بسم الله الرحمن الرحيم
من هو
الحادي في سوق النفط ؟
بقلم
الدكتور/ أسامة احمد عثمان*
ارتفعت أسعار النفط ارتفاعا كبيراً يصل إلى
قرابة ثلاثة أضعاف ما كانت عليه قبل حوالي عام، حتى لامس سعر برميل برنت حدود
الثلاثين دولاراً . وسادت الدول المصدرة للنفط موجة عارمة من الارتياح بعد
أن أوشكت أن تيأس من احتمال حدوث أي تحسن في الأسعار في المدى المنظور . و في
المقابل فقد كانت هناك موجة من التذمر والسخط في الدول المستوردة له . فما
الذي حدث حتى ارتفعت أسعار النفط بهذا القدر وخلال فترة قصيرة ؟ من الظلم
لدول أوبك أن يقال انه لا يد لها في ذلك بعد أن احتربت دولها في ما بينها وفيما
بينها وبين المنتجين الآخرين على حصص في أسواق النفط الدوليه . فالمشاهد أن
هناك التزاماً بحصص الإنتاج لم يحدث منذ فترة طويلة . و من المعلوم لدى
الخاص والعام أن أوبك لم تفعل ذك وحدها وإنما شاركها منتجون آخرون خارجها وقد برز
تحالف مجموعة الرياض وهي السعودية ، و فنزويلا ، و المكسيك كمنسق لذلك النجاح .
ولكن ما هو السر وراء هذا التنسيق المفاجئ
؟ إن المطلع على الأبحاث الأكاديمية التي نشرت في الغرب حول اقتصاديات
الطاقة عموما وسوق النفط خصوصا يدرك أن ما يجري منذ عشرين عاما أمر قد درس بعمق
وخطط له بحذق ، على الأقل فيما يخص المصالح المنظوره للدول الغربية . فالدراسات
الأمريكية بالذات ترى أن سعراً منخفضا عند عشرة دولارات هو أمر ضار ليس بالدول
المصدرة وحسب ولكنه ضار بالدول المستوردة أيضا وخاصة الولايات المتحدة . إذ
أن تكلفة الإنتاج في هذه الدول كأمريكا وبريطانيا والنرويج عالية جداً بالقياس إلى
تكلفة الإنتاج في منطقة الخليج العربي . ولذلك فإن سعراً منخفضا للنفط سيعني
تخفيض الإنتاج في هذه الدول وجعلها اكثر اعتماداً على النفط المستورد . كما
أن هذه الدراسات ترى أن سعراً يقارب الثلاثين دولاراً يعتبر عاليا جداً بحيث
أنه يؤثر على تكلفة الإنتاج في قطاعات كثيرة من اقتصاديات هذه الدول . وقد
قدر بعض "الخبراء" هذه الأيام أن سعر النفط سيستقر عند حدود 16-20
دولاراً . ومالهم بذلك من علم إن هم إلا يرددون أماني وتطلعات الدارسين
الغربيين . ومن أجل الوصول إلى هذا الغرض كانت هناك حاجة لما يسمى بالإدارة
الدولية لإنتاج وأسعار النفط . وهذا يعني توسيع دائرة أوبك من الناحية
العملية وذلك بأن تنسق الأخيرة مع دول أخرى كالنرويج والمكسيك وروسيا(1)
. والحق أن لأوبك مصلحة في هذا التنسيق من ناحية المبدأ وإن كانت التفاصيل
ستظل موضع خلاف . إذ ترى الدول المنتجة أن السعر يجب أن يتراوح بين 20-25
دولاراً للبرميل (جريدة الشرق الأوسط بتاريخ 4/3/2000م العدد 7767 .)
ويتميز سوق البترول بوجود تكتلين كبيرين هما
أوبك في جانب المصدرين ومنظمة التنمية والتعاون الاقتصادي (OECD) في جانب المستوردين . وهذا الوضع يشبه ما يسمى في علم
الاقتصاد بالسوق الاحتكاري الثنائي (Bilateral
Monopoly). ولذلك فإن من المتوقع
أن يستقر سعر النفط بين إرادتي المنتج شبه المحتكر (Monopolist
Quasi)
والمشترى شبه المحتكر (Monopsonist Quasi) . و لا يبعد أن يستقر المتوسط السنوي لسعر البترول
ما بين 20-21 دولاراً . و قد يقول قائل ، ولكن كيف يكون السعر أقرب إلى ما تتمناه
اوبك و هي ليست الطرف الأقوى؟ و الجواب على ذلك أنه بينما تحاول أوبك جهدها
للتنسيق فيما بينها كبائع ، يبدو أن المشترين يرون أن السوق على درجة
كافية من التنافس بحيث أنهم لا يرون حاجة مماثلة لذلك فيما بينهم على المدى
القصير.
إن حجج الدول الصناعية المستوردة للبترول لا
تقتصر على ما يسمى بالمصالح المشتركة للمنتجين والمستهلكين معا . فهناك
الدعوى بأن الفارق بين سعر السوق وتكلفة الإنتاج (وخاصة في منطقة الخليج العربي)
كبيرة جداً . وأن هذا يعني من وجهة نظرا الدول الصناعية ، أن الدول المصدرة
للبترول تجني أرباحا فاحشة جداً (pure Economic Rent) . وهذه دعوى خطيرة جداً . إذ أن الدول الصناعية
تحاول إيجاد مبرر علمي وبالتالي أخلاقي لأي إجراء تعسفي ضد الدول المصدرة .
ووجه الخطأ في هذه المقولة إنها لا تنظر في
التكاليف إلا إلى التكاليف المباشرة لتصدير النفط . فهي تغفل أن النفط سلعة
ناضبة لا يمكن تجديدها ، و أنها تشكل المورد الرئيسي لاقتصاديات الدول المصدرة ،
وأن الخيارات الاقتصادية لهذه الدول محدودة في المدى القريب ، وغير واضحة على
المدى البعيد . وهذا بخلاف الوضع بالنسبة للشركات والمؤسسات الخاصة التي
يمكن لا صحابها الخروج من استثمار غير مجد ببيعه والانتقال إلى غيره .
لقد تذمرت الدول الصناعية من ارتفاع أسعار
النفط وطالبت الدول المصدرة بزيادة الإنتاج وهددت باللجوء إلى الضخ من احتياطيها
الاستراتيجي إلى الأسواق . ويبدو أن هناك بعضا من التجاوب تجاه هذه المطالب
كما ظهر من تصريحات أكثر من مسؤول في منظمة الأوبك ودولها . ولكن صمود
الأوبك أما هذه الضغوط أمر ضروري لكي يعيد للمنظمة بعضا من المصداقية التي
افتقدتها زمنا طويلا . ويبدو أن هناك تفهما لهذه الضرورة على مضض من جانب
الولايات المتحدة ولذلك فقد أعلنت الولايات المتحدة أنها ستعطي الأوبك فرصة حتى
السابع والعشرين من شهر مارس الجاري قبل أن تقوم بتنفيذ تهديدها . ولكن
استمرار تضامن المصدرين يعطيهم فرصة لاختبار مدى جدية التهديد الأمريكي بتنفيذه
. وأحسب أنه أمر مؤكد في حالة استمرار ما تراه أمريكا سعراً عاليا للبترول
. ولكن السؤال هو إلى أي مدى ستذهب أمريكا في هذا الاتجاه وما هي الخيارات
المتاحة أمامها ؟
تتوفر لأمريكا أربعة خيارات، أولها أن لديها مخزونا
استراتيجياً يقارب الستمائة مليون برميل(2) من النفط . وهذا يعادل فيما اذكر
استهلاك أربعة شهور عند المعدلات العادية للاستهلاك . وتتوفر لدى بقية دول
منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي مخزونات مقاربة .ولكن هذه الدول لم تقم بتكوين
هذه الاحتياطات لمواجهة مثل هذه الظروف وإنما لمواجهة أية ظروف سياسية أو عسكرية
قد تنشأ مهددة استمرار إمدادات النفط كما حدث خلال حرب رمضان عام 1973م .
ولكن احتمالات حدوث مثل هذا التهديد تكاد تكون معدومة تماما في المستقبل المنظور
وخاصة بعد انهيار ما كان يسمى بالاتحاد السوفيتي ، هذا بالإضافة إلى الجو السياسي
و النفسي الذي نشأ بعد حرب الخليج الثانية. ورغم أن غياب هذا التهديد
يعطى الدول الصناعية خيارات أخرى في استخدام مخزوناتها ، إلا انه من المستبعد أنها
تفضل القيام بذلك لعدة أسباب . أولها ، أنها تفضل أن تقوم الدول المصدرة
بتحمل عبء تعديل ميزان الأسعار بزيادة الإنتاج بدلا من أن تقوم هي باستنـزاف جزء
من مخزوناتها الاستراتيجية . وثاني هذه الأسباب أن إعادة تكوين ما فقد من
الاحتياطي الاستراتيجي سيتم عند مستوى من الأسعار أعلى من تلك التي كانت سائدة قبل
سنوات . وثالث الأسباب أن الولايات المتحدة لا تستطيع الاستمرار في هذا
الإجراء لفترة طويلة وإلا أضعفت موقفها الاستراتيجي ، كما أن أثر هذا الأجراء يمكن
أن يزول بزوال المؤثر . ولكن من المستبعد أن تمضى الدول المصدرة في
التمسك بالمستوى الحالي من الإنتاج والأسعار . فهذه الدول تدرك أنها ليست
الطرف الأقوى مهما كان تضامنها في هذه اللعبة . وهذا يوضح الخيار الثاني
لأمريكا وهو القيام بالضغط الخفي والعلني على بعض المصدرين خارج أوبك وداخلها
. إن هذا الوضع يمثل فرصة ذهبية للمختصـين مـن علـماء الاقتصـاد بدراسة حالة
واقعية للنموذج المسمى بالاحتكار الثنائي (Bilateral
Monopoly) . أما الخيار
الثالث فهو أن يقوم المنتجون في الدول المستوردة باعتصار قدر ما يستطيعون مما تبقى
من طاقتهم الإنتاجية خاصة وان الأسعار المرتفعة يمكن أن تبرر ذلك. أما
الخيار الرابع فهو أن تقوم أمريكا وحلفاؤها بتخفيض الضرائب المتنوعة على النفط
وخاصة ضريبة الاستيراد من اجل التخفيف على مستهلكيهم وقطاعاتهم الإنتاجية الأخرى .
ويبدو لي أن باستطاعة المصدرين المجادلة بهذين الخيارين الآخرين عند التفاوض حول
المدى الذي سيذهبون إليه في زيادة إنتاجهم .
لقد ذاقت الدول المصدرة حلاوة النجاح خلال
الشهور الماضية كما ذاقت مرارة الفشل من قبل . ومهما قيل عن دور المؤثر
الخارجي فإن هناك جواً نفسيا من استعادة الثقة بالنفس في سوق النفط يشبه إلى
حد ما ، والقياس مع الفارق ، الجو الذي ساد بعد حرب رمضان 1973م . و أرجو
ألا نفقد هذا الجو. إذ أني لم أكد انهي كتابة هذا المقال حتى فوجئت و غيري
بخبر بوادر الانشقاق في جبهة أوبك. إذ أصدرت ليبيا و الجزائر و إيران بيانا
تعارض فيه دعوة مجموعة الرياض لزيادة الإنتاج . و لكن خيارات المحتجين تكاد
تكون معدومة ، و سيكون الاجتماع القادم لأوبك في نهاية
هذا الشهر صعبا مع دخول مفاوضين جدد من خارج الأوبك بشكل صريح. و لكن
المحتجين ربما ينجحون في التخفيف من الاندفاع نحو زيادة الإنتاج بقدر
كبير. ولذلك فإن على الدول المنتجة استثمار هذا النجاح الحالي بالاستمرار في خطة
التضامن هذه أولا ، والتفاوض مع الدول المستوردة حول شروط أفضل للتجارة معها عموما
بحيث تأخذ هذه الشروط في الحسبان حاجات وتطلعات شعوب هذه الدول .
لقد اتسمت تصرفات أوبك خلال سنوات طويلة
بالتنسيق القصير المدى الذي لا يتجاوز أربعة شهور و دون نجاح يذكر في بعض الأحيان
. ولعل أول وآخر مرة ، فيما أعلم ، قامت فيها أوبك بمحاولة التخطيط
الإستراتيجي بعيد المدى هي في عام 1976م. إلا أن تلك الخطة اختطفت باختطاف
جميع وزراء نفط أوبك خلال اجتماع لهم في فينا ذلك العام . وقد وعي القوم
الدرس حتى أصبحت هذه الإستراتيجية مثل حديث إفك يتبرأ منه سائر القوم.
ولم يكن للركب في سوق النفط حاد من بينهم منذ ذلك الحين . ترى لمصلحة من عمل
الخاطفون ومن هو الحادى الحقيقي في سوق النفط ؟
*أستاذ الاقتصاد المشارك
جامعة الملك فهد للبترول والمعادن