأخيرة توسعة كبيرة .  ومن المحزن أن تتناقل الصحف أخبارا عن اضطرار شركات سابك واحدة بعد الأخرى ، و أخرها شركة ابن رشد ، إلى إعادة جدولة ديونها نتيجة الخسائر التي تراكمت عليها في السنوات الأخيرة .  أو لم يكن لسابك وغيرها مندوحة عن الديون بطرح المزيد من الأسهم محليا ، لا بل ودوليا ، مادمنا قبلنا ، لا بل وسعينا نحو اجتذاب رأس المال الأجنبي للاستثمار في بلادنا ؟  إن إعادة جدولة الديون وإن كانت تبدو أنها تعطى الشركات الخاسرة وقتا لالتقاط الأنفاس ، إلا أن الثمن المقابل لذلك هو زيادة التكلفة الحقيقة لسعر الفائدة على الدين . ومن المدهش أن ديون سابك تتوالى صعودا حتى بلغت 28 مليار ريال ، حسب ما أوردته الشرق الأوسط في أحد أعدادها الأخيرة ، في الوقت الذي انخفضت فيه أرباحها بشكل حاد !

 

 

*أستاذ الاقتصاد المشارك

جامعة الملك فهد للبترول والمعادن

  الظهران 31261

     osama@kfupm.edu.sa