بسم الله الرحمن الرحيم

مشروع نظام الضرائب بعد قراءته الإولى

بقلم الدكتور أسامة أحمد عثمان *

 

يناقش مجلس الشورى هذه الأيام موضوع ضريبة الدخل على الشركات الأجنبية. وكان المجلس قد صوت في التاسع من شهر ذي القعدة الماضي على موضوع الضريبة على دخل الأفراد الوافدين. وكلا الموضوعين جزء من مشروع نظام الضرائب المحال من مجلس الوزراء إلى مجلس الشورى. وقد سقط الجزء المتعلق بالضريبة على الأفراد الوافدين بأغلبية كبيرة (73 عضواً من 120). ولكن تصويت المجلس على المشروع لا يعنى إنتهاؤه وقفل باب النقاش حوله. إذ أن نتيجة التصويت على مشروع النظام ككل ستعاد إلى الحكومة (مجلس الوزراء). فإن قبلت الحكومة نتيجة التصويت، أُعتبر الموضوع منتهياً، وإلا فإن الخلاف حوله سيحال للملك للبت فيه.

 

ولاشك أن الأغلبية الكبيرة التي سقط بها مشروع الضريبة على الأفراد الوافدين قد أثارت دهشة كثير من المراقبين، ولذلك فإن من المهم إيراد حجج هؤلاء ومن ثم مناقشتها. يمكن تلخيص حجج المعارضين في النقاط التالية : أولاً: أن هذه الضريبة يمكن أن تؤثر على قدرة الحكومة على إجتذاب بعض الكفاءات الوافدة وذلك لأن القطاع الحكومي أقل مرونة من القطاع الخاص في الإستجابة لمتطلبات السوق. كما قيل إن كثيراً من الكفاءات الوافدة يمكن أن تغادر إلى دول أخرى. ثانياً: إن العمالة التي تخضع للضريبة ستحاول المطالبة برفع أجورها مما يدفع القطاع الخاص إلى تمرير الزيادة في تكلفة العمالة إلى المستهلك. ثالثا: إن المبلغ المتوقع جمعه من هذه الضريبة مبلغ ضئيل وهو يبلغ في بعض التقديرات أربعة مليار ريال. فالمشروع الذى قدمته الحكومة إلى مجلس الشورى ينص على فرض ضريبة مقدارها عشرة بالمئة على الرواتب التي تزيد على خمسة آلاف ريال شهرياً. أي أن الوعاء الضريبي الذي أقترحته الحكومة يعفى مامقداره  ستون ألف ريال سنوياًمن دخل الوافد من أي ضريبة دخل !! وقد قامت اللجنة المالية في المجلس بتخفيض الإعفاء الضريبي المقترح إلى ثلاثة آلاف ريال. رابعاً: إن فرض ضريبة على دخل الوافدين بهذا الشكل فيه تمييز بين السعوديين وغيرهم، خاصة أن نسبة كبيرة منهم هم المسلمين. أي أن المفروض أن يدفع هؤلاء زكاة وليس ضرائب. خامساً: أن التمييز الضريبي بين السعوديين وغير السعوديين يمكن أن يؤثر على موقفنا التفاوضي أمام بعض المنظمات الدولية كمنظمة التجارة العالمية. سادساً: أن الجهاز الإداري للحكومة غير قادر حتى الآن على إدارة نظام ضرائب واسع يشمل أنواعاً عديدة من الضرائب وشرائح متعددة من المكلفين بدفعها.

 

ويمكن الإجابة على هذه الحجج بمايلي، أولاً: أنه ليس صحيحاً أن الجهات المستخدمة للعمالة الوافدة ستتحمل كل العبء الضريبي في نهاية الأمر. وقد يكون هذا صحيحاً في بعض التخصصات ولكن ليس في كل التخصصات.والأمر يعتمد على درجة المرونة النسبية لجانبي العرض والطلب على العمالة. فالطرف الأقل مرونة سيتحمل عبئاً أكبر من الطرف الآخر.ومن المعروف في علم الإقتصاد أن جانب العرض في سوق العمل أقل مرونة من جانب الطلب. أي أن إنخفاضاً في دخل العمالة ينتج عنه إنخفاض أقل في المعروض من العمل. وبكلمات أخرى فإن المكلفين بدفع الضريبة، وهم هنا العمالة الوافدة عموماً، ستتحمل الجزء الأكبر من هذه الضريبة.  وإذا كانت هذه الضريبة ستزيد من تكلفة بعض أنواع العمالة ( ذات المهارات العالية فيما احسب ) على الحكومة، فإن هذه الزيادة يمكن تمويلها من حصيلة الضرائب عموماً. ومن المستبعد تماماً أن تزيد التكلفة الإضافية لأية عمالة على مقدار الضريبة التي تجبى منها .كما أن دعوى إحتمال هجرة كثير من الكفاءات الوافدة إلى دول أخرى ليس دقيقاً. وذلك لأن أقرب الدول شبهاً بالمملكة إقتصادياً وإجتماعياً هي دول مجلس التعاون الخليجي. ولكن الطاقة الإستيعابية لإقتصاديات هذه الدول أقل بكثير من تلك التي لإقتصاد المملكة. ولذلك فإن إن حدثت هذه الهجرة فستكون بقدر محدود. كما أنه ليس من المستبعد أن تحذو دول مجلس التعاون حذو المملكة في فرض ضرائب أخرى لسببين. أولهما تشابه الأوضاع الإقتصادية من ناحية الإعتماد الشديد على إيرادات البترول ووجود العجز في ميزانيات هذه الدول. وثانيها أن توحيد التشريعات المالية سيكون أحد الشروط الضرورية من أجل تحقيق وحدة إقتصادية إقليمية. ثانياً: ولكن ماذا عن القطاع الخاص ؟ لاشك إن مقداراً من الضريبة على دخل العمالة الوافدة سيتحمله أرباب الأعمال بطريقة غيرة مباشرة. ولكن كما أسلفنا آنفاً فإن قدراً من هذه الضريبة ستتحملها العمالة نفسها، هذا فضلاً عن أن القطاع الخاص سيحاول تمرير جزء من هذه الضريبة إلى الحكومة والمستهلكين النهائيين برفع أسعار السلع والخدمات شيئاً ما. ثالثاً: إن الحصيلة المتوقعة للضريبة مهما كانت قليلة ( ونحن نشك في أنها ستكون فعلاً كذلك ) سيكون لها أثر تراكمي هام عبر الزمن على كل من الدين العام والإستثمار الحكومي. ولابد لنا من أن نلاحظ هنا أن المعدل الضريبي المقترح وهو عشرة في المئة هو معدل معقول جداً، لا بل ومتواضع بالنسبة لما هو جار في كثير من الدول. كما أن إعفاء الثلاثة آلاف ريال الأولى من الدخل الشهري للعامل ( ستة وثلاثون ألفاً ريال سنوياً ) من الضريبة يعتبر كرماً حاتمياً في بلد يبلغ المتوسط السنوي لدخل الفرد فيه لعام 2001م ، ثلاثون ألف ريال.

 

على أنه يمكن رفع الحصيلة الضريبية بأحدى طريقتين ( أو بكلاهما معاً ). أولاهما تطبيق أكثر من معدل واحد للضريبة على الدخل بحيث يزيد على 10% في الشرائح العليا من الدخل ويقل عن 10% في الشرائح الدنيا من الدخل.و ثانيهما تخفيض الحد الأقصى  للإعفاء الضريبي من ثلاثة آلاف ريال شهرياً إلى مبلغ أقل كألفي ريال شهرياً مثلاً. وهذا يعنيى بالطبع أن أعداداً أخرى من العمالة ستخضع للضريبة. إن من الملاحظ أن الوعاء الضريبي المقترح لا يتضمن إلا الدخل النقدي المباشر، ولايدخل في ذلك الوعاء الدخل غير النقدي كالسكن والعلاج والإنتقال وتعليم الأولاد. وهذا يفسر جزئياً، بالإضافة إلى ماذكر، تواضع الحصيلة المتوقعة لهذه الضريبة. ولكن الأمر لا يقتصر على ذلك إذ أن إعفاء الدخول غير النقدية يمكن أن يفتح باباً للتحايل الضريبي بتخفيض أحد نوعي الدخل ورفع الآخر. رابعاً : إن القول بأن فرض الضريبة على الوافدين دون السعوديين إجراء تمييزي ليس صحيحاً على إطلاقه. ففي كثير من الحالات تتمتع العمالة الأجنبية ( حتى المنخفضة المهارة منها ) بمزايا لا تتمتع بها العمالة السعودية المناظرة لها في الكفاءة والعمل. و إذا أريدت التسوية بين العاملين في موضوع الضريبة فليطبق ذلك على المزايا أيضاً. خامساً : ويترتب على ماذكرناه آنفاً أن الزعم بأن التمييز الضريبي يمكن أن يخلق مشاكل مع المنظمات الدولية زعم لايقوم على أساس صحيح. سادساً: إن عدم كفاءة الجهاز الإداري الحكومي لا تبرر صرف النظر كلياً عن موضوع الضرائب. فما لايدرك كله لايترك جله. وربما كانت زيادة إيرادات الحكومة أحد الأسباب المساعدة على تطوير هذه الأجهزة. وعلى أية حال فإن تطبيق أي نظام ضريبي لفترة إختبار تتراوح بين أربع أو خمس سنوات ضروري من أجل التحقق من الدعاوي بالأثار السلبية أو الإيجابية لهذه الضرائب.

 

لقد أصبح العجز في ميزانية الحكومة أمراً مزمناً وتصاعد بسببه حجم الدين العام للحكومة تصاعداً كبيراً حتى بلغ قرابة 100%من حجم الدخل القومي. يحدث هذا العجز في الوقت الذي يتصاعد فيه النمو السكاني بمعدلات كبيرة. وتقدر دراسات الحكومة أن عدد طالبى العمل السعوديين سيزيد من 3.2مليون عامل عام 1999م إلى 4 مليون عامل عام 2004م، إلى 8.3 عام 2020م. وهذا يعني معدل زيادة سنوي يقارب 4.7% أي ما معدله 255ألف شخص سعودي سنوياً. وإذا كانت هذه العوامل غير كافية لإقتناع المعارضين للتنظيم الضريبي، فإن الأثار السياسية والإقتصادية المتوقعة للإحتلال الأنجلو-أمريكي للعراق ستشكل عامل ضغط إضافي وكبير على جميع دول المنطقة. لقد أصبح موضوع الضرائب أمر ضرورة لا أمر إختيار. ولكن الأسئلة التي تبرز هنا هي أي نوع من الضرائب؟ وعلى من ؟ وكيف؟وكم؟ ولذلك فإنه لابد من إجراء دراسة شاملة لكل أنواع الضرائب والرسوم والغرامات وأسعار الخدمات التي تقدمها الجهات الحكومية أو شبه الحكومية للنظر فيما يمكن ألغاؤه أو إستحداثه أو التخفيف منه.

 

* أستاذ الإقتصاد المشارك   

جامعة الملك فهد للبترول والمعادن

osama@kfupm.eud.sa