بسم الله الرحمن الرحيم
سوق النفط ومستقبل أوبك بعد الحرب على العراق
*بقلم الدكتور/ أسامة أحمد عثمان
تستعر نار الحرب الإنجلو – أمريكية فوق أرض العراق
الشقيق ولا يتردد الغزاة في الجهر ببعض نواياهم بعد الحرب تجاه العراق
والمنطقة العربية كلها. وما خفي كان أعظم. ومن ذلك ما يتعلق بمستقبل ثروة العراق
النفطية. إذ يزعم الغزاة أن نفط العراق سوف يستغل لصالح الشعب العراقي وأن حكم
العراق سيؤول في النهاية إلى حكومة "ديموقراطية" عراقية. ويبدو أن
ديموقراطية الغزاة قد إتخذت بعض القرارات المصيرية بشأن العراق دون أن يكون لأهل
البلاد أدنى رأي فيها. ومن ذلك القول بتخصيص صناعة النفط العراقية، أي تجريد أي
حكومة عراقية في المستقبل من سلطة إتخاذ أي قرار بشأن إنتاج وبيع وتسعير النفط
العراقي في المستقبل. وبالطبع فإن عملية التخصيص هذه تعنى أن الشركات الأنجلو –
أمريكية سيكون لها القدح المعلى في هذه الصناعة إن لم يكن القدح الوحيد. وقد ورد
في الأنباء تصريحات على لسان المسؤولين الأمريكين مثل "أن العراق ليست دولة
ذات سيادة" وأنه " حالة فريدة و"أن الذين قاتلوا
بدمائهم وأموالهم أولى بالتصرف بشؤون العراق". ويستتبع القول بتخصيص صناعة
النفط العراقية قول بإحتمال انسحاب العراق من منظمة الاوبك ذلك ان المنظمه هي تجمع
لدول ذات سيادة وترسم سياستها حكومات الدول الاعضاء. ومادامت صناعة النفط العراقيه
ستتبع القطاع الخاص ( الانجلوامريكي ) فإنه لامبررلبقاء العراق عضواً في المنظمة .
هناك خمسة عوامل يمكن ان تؤثر في تماسك سوق البترول بصورة عامة ومنظمة
الاوبك بصورة خاصة. وأول هذه العوامل هو العامل العراقي ويجدر بنا ملاحظة انه
وخلافاً لكل التوقعات فقد بقيت منشآت البترول العراقية حتى الآن سليمة من التدمير
حتى الآن. وهذا يعنى أن غياب العراق عن سوق النفط لن يستمر لفترة طويلة. وقد تجنب
الفريقان المتحاربان تدميرها لدوافع مختلفة. ومع ذلك فإن المنشآت النفطية العراقية
تحتاج إلى إعادة تأهيل بعد فترة حصار للعراق طيلة الأثنتي عشرة سنة الماضية. وبسبب
إنخفاض الطاقة الإنتاجية العراقية إثر حرب الخليج الثانية والعقوبات المطبقة على
العراق، فقد أعفت المنظمة العراق من الإلتزام بحصص الإنتاج التي تقررها في
إجتماعاتها الدورية. وبالطبع فإن الحرب الدائرة حالياً قد فاقمت الأوضاع
الإقتصادية والمعيشية في العراق سوءاً. ويحتاج العراق إلى إستثمارات كبيرة جداً
قدرت بحوالي 5 – 6 بليون دولار من أجل إعادة تأهيل صناعتة النفطية وستستغرق هذه
العملية مابين سنتين إلى ثلاث سنوات حتى يستعيد العراق عافيته النفطية ويعود إلى
مستوى إنتاجه قبل غزوه الكويت والذي بلغ 3.5 مليون برميل يومياً . ويقدر الخبراء
أن الإحتياطيات النفطية المثبتة للعراق يمكن أن ترتفع من 112 مليار برميل حالياً
إلى أكثر من 300 مليار برميل. وهو ما يفوق إحتياطي المملكة العربية السعودية (أنظر
الجدول المرفق).
إحتياطات النفط الخام (مليون برميل) |
الدولة |
262.697 |
المملكة العربية السعودية |
112.500 |
العراق |
99.080 |
جمهورية إيران الإسلامية |
97.800 |
الإمارات العربية المتحدة |
96.500 |
الكويت |
المصدر: الكتاب الإحصائي السنوي لأوبك عام 2001م |
وهذه الإحتياطيات المحتملة يمكن أن تزيد من
الطاقة الإنتاجية للعراق ربما إلى ستة أو حتى ثمانية ملايين برميل يومياً حسب
تقديرات بعض الخبراء . ورغم أن هذا قد يستغرق بضع سنوات من الآن إلا أنه يعنى، إذا
صحت هذه التقديرات، أن سوق النفط بصورة عامة ومنظمة الأوبك خاصة ستكون مقبلة على
فترة عصيبة جداً ولكنه يعني أيضاً أنه سيمضي بعض الوقت حتى تعطي النتائج السياسية
والعسكرية لهذه الحرب أثرها على سوق النفط. وبناء على ذلك فإن العامل العراقي
المؤثر على سوق النفط على المدي القصير ليس إنسحابه أو بقائه داخل منظمة الأوبك
بقدر ما هو حجم إنتاجه النفطي. ولكن كلما تعاظم إنتاج نفط العراق كلما كان أثر
إنسحابه من المنظمة محسوساً إذ أن إنتاجه لن يكون محكوماً بقرارات المنظمة. ولكن
الآثار البعيدة المدى لإنسحاب العراق من الأوبك لن تتوقف على ذلك. إذ طالما أظهر
الأمريكان ضيقهم وبرمهم بمنظمة الأوبك ودعو إلى تفكيكها. ولذلك فإن إرغام العراق
على الإنسحاب من المنظمة إنما هو الخطوة الأولى نحو تفكيك المنظمة. ترى هل تنجح
إمريكا في ذلك ؟ ستحاول أمريكا وبإلحاح، وهذا هو العامل الثاني، الضغط على بعض
الدول الأعضاء في أوبك للإنسحاب منها. والمرشحون لذلك ولإسباب سياسية لاتخفى، هم
على الترتيب الكويت وقطر وفنزويلا. وقد حاولت أمريكا الضغط على الأخيرة والتي
يترأسها فيكتور هوجوشافيز وهو رجل ذو ميول إشتراكية معادية لأمريكا. وقد فشلت
أمريكا حتى الآن في إزالته عن السلطة مرتين، مرة عن طريق الإنقلاب العسكري ومرة عن
طريق الإضرابات التي كادت أن تشل إنتاج فنزويلا النفطي. ولكن أمريكا لن تنسى ثأرها
عند الفنزويلين وستحاول إجبار فنزويلا على الإنسحاب من الأوبك حالما يحدث تغيير في
الحكومة بطريقة أو بأخرى. ولكن قرار الإنسحاب من الأوبك بالنسبة لأي حكومة من
حكومات الدول الأعضاء سيكون أمراً يصعب تبريره أمام شعوب هذه الدول، خاصة وأن أوبك
هي المنظمة الوحيدة من منظمات دول العالم الثالث التي إستطاعت أن تحمي مصالح
أعضائها إلى حد ما. وقد يكون تخصيص صناعة النفظ في الدول الأعضاء هو الحيلة
الأمريكية نحو بلوغ أهدافها تجاه أوبك. أما العامل الثالث فهو التطورات التي يمكن
أن تحدث في إمدادات البترول في مختلف مناطق العالم وخاصة خارج منظمة أوبك. فهناك
دول مرشحة للخروج من سوق النفط بسبب إحتمال قرب إنتهاء إحتياطياتها مثل الجزائر
وأندونيسيا و بحر الشمال ( بريطانيا و النرويج ). ولكن آراء الخبراء بالنسبة لبحر
الشمال متضاربة. فهناك من يرى أن معدل الإكتشافات في هذه المنطقة يزيد على معدل
الإستخراج. ولكن مادامت أسعار البترول أعلى من تكلفة إستخراجه، فإن هناك دائماً من
يريد زيادة طاقته الإنتاجية لتحقيق بعض المكاسب. وما دامت أوبك تتقوم بعملية
الدفاع عن الأسعار فإن إحتمالات حدوث هذا تتزايد. ويتأثر بهذا الوضع، وهذا هو
العامل الرابع، مايمكن أن يحدث بالنسبة لأنواع الطاقة البديلة الأخرى كالطاقة
الشمسية والغاز الطبيعي. إذ كلما كانت أسعار البترول مرتفعة زادات إحتمالات
الإستثمار في تطوير تقنية إستخدام بدائل الطاقة الأخرى. لقد جادل بعض الباحثين ان
القلق المتزايد حول البيئة، وهذا هو العامل الخامس ، يمكن أن يقلل كثيراً من
إستخدام البترول والإتجاه نحو مصادر أقل تلويثاً للبيئة. ولكن إنسحاب أمريكا في
بداية عهد الرئيس الأمريكي الحالي جورج دبليو من بروتوكول كيوتو يمكن أن يضعف من قوة
هذا العامل وخاصة إذا أتبعت دول أخرى أمريكا في هذا المجال. ولكن إذا كانت الأسعار
" العالية " للنفط ليست في مصلحة الدول المستوردة له ، ماهو الحد الأدنى
الذي يمكن أن تدفع إليه أمريكا أسعار النفط؟ في أوائل التسعينات كانت الدول
الصناعية تطالب بسعر للبترول يتراوح بين 16-22دولاراً للبرميل. ثم عادت لتقبل بسعر
يتراوح بين 20-25دولاراً. ثم اصبح النطاق الحالي الذي تتبعه أوبك وهو 22-28دولاراً
أمراً معقولاً كما أعلن بيل كليتون في أواخر أيام رآسته لأمريكا عام 2000م. لابد
من أن نلاحظ هنا أن تدهوراً مريعاً لأسعار النفط ليس في مصلحة الولايات المتحدة
الأمريكية. كوجود أسعار معينة للنفط ضروري من أجل إستعادة تكلفة الإستثمارات
القائمة في البترول وكثير منها أمريكي. كما أن هذه الأسعار ضرورية من أجل حدوث
إستثمارات جديدة ليس في مجال النفط وحده ولكن في مجالات الطاقة البديلة. إذ أن إنخفاضاً
شديداً لإسعار النفط سيؤثر سلباً ولا شك على جميع الإستثمارات في مجال الطاقة.
وهذا آخر ماتريد الدول الصناعية وعلى رأسها أمريكا أن يحدث لها. ولكن هذا لا يعني
أن بإمكان دول الأوبك أن تنام مرتاحة البال. فبعض الإنخفاض في أسعار البترول لا
مفر منه عاجلاً أو أجلاً، مالم تحدث زيادة غير متوقعة في الطلب على البترول كما أن
تزايد حجم الدين العام ومعدل نمو السكاني الكبير في كثير من هذه الدول لابد أن
يدفعها للبحث عن بدائل أخرى لدخل النفط.
___________________
* أسامة أحمد عثمان
أستاذ الإقتصاد
المشارك
جامعة
الملك فهد للبترول والمعادن