صحيفة الاقتصادية الالكترونية - كُـتـّاب الاقتصادية - الخميس, 26 شعبان 1429 هـ الموافق 28/08/2008 م - - العدد 5435
أرشيف القسم


مقالات الكاتب
أولمبياد بكين .. العالم يحتفي بالصين وليس العكس

اقرأ أيضاً
الإصرار على السعي للتميُّز وسط عشوائية الأداء والتحيُّز
أعراسنا أفراح أم أتراح؟!!
نظام التعليم الفني.. إلى أين؟!
بوتن وحرب الميداليات الباردة والتنمر على جيرانه
حلول لتفادي الرهن السعودي أزمة الرهون الأمريكية؟
كوارث رمضانية!
تدمير التراث!

   
أولمبياد بكين.. لمن الميدالية الكبرى ؟
د. أسامة أحمد عثمان  -  26/08/1429هـ
osama@kfupm.edu.sa


انتهت المسابقات الأولمبية في بكين والتي حظيت باهتمام دولي لم تحظ به أي مسابقات أولمبية من قبل وحصدت الصين فيها أكبر عدد من الميداليات الذهبية. وكان معهد اقتصادي فرنسي قد قدر بناء على معطيات اقتصادية وتاريخية أن تكون أمريكا في مقدمة الحائزين على الميداليات في أولمبياد بكين تليها روسيا ثم الصين. ولكن نتائج الأولمبياد عكست تلك التوقعات فقد تقدمت الصين على كلا منافستيها وبفارق كبير في عدد الميداليات الذهبية. حصدت الصين 51 ميدالية ذهبيه, وحصدت أمريكا 36 ذهبية وحصدت روسيا 23 منها. وإن كانت أمريكا قد تقدمت عليها في مجموع الميداليات. (110 لأمريكا مقابل 100 للصين). حرصت الصين على انتزاع إعجاب العالم على مستويين. الأول هو مستوى التخطيط والبناء والتجهيز للمرافق اللازمة لإنجاح دورة بكين ثم إدارة تلك الدورة بنجاح باهر. وهي أمور يشترك العالم في الاستفادة منها مع الصين مدة الدورة وربما بعدها. أما المستوى الثاني فهو يخص الصين وحدها وهو قدرة فرقها الرياضية على تحصيل أكبر عدد من الميداليات الذهبية. الإنجاز على هذين المستويين كانا ضروريين لكي يمد الروح القومية الصينية بمزيد من روح الفخر والدافعية على الإنجاز فماذا تعني هذه النتائج؟ أيا كانت نتائج المسابقات الرياضية فإن مصيرها المتاحف وكتب التاريخ. النجاح في إثبات القدرة على التخطيط والتنظيم والإنجاز لحدث عالمي كبير تلك كانت هي الميدالية الكبرى للصين. وقد انتهت دورة بكين دون منغصات تذكر.
إلا أنه وإن كانت الإنجازات الرياضية دليلا على نوع من أنواع التفوق، إلا أن من الخطأ المبالغة في إعطاء هذه المسابقات دلالات أكثر مما تستحق. فلقد حصدت بعض الميداليات الذهبية دول لا تكاد تتمتع بأي وزن في العالم. وإلا فإن كثيرا من زنوج أمريكا قد برعوا في الرياضة والفن ولكن بقيت تلك هي الحدود التي ينافس فيها كثير من أولئك القوم. وبكلمات أخرى فإن التفوق الرياضي للصين هو نتيجة وليس سببا لإنجازاتها في مجالات أخرى. لا بل إن الصين ليست محتاجة للتفوق الرياضي لكي تنافس في مجالات أخرى. ولا أقصد بهذا التقليل من أهمية الرياضة في تحسين الصحة الجسدية والنفسية للأفراد وللمجتمعات. ولكن المبالغة الشديدة في إعطاء مثل هذه النشاطات كل هذه الأهمية يذهب بها بعيدا عن هذا الغرض.
وإذا عدنا إلى عدد الميداليات التي حصدتها الصين مقارنة بأمريكا مثلا فإن الوزن النسبي لعدد الميداليات الذهبية الصينية يضعها في مرتبة متقدمة جدا بالنسبة لأمريكا. لا بل إن بعض مدربي الفرق الأمريكية كانوا من الصينيين. فهل تتعدى قيمة هذا التفوق إلى أي مجال آخر سوى الرياضة؟ أشك في ذلك تماما. فثلاثة أرباع الصين لا يزال يرزح تحت وطأة التخلف وإذا أخذنا الصين كبلد ككل فإنها لا تزال دولة نامية. ولكن أهميه الإنجاز الرياضي الصيني، والذي أتوقع له أن يستمر في دورات مقبلة، هي تأكيد أهمية روح الطموح والتصميم والصبر والرغبة في التفوق في كل مجال من مجالات الحياة و ليس في المجال الرياضي وحسب. إن هذه الروح هي التي تدفع الصين لتعويض سنوات طويلة من العزلة والتخلف. وهذا يشكل عزاء للدول التي لم تحقق أي إنجاز رياضي في الأولمبياد، فالرياضة ليست المجال الوحيد للتفوق، إلا أنه لا عزاء ولا عذر للكسالى والمتخاذلين.
صحيح أن الحجم السكاني الكبير للصين والموارد المالية الهائلة التي حشدتها الحكومة الصينية يزيدان كثيرا من احتمالات فوز الصين بالمسابقات إلا أن الأمر ليس مجرد عدد السكان و حجم الموارد المالية فتربية الأبطال الأولمبيين تبدأ من سن الرابعة وفي مدارس داخلية تتسم الدراسة فيها بصرامة المدربين وربما قسوتهم على الأطفال و لذلك فإن الصين ليست مثلا يحتذى في التربية. فالتفوق الرياضي يجب ألا يكون غاية في ذاته. ليس على الدول النامية أن تحذو حذو الصين في المجال الرياضي فظروف أو إمكانيات الصين تاريخا وسكانا وموارد مالية لا تتحقق لكثير من الدول. ولكن الصين تشكل مثلا مؤكدا في مجالات التفوق الاقتصادي. لم تحقق الهند سوى ميدالية ذهبية واحدة و لكنها دوله نووية وذات اقتصاد نام يحسب له حساب كبير في علاقات الدول. إن الرياضة والفنون يمكن أن توفرا طريقا مختصرا لبعض الأمم المتخلفة لإظهار شيء من التفوق، إلا أنه غالبا ما يكون محدودا، قصير الأمد ولا يمتد أثره إلى الجوانب الأخرى من حياة الشعوب. والسبب في ذلك أن هذه المجالات أي الرياضة والفنون، هي جوانب ترفيهية، إلا أنها لا توفر بالضرورة قوة دافعة للعمل نحو ما هو أكثر أهمية. وقد برع البرازيليون في كرة القدم فحازوا كأس العالم خمس مرات خلال الـ 60 عاما الماضية ولكن البرازيل لا تزال مصنفة كدولة نامية. ولذلك فإن التنمية وتقدم أي شعب لا يمكن أن يبدأ بالاهتمام المفرط برياضته وفنونه.
يبقى سؤال حول ما إذا كانت الصين ستستطيع أن تحقق المزيد من الإنجازات على المدى البعيد في الإطار المؤسسي نفسه والفكري السائد فيها حتى الآن؟ إن الدافعية القومية يمكن أن تكون ذات تأثيرين متضادين في حياة المجتمع. فهي قد تكون قوة دافعة نحو التغيير ولكنها يمكن أن قوة كابحة له بحجة أنه لولا الوضع السائد لما تحقق ما تحقق من إنجازات. والأخطر من ذلك أن ينظر إلى أي قوة تغييرية كقوة عدو للحكومة والمجتمع.إن القيمة الحقيقة لإنجازات أي بلد تكون أكثر قيمة وأبعد أثرا في حياة الشعب نفسه وفي حياة العالم عندما تكون توجهات حكومته ناتجة عن خيارات شعبية حقيقية لا من وصاية من القيادة على الشعب. إن وضعا كهذا هو الذي يوفر شعورا حقيقيا بالثقة بالنفس ويولد قوة دافعة حقيقية لاستمرار الإنجازات.

* أستاذ الاقتصاد المشارك
جامعة الملك فهد للبترول والمعادن

672 قراءة


ابحث بالجريدة
بحث متقدم


[ إدارة التحرير ] [ راسلنا ] [ للإعلان بالموقع ] [ مواقع شقيقة ] [ مواقع مميزة ] [ الشريط الاقتصادي ] [ الشريط الرياضي ]
Powered by Alnashir v2.05 Copyright dci.net.sa

جميع الحقوق محفوظة لجريــدة © 2008 - 1429