كيف نكسب قلوب أبنائنا؟

 

اللصوص من حولنا يتسابقون لاختطاف صغارنا ورياحين قلوبنا وعطرها، وإبعاد قلوبهم عن قلوبنا، رغم أن الأجساد متقاربة والسحنات متشابهة، كل أبٍ و أم يحبون أن يذكرهم أبناؤهم  بل تذكرهم الأجيال جميعها بأجمل الذكر وأطيبه، فكيف السبيل إلى ذلك؟ هناك عدة خطوات تحقق هذا الأمر:

·       الحب والمودة بين الوالدين و أبنائهم

وهذا حب فطري لا يحتاج إلى تعليم، لكنه يحتاج إلى تدعيم، فمن حب الملامسة الجسدية: التربيت على الكتف، القبلة في مناسبات عدة؛ فالأبناء يحتاجون إلى الدفء العاطفي والحنان بين الحين والآخر، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما يرى فاطمة الزهراء مقبلة عليه يقوم لها فيهش ويبش، ثم يقبلها من جبينها ويقعدها إما مكانه أو إلى جواره، صلى الله عليه وسلم.

·       حسن استقبال الغائب من الأبناء

عندما يصل الأبناء من المدرسة تحاول الأم أن تكون في البيت هادئة ومستقرة نفسيًا، لا تحاول أن تمطرهم بوابل الشكاوى أو الأوامر، بل يجب أن  تفرغ وقتيًا وذهنيًا للاستماع إلى هموم القادم الخاصة بعيدًا عن الآخرين. و كذلك الحال بالنسبة للأب إذا كان متواجداً في البيت.

·       المخاطبة بأسلوب ودي

خاصة عند النهي؛ وقد قال يعقوب عليه السلام ليوسف: { يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك }، فقبل أن ينهاه خاطبة بطريقة ودية، وليكن الخطاب مع الأبناء مفعم بالحب ومُحلى بالاحترام.

·       الاحترام

ونقصد به تقدير مشاعر الأبناء وتقبل كيانهم ومعرفة إمكاناتهم، فلا نشتمهم بقبيح الكلام أو نكثر النقد عليهم، فاحترامنا للغير يقودنا إلى التوجيه برفق لا التوبيخ والنقد الجارح، والمسافة واسعة بين التوجيه والتوبيخ. ويمتد الاحترام إلى شكل الأبناء حتى لو كان أحدهم يشبه أحد الأشخاص الذين لا نحبهم؛ فذلك ليس مبررًا للسخرية والبغضاء . مثل هذه العبارات تفرق القلوب وتزرع الشحناء والبغضاء.

ومن الاحترام أيضًا تقبل قدراتهم وهواياتهم وميولهم واحترامها، فالوالدان الواعيان يأخذان بيد أقل الأبناء قدرات، ويحاولان جاهدين رفعه، وتنمية هوايات أبنائهم مهما كانت بسيطة، ورحم الله شوقي إذ يقول على لسان طفل:

أنا في الصبـح تلميذ         وبعد الظهر نجار

فلي قلـم وقرطـاس         وإزميل ومنشـار

وعلمي إن يك شـرفًا        فما في مهنتي عار

ثم هما يرعيان النوابغ والأذكياء من أبنائهم ، فيحضران لهم مستلزمات تطورهم ؛ كالكتب والمراجع والأدوات والأشرطة.

وأما عن احترام آرائهم، فيفضل أن يستشار الأبناء في بعض الأمور حسب وعيهم، ويستمع إلى حديثهم، وتأملوا سيرته صلى الله عليه وسلم وقد شرب ذات مرة، وعبد الله بن عباس عن يمينه وأبو بكر عن يساره (أو أبو هريرة)، فأحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يؤثر الكبير على الصغير، رغم تخالف موقعهم منه؛ فاستأذن ابن عباس فقال له: "والله لا أوثر سؤرك أحدًا" وشرب ابن عباس رضي الله عن الصحابة أجمعين.

·       التكريم (أكرمي مثواه)

والكريم في اللغة كثير الخير، ومن يُكرم يمسي كريمًا، وهي تربية بعيدة عن الإهانة والقسوة والإذلال، وهنا لابد أن نقف مع قانون الثواب والعقاب؛ فإن عصى الطفل أمرًا إلهيًا ـ كأن يكذب مثلاً ـ وللكذب عن الأطفال قضايا وملابسات، وقررنا أن نعاقبه، فمن الحكمة أن نتصرف بهذا التسلسل:

-        إن قلتَ الصدق ـ وأنا أعرف أنك صادق ـ سوف أحبك وأجلسك إلى جواري وأقبلك (وهذه مكافئة معنوية).

-        إن قلت الصدق سوف أعطيك مكافأة (هذه مكافأة مادية).

-        هذا ليس صدقًا؛ سوف أخاصمك (هذه عقوبة معنوية).

-        هذا ليس صدقًا؛ لن آخذك إلى النزهة غدًا (هذه عقوبة معنوية عنيفة).

-        هذا ليس صدقًا، وإن لم تقل الصدق سوف تعرض نفسك للعقوبة (هذا تهديد مادي).

-        هذا ليس صدقًا، وأنت تستحق العقوبة (هذه عقوبة مادية).

يقول عبد الله علوان رحمه الله في كتابه القيم "تربية الأولاد في الإسلام": "إن عدم اتباع هذا التسلسل في التربية قد يوقع المربي في إثم".

فاحرصوا على أن تربوا أجيالاً مرفوعة الرأس عزيزة بطاعة الله، واثقة بمبادئها، معتزة بدينها، لا تذل ولا تحرج إلا إذا فعلت معصية.

·       المشاركة

وتحتها تندرج عدة أفعال؛ منها المؤانسة والملاعبة والممازحة.

ومن المؤانسة رواية القصص والسير والتأملات المشتركة، فمثلاً: رواية قصص السير ومواقفها المشرفة ، وهذا كنز عظيم رائع يعيد صياغة شخصية المسلم، وننصح هنا بالقراءة المشتركة لعدة كتب، في البداية كتاب محمد موفق سليمة، وصور من حياة الصحابة لعبد الرحمن رأفت الباشا، وأهل السيف والقلم لعبد المنعم الهاشمي، وهذه النماذج على سبيل المثال لا الحصر.

أما الممازحة الممزوجة بالاحترام دون تطاول فهي تهدم الحواجز بين الآباء والأبناء.

ومن أروع أنواع المشاركة مشاركة العبادات، وأهمها صلاة الجماعة مع جميع أفراد الأسرة، فهذه تذيب الحواجز الجليدية بين أفراد الأسرة وتستبدل بها علاقات حميمة زائفة.

 

·       مشاركة المناسبات والمواسم

مثل مواسم الرحلات والأعياد؛ فالوالدان المشاركان لأبنائهم يكونان معهم يوم فرحهم ويوم ترحهم، وقد يقلبان فشلهم إلى نجاح بوقوفهما ومساندتهما، وهنا أذكر قصة والدتين علمتا بأن ولديهما فشلا في امتحان الثانوية العامة، الأولى ربتت على كتف ابنها وقالت: أنا أنظر إليك بعد سنة من الآن ناجح بتفوق إن شاء الله، والثانية عندما طلب ابنها شيئًا من الطعام ردت عليه: أو تجرؤ على طلب الحياة! ومثلك لا يستحق الحياة؟

أما المجالسة والمؤانسة فتقصد بهما العطاء الزائد مثل قضاء سهرة مشتركة في غرفة الأولاد أو على حافة الشرفة، أو الجلوس في الحديقة، وحديث ودي خاصة حديث الذكريات والجيران، والمشاركة عمومًا قد تستغرق معظم جوانب الحياة، فهي التي تبدد الخوف والحزن والهم واليأس، والمشاركة الحانية شلال عطاء للهمم والقيم.

·       التضحية والعطاء

وهذا يتطلب بأن يفرغ الوالدان جهدهما من أجل أسرتهما وبيتهما، وعلى سبيل المثال قد يقلب هذا الأمر أولويات الأم الواعية عن غيرها، فقد تجد الواحدة غارقة بمتطلبات النفاق الاجتماعي على حساب بناء الجوهر الإنساني، ومثال ذلك عدم تقليل الأم لارتباطاتها الاجتماعية في موسم الامتحانات مثلاً، وأذكر هنا أبيات لأحد الشعراء، إذ يقول:

البيت أصبح تائهًا            ويكاد يطويه الدمـار

لا الأمهات لها به            عطف وليس لها قرار

بين المحافل تارة             زوارة لـو أن تـزار

ما بين آخر سهرة            أو موضة كان الحوار

وأذكر هنا حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: "طوبى لمن ملك لسانه ووسعه بيته وبكى على خطيئته".

والوالدان الأمينان لا يضحيان بجهدهما ووقتهما من أجل نجاح أبنائهم فقط، بل من أجل تفوقهم واستقرارهم وريادتهم.

·       التهادي

ونقصد أن يقدم الوالدان لأبنائهم هدايا بمناسبات مختلفة، تفوق في مدرسة أو في مسابقة قرآنية، أو في أي مجال إبداعي يرضي الله سبحانه وتعالى، وهدايا المرض، ففي تطبيق آداب عيادة المريض في البيت المسلم تعليم واقتداء وسعادة وراحة، وفي المقابل فإن الأبناء يبادلون الوالدين هذه المشاعر والهدايا، ولا ننسى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "تهادوا تحابوا".

·       الترفيه

مثل الرحلات أو عمل نشاطات تشبه النشاطات المدرسية من تسجيل كاسيت أو تصوير فيديو أو إعداد فقرات إنشادية أو مسرحية، وهذا له عميق الأثر في بناء الشخصية المتزنة المفعمة بالحيوية والنشاط.

 

·       التسامح

لا يمكن أن تكتمل حسن صحبة دون أن تتوج بالتسامح والصفح، ومن أشقى العلاقات تلك التي يشوبها سيئ التراكمات وأليم الذكريات، ومن أجل أن يكون التسامح قلبيًا لابد من أن نعتذر للصغار إن أخطأنا في حقهم وتسرعنا في الحكم عليهم أو أن نبين لهم وجهة نظرنا بروية وهدوء.

ثمرات هذه الصحبة:

أولاً: الحل الودي لجميع الاختلاف وعدم تصعيدها إلى خلافات ومشاحنات وبغضاء وتوتر.

ثانيًا: تستمر مجادف التوجيه الأسرية معطاءة حتى يصل الصغار إلى بر الأمان، وقلما يظهر العناد عند الأبناء الذين يعبرون عن آرائهم بشجاعة ويجدون لأقوالهم آذانًا صاغية.

ثالثًا: الحفاظ على شخصية وهوية ومبادئ الأسرة لأنها أقوى من أن تستورد الفكر الوافد المهلهل، أو الأزياء التربوية المخجلة، ويبدو شبابنا وشاباتنا في أشكال غريبة عنا ويحاولون جاهدين التملص من هويتنا وثقافتنا وديننا.

رابعًا: البيت الهادئ يشع فيه جو عبادة مثالي، وبالتالي يحقق سعادة الدنيا والآخرة بتوفيق الله.

خامسًا: وتتم في هذا البيت رعاية المواهب والطاقات وتخريج أجيال متفكرة ومبدعة.

سادسًا: سوف يتوارى الباطل من مجتمعاتنا وينحسر بإذن الله وترد بضاعتهم إليهم، ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله.