بسم الله الرحمن الرحيم

 

مؤتمر هارفارد السنوي  الثاني للتمويل الإسلامي

 

بقلم  *الدكتور/ أسامه أحمد عثمان

 

                بالرغم من عمرها القصير الذي لا يتجاوز ربع قرن حتى الآن ، فإن الظاهرة البنكية الإسلامية خاصة والاقتصاد الإسلامي عامة يشهدان اهتماماً متزايداً من دوائر كثيرة في أنحاء العالم . فلا يكاد يمر شهر إلا ونسمع عن مؤتمر يعقد أو بحث أو كتاب ينشران أو بنك إسلامي يؤسس . وقد بلغ الاهتمام بهذه الظاهرة أن جامعات عريقة ومؤسسات دولية هامة صارت تعقد المؤتمرات والندوات لدراسة موضوع الاقتصاد الإسلامي والبنوك الإسلامية . وقد قدر لي أن أقدم بحثاً في مؤتمر جامعة هارفارد السنوي الثاني للتمويل الإسلامي ، والذي انعقد في رحاب تلك الجامعة يومي 9 و 10 من شهر أكتوبر الماضي . وقد أدهشني ذلك العدد الكبير من الحضور والروح الإيجابية تجاه الموضوع من رجال بنوك عالمية كبيرة وأساتذة جامعات ومسؤولو  منظمات دولية كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي . لا بل لقد ألف اثنان من أساتذة جامعة هارفارد كتاباً عن التمويل الإسلامي شريعة واقتصاداً . وبالرغم من أنه لم يقدر لي قراءة الكتاب حتى الآن للحكم عليه ، إلا أن ظهور كتاب كهذا من جامعة عريقة كهارفارد ذو دلالة  لا تخفي. وقد بلغ من اهتمام بعض الحكومات بهذه الظاهرة أن أفردت البنوك الإسلامية بقوانين خاصة تنظم عملها، كما حدث في كل من البحرين والكويت وماليزيا . وهذا الاهتمام الخاص نابع من الطبيعة الخاصة للبنوك الإسلامية  والتي تتخلص في أن العلاقة بين البنك الإسلامي والمودعين  هي علاقة مشاركة أو مضاربة  ، الغنم فيها بالغرم ، إلا أن تكون الوديعة وديعة جارية فهي إذاً مضمونة الأداء في أي وقت . كما أن علاقة البنك الإسلامي بالمستثمرين (أي المقترضين)  تقوم على أساس مشابه . وتتلخص طبيعة العلاقة بين الأطراف الثلاثة في توزيع أكثر توازنا لمخاطر الاستثمار . وهذا يجعل البنك الإسلامي أكثر حذراً في اختيار المشاريع التي يشارك فيها .

 

                إن المتابع للأخبار الاقتصادية في العالم خلال السنتين الأخيرتين يلاحظ مدى الاضطراب الشديد في اقتصاديات كثير من دول العالم وقد بدأت الأزمة الأخيرة في منتصف العام الماضي في دول جنوب شرقي اّسيا  ثم امتدت إلى اليابان ثم إلى روسيا ثم البرازيل . وهاهي توشك أن تقترب من أمريكا . وقد اضطرت الحكومة الأمريكية لاتخاذ إجراءات استباقيه ، منها تخفيض سعر الفائدة ، خشية أن تعصف الأزمة بازدهار اقتصادي لم يتحقق للشعب الأمريكي مثله منذ زمن طويل . ومع ذلك فإن هناك من الاقتصاديين الأمريكيين من يتخوف من ألا يطول أمد هذا الازدهار . وبالرغم من أنه قد توجد أسباب خاصة للأزمة في كل بلد من هذه البلدان ، ألا أن العامل المشترك بينها هو العامل المالي الذي يقوم على التمويل بالربا . وأظهر ما يكون ذلك في دول جنوب شرق آسيا واليابان . فاقتصاديات هذه الدول وشعوبها منتجة نشطة ، وأثرها في التجارة الدولية أمر لا يمكن إغفاله . ولكن النظام  الربويّ  بالإضافة إلى عوامل أخرى ، أصاب اقتصاديات هذه الدول يجرح غائر كبير . وربما عدت لمناقشة هذه الأزمة في مقال لاحق .

 

          إن علل النظام المالي الحديث كثيرة نذكر منها اثنين . أولاهما أن النظام يقوم على الاقتراض على أساس ربوي . ويهدف العقد الربوي إلى نقل مخاطرة الاستثمار إلى المقترض وحده . ولكل استثمار مخاطره الخاصة به ، فإذا أضيف إلى ذلك المخاطر الناتجة عن قيود التمويل بالدين المالي نتج عن ذلك إما ضياع فرص استثمار وتوظيف نتيجة الخوف من المخاطر المتزايدة ، أو أن الاستثمار إن حدث فسيحدث عند مستوى أعلى من الأسعار لتغطية المخاطر المحتملة . أما ثاني العلل فهي أن النظام البنكي الحالي يقوم على أساس الاحتياطات    الجزئية  (partial reserve  requirements) أي أن البنك لا يلزم قانونا إلا بوجود احتياطات جزئية لتغطية التزاماته تجاه المودعين . وهذا ما يشجع البنك على التوسع في الإقراض بشكل أقل حذراً بكثير مما لو كان الأمر على خلاف ذلك . وهذا ما يسمى في لغة الاقتصاديين " بضعف الرادع الأخلاقي " ( moral  hazard  problem ) . وهذه القدرة الكبيرة للبنوك علي تجاوز قيد الاحتياطات الحقيقية تعطيها  مجالاً واسعاً  للتأثير على حجم الكتلة النقدية في الاقتصاد ، مما يضعف من قدرة البنك المركزي على السيطرة على تلك الكتلة  و بالتالي على معدل التضخم .  وكلتا العلتين (أي التمويل على أساس الربا ونظام الاحتياطات الجزئية) تؤديان إلى تفاقم مشكلة تجاوز الرادع الأخلاقي . فالتمويل بالربا يشجع على نقل المخاطرة إلى المقترض  ، و تجاوز الاحتياطات الحقيقية يشجع على مزيد من الإقراض .

 

          ولكن الآثار السلبية للنظام الر‎بويّ لا تنتهي عند هذا الحد . ففي المجتمعات الإسلامية ينفر كثير من الناس من التعامل مع البنوك مما يعني ضياع فرص كثيرة للاستثمار والتوظيف من ناحية ، كما أنه يؤدي إلى تضخم ثروات أولئك الذين كسروا حاجز الرادع الشرعي بمنع التعامل بالربا . و نتيجة لذلك تنشأ  الاحتكارات الضخمة و تختفي أو تضعف المنشات  المتوسطة و الصغيرة . و هذا الوضع يؤدي ولاشك  إلى اختلال اقتصادي واجتماعي كبير في توزيع الثروات والدخول مما يؤدي إلى شعور بالحرمان والغبن لدى كثير من الناس .

 

          إن تجربة البنوك الإسلامية تجربة واعدة للعالم كله  ، مسلمه وكافره . وهي تستحق الدعم والمساندة مهما كانت عثراتها . وإن من المؤلم أن يكون من بين أبناء المسلمين من يقف حجر عثرة في طريقها . ولا أستبعد أن يأخذ بهذه التجربة أو بعض جوانبها المزيد من دول العالم ، فإلى متى نبقى متخلفين عن الركب ؟ .

 

 

 

الدكتور / أسامه أحمد عثمان

أستاذ مشارك - قسم المالية والاقتصاد

جامعة الملك فهد للبترول والمعادن  

الظهران  31261

                                                                                                     e- mail : osama@kfupm.edu.sa