بسم الله الرحمن الرحيم

 

لا تبيعوا الطائرات لأجنبي

بقلم الدكتور/ أسامة احمد عثمان*

 

تقوم الخطوط الجوية العربية السعودية منذ عدة سنوات بعملية تحديث لأسطولها الجوي .  وقد شمل ذلك من بين عدة اشياء شراء طائرات جديدة ومحاولة التخلص من بعض الطائرات القديمة .  ويظهر من الأخبار الواردة في الصحف أن الخطوط السعودية تجد صعوبة في بيع هذه الطائرات وعددها أربع وعشرون طائرة ، منها ست عشرة طائرة من طراز ترايستار والباقيات من طراز بوينج 737 . وكانت السعودية على وشك الانتهاء من صفقة بيع هذه الطائرات إلى زبون أمريكي بسعر مئة مليون دولار ، إلا أن هذه الصفقة لم تتم حتى الآن .  وقد لا تتم أبداً .  ومن المعروف أن الدول التي تصدر معدات ذات تكنولوجيا متقدمة ، وخاصة تلك التي يمكن أن تكون متعددة الأغراض ، غالباً ما تفرض في عقود البيع شروطاً تتعلق بمنع المشتري من إعادة بيعها إلى طرف ثالث إلا بعد موافقة حكومة الطرف البائع .  وهذا مما يخلق صعوبة كبيرة  أمام بيع مثل هذه المعدات .  وقد ورد في الصحف المحلية منذ بضعة شهور ما يفيد أن إيران قد عرضت شراء كل أو بعض هذه الطائرات ،  إلا أن ممانعة حكومة الولايات المتحدة الأمريكية حالت دون ذلك .  وهذا قيد يجب التنبه إليه عند القيام بعقد صفقات مثل هذه في المستقبل. ولعل وجود أكثر من بلد منتج لمثل هذه الطائرات يمكن أن يكون عامل ضغط لتخفيف مثل هذه القيود .  ومن ذلك مثلاً أن يلتزم الطرف البائع إما بالمساعدة في إيجاد زبون بسعر معقول لهذه المعدات عند الرغبة في بيعها ، أو أن يلتزم بإعادة شرائها بناء على صيغة يتفق عليها .  ومما يزيد من صعوبة بيع هذه الطائرات أنها قديمة الصنع وهذا مما يزيد في تكلفة صيانتها والتأمين عليها.  ولعل هذا ما يفسر ما يبدو أنه ثمن بخس لعدد كبير من الطائرات .  وقد لايكون كذلك .  ومن المعروف أن شركة لوكهيد قد توقفت عن إنتاج طائرات الترايستار منذ حوالي عشرين سنه .  وهذا  يخلق صعوبات في توفير بعض قطع الغيار لهذه الطائرات .

 

ولقد أوردت الصحف أيضا خبراً يفيد بأن ثلاثة من رجال الأعمال السعوديين قد استثمروا مبلغاً يوازي خمسمائة مليون دولار في شركة أمريكان إير لاينز والتي تنوي شراء حصة قدرها 20% من شركة تي . دبليو . إي .  وقد تحسرت على خطوة كهذة كما تحسرعليها مسؤول سابق في الخطوط السعودية ، وسألت نفسي هل القيود على الاستثمار عندنا طبيعية أم مصطنعة ؟ أو ليس بالإمكان السماح بقيام شركة طيران سعودية أخرى إلى جانب الخطوط السعودية ، خاصة على ضوء تنامي الطلب في المواسم ؟  إن تخصيص الخطوط السعودية قد يكون خطوة في الإتجاه الصحيح إلا أنه خطوة غير كافية .  إذ أنه من أجل زيادة فعالية إدارة وتوزيع الموارد في أقتصاد ما فإنه لا بد من السماح بالمنافسة كأحد العوامل المهمة لتحقيق هذه الفعالية .  لا بل إن السماح بالمنافسة يجب أن يسبق التخصيص .  وذلك أن تحويل "السعودية" إلى كيان خاص يعمل على اسس تجارية بحته مع كونه محتكراً للنقل الجوي الداخلي سوف يرفع أسعار هذا القطاع حتما .  وليس من المستبعد أن يؤدي التخصيص في "السعودية" أو غيرها من المرافق الحكومية إلى الاستغناء عن بعض العمالة الفائضة ، وهذا سيفاقم معضلة البطالة عندنا .  ولذلك فإنه لا مفر من السماح بالمنافسة وفتح أبواب الأستثمار لاجتذاب رأس المال الوطني المهاجر قبل إجتذاب رأس المال الأجنبي .

 

ولرب ضارة نافعة . إذ أن فشل صفقة بيع هذه الطائرات لأطراف أجنبية يمكن أن يحفز على إنشاء شركة طيران سعودية جديدة تكون هذه الطائرات نواة لها .  ولو كنت في موضع المسؤولية لبعت هذه الطائرات ولو بنصف السعر المطلوب حالياً، ولأعطيت المشترين فترة سماح في السداد لمدة خمس سنوات مثلاً .  إن بقاء هذه الطائرات لدى الخطوط السعودية عبء عليها ولا أظن أنه يفيدها بشئ .  ولعل التوفير الناتج عن التخلص منها يمثل حافزاً كافياً لبيعها .  إلا ان نظرة وطنية أشمل تدعونا إلى توقع نتائج أبعد من مجرد كسب "السعودية" لبعض الملايين من الريالات .  إذ أن نشوء كيان إستثماري كبير كشركة الطيران المقترحة سيخلق عدداً لا بأس به من الوظائف ، كما سيساهم في تخفيف الإختناقات في النقل الجوي الداخلي وخاصة في المواسم .  ولو أفترضنا أنه يمكن خلق 160 وظيفة مقابل كل طائرة (155 وظيفة في شركة أميركان أير لاينز) فإن هذا يعني خلق قرابة أربعة آلاف وظيفة في المرحلة الأولى من قيام شركة كهذه. وقد تقوم هذه الشركة باجتذاب بعض فائض العمالة لدى الخطوط السعودية ، وهذا مما يجعل تخصيص الأخيرة أكثر سلاسة ويسراً .  ولما كان نشوء كيان استثماري يؤدي إلى خلق طلب من جانب هذا الكيان على خدمات قطاعات أخرى ، فإن نشوء مثل هذه الشركة سيؤدي إلى خلق وظائف جديدة في تلك القطاعات .  وقد تكون الخطوط السعودية أحد المستفيدين من قيام الشركة المقترحة .  إذ أن الشركة الجديدة ستحتاج في السنوات الأولى على الأقل إلى بعض الخدمات التي تقدمها "السعودية" إلى شركات الطيران الأخرى الأجنبية كخدمات الصيانة  والتموين .  ومن نافلة القول أن إعطاء ترخيص بإنشاء شركة كهذه وأمثالها يجب أن يربط بسعودة الوظائف من غير تعسف .  ومن أجل خلق جو من المنافسة الحقيقة في قطاع النقل الجوي الداخلي فإن الشركة المقترحة يجب أن تكون مستقلة تماماً عن الخطوط السعودية .

 

    *أستاذ الاقتصاد المشارك

جامعة الملك فهد للبترول والمعادن

       osama@kfupm.edu.sa