في أحد الأيام خرج إمبراطور من قصره يتمشى كعادته في الصباح ، عندما قابل شحاذاً

فسأل الإمبراطور الشحاذ : ما الذي ترغب فيه ؟

ضحك الشحاذ وقال للإمبراطور : أنت تسألني  كما لو كنت تستطيع أن تشبع رغبتي

أحس الملك بالإهانة فقال : بالطبع أنا أستطيع أن أشبع رغبتك .. ترى ما هي ؟ عرفني بها ؟ أعدك بأني سأحققها لك

فقال الشحاذ : فكر مرتين قبل أن تعد بأي شئ

لذلك أصر الملك وقال :أنا سأجيب أي طلب تسأله, إنني إمبراطور قوى جدا ، فما الذي يمكن أن ترغبه ولا أستطيع أنا أن أعطيه لك ؟

فقال الشحاذ : إنها رغبة بسيطة جدا .. أنت ترى وعاء الشحاذة هذا ، فهل يمكنك أن تملئه بشئ ما ؟

فقال الإمبراطور : بالطبع ! واستدعى أحد معاونيه وقال له : أملأ وعاء الشحاذة هذا بالنقود

ذهب هذا المعاون وأحضر بعض النقود ووضعها في وعاء الشحاذة ، وإذ بها تختفي...

فوضع نقودا أكثر ثم عاد ووضع نقودا أكثر ، ولكن اللحظة التي كان يضع فيها نقوداً في وعاء الشحاذ كانت تختفي فورا ويبقى وعاء الشحاذة دائما فارغا اجتمع كل من في القصر ...

وأخذت الإشاعة تنتشر خلال العاصمة ، وهكذا تجمع جمع غفير وأصبحت هيبة الإمبراطور محل تساؤل ولكنه قال لمعاونيه ، حتى لو فقدت كل المملكة، فأنا مستعد لذلك ، ولكن لا يمكن أن أهزم بواسطة هذا الشحاذ

عندها أخذ معاوني الملك يملئون الوعاء باللآلئ والجواهر والأحجار الكريمة ، وأخذت كل كنوز الملك تنفذ

لقد بدأ وعاء الشحاذة كما لو أنه بلا قرار.. كل شئ وضع فيه اختفى في لحظتها ، وكأنه لم يوجد

وأخيرا حل المساء ، والجماهير واقفة هناك في صمت مهيب .

 سقط الملك عند أقدام الشحاذ معترفا بهزيمته ثم قال له: فقط أخبرني بشيء واحد أنت انتصرت ولكن قبل أن تتركنا، فقط أشبع فضولي.. من أي شيء عمل وعاء الشحاذة هذا ؟ هل هو مسحور؟

ضحك الشحاذ وقال :لا أنه حقيقي وليس مسحور.. ليس هناك سر .. ولكنه ببساطة (عُمل من الرغبة الإنسانية)

أرجوا أن تكونوا فهمتم مرادي من هذه القصة هذا الفهم يغير الحياة ، فلو نظرت إلى رغبة ما ، تُرى ما هي الطريقة التي تعمل بها؟

أولا يكون هناك الكثير من الاستثارة ، رجفة حلوة عظيمة ، إحساس بالمغامرة ..أنت تشعر انك ستحقق ضربة كبرى .. هناك شئ وشيك الوقوع ، وأنت على حافة حدوثه

أنت أيها الإنسان وبكل بساطة تريد كل شيء .. تريد السيارة ثم تحصل على السيارة ، ثم تريد المنصب فيكون لك المنصب ، وتريد المنزل وتمتلك المنزل ، وتريد الزوجة وتتزوج بامرأة جميلة، وفجأة يصبح الكل في نظرك بدون معنى ..

 مرة أخرى ترى ما الذي حدث ؟

أن عقلك فقد إحساسه بما حصلت عليه .. فالسيارة أصبحت قديمة .. والزوجة هناك من هي أجمل منها والبيت هناك ماهو أفخم منه .. وكل يوم هناك جديد.. وهناك مثير .. ولكن لم تعد هناك استثارة بعد .. فالإثارة كانت في الحصول عليها فقط ..

حتى لقد أصبحت ثملاً بالرغبة التي امتلكتك .. حتى أنك نسيت فراغك الداخلي .. والآن الرغبة تحققت ، وهاهي السيارة في الطريق ، والزوجة في البيت ، والمال في حسابك في البنك ، وكل ماهو جديد تحت يديك ولكن الإثارة اختفت مرة ثانية ..

 أنت تريد ولا تعرف ماذا تريد!!

تريد أن تشاهد أفلام العالم كلها .. وتريد أن تسمع أغاني العالم كلها وتريد(..............) وتريد(.......)وتريد(...........)وتريد..

تريد حتى الممنوع والمحرم تريده لأنك تريده.. فقط لأنك أردته ..ألم تشاهدوا من يدفع الملايين من أجل تحفة أثرية أو شراء منديل مغنية أو...

لا تقولوا أني لا أقدر هذه الأشياء .. صدقوني أنها الرغبة التي لن تشبع ..هي مثل وعاء الشحاذ لا يمتلئ أبداً إذا مالذي يحدث...

ها أنت تشعر بالفراغ الداخلي مرة أخرى ، وهو يكاد يأكلك ويبتلعك .. تكاد تبكي.. وتكاد الهموم تقطعك أشلاء.. ومرة أخرى تجد أنه عليك أن تخلق رغبة أخرى كي تهرب من هذه الهوة المخيفة والسحيقة والمظلمة والتي لا يكاد ترى فيها بصيص من ضوء

وهذه هي الحقيقة.. كيف يتنقل الواحد من رغبة لأخرى.. وكيف يبقى الواحد شحاذا ..

وحياتك تثبت ذلك المرة تلو الأخرى ، كل رغبة باطلة لأنه عندما تحقق الهدف ، ستحتاج لرغبة أخرى ..أعرف أنكم تقولون ماذا تريد أن تتوصل إليه ...

أريد أن أقول أن كل ماعدا الله باطل وصدق الشاعر حيث يقول:

ألا كل شيء ماعدا الله باطل

فكل شيء هو ليس لله هو باطل

وصدق الأمام علي ع  حينما قال

 (رب شهوة ساعة أورثت حزناً طويلاً)

ولو كان لأبن آدم واديين يسيلان ذهباً وفضة لأبتغى لهما ثالثاً.. ولا يملأ جوف أبن آدم إلا التراب

وقديماً قالوا : ( القناعة كنز لايفنى)